الحركة الكردية في سوريا بين الواقع و الضرورة

افتتاحية البارتي *

إذا كانت الحركة الكردية في سوريا – منذ انبعاثها – معبرة عن ضرورة وطنية و قومية , ترقى إلى طموح الشعب الكردي في سوريا و أهدافه الكبرى , في ضرورة الاعتراف الدستوري و القانوني بوجود شعب عريق عاش على أرضه التاريخية منذ فجر التاريخ , و إقرار هويته القومية , و انتمائه الوطني , و رفع الغبن عن كاهله , و مساواته بالآخرين  إدارياً و تشريعياً و سياسياً , و من موقعه الوجودي القومي المتميز , و إفساح الحرية أمامه للتعبير الطليق و الحر , عن هذا الوجود الراسخ ..

إذا كانت هذه الحركة منذ نشأتها , تتحكم بها هذه الضرورة , فإن ضرورة الامتداد و الحيوية و التجدد , تفترض معالجة واقعها , و رأب صدعها , و الأخذ بها إلى مستوى المرحلة التاريخية الخاصة , إلى ترتيب بيتها الداخلي , و الارتقاء إلى خطاب جامع و شامل ., يوحد الكلمة , و يوجه الفكر , و يرسم الخط السياسي , في مقوماته الأساسية , و نبضه الحي , ليخط في الدرب النضالي معالم واضحة , و صدىً بارزة , و رؤية ناضجة , يؤهلها لقيادة النضال المبرمج و المدروس وفق منهجية واضحة , و خطة فكرية و سياسية تلبي هذه الضرورة , و ترقى إلى مستوى الحدث , و تضع القواعد و الأسس لعملية سياسية منتجة تقود الدرب , و تهيئ للمسيرة النضالية , و تضع القيم الفكرية و السياسية و الأخلاقية العليا فوق المصالح الحزبية الضيقة , و الرؤى الذاتية المتقوقعة , و المفاهيم المهترئة, و الحزازات البالية , مما لا يمكن أن يؤسس لعملية ناجحة , أو  يرتقى إلى إستراتيجية عمل نضالي مثمر …
لقد كان صوت منظمات البارتي و قواعده الأساسية , و كوادره المتقدمة واضح النبرة ,  عميق الدلالة للنداء إلى الالتفاف حول الثوابت الأساسية لنهج نضالي وطني و قومي , يحمل بعداً عملياً و يرقى إلى فهم القواسم المشتركة , والحدود الممكنة للتحرك من خلالها , على صعيد توحيد البارتي أولاً , و توفير أسباب و مستلزمات هذا التوحيد , وفق قواعد عادلة  , و أسس عملية ناضجة ترتب لهذه القواعد , و ترسم وفق قيم البارتي و نظامه الداخلي لوحدة شاملة متكاملة , نذرت لها كل إمكاناتها , و قواها و طاقاتها , على مدى أربع سنين , لتجعل من هذا المنطلق الخطوة التالية ثانياً , للانطلاق إلى وحدةٍ أرقى و أشمل , تتناول توحيد الأطر و الأطراف الكردية في جمع متكامل متناسق , و خطاب قومي ووطني واضح بعيد عن كل أشكال الضبابية أو التأرجح أو الانخراط في عمل غير مدروس , ليكون بداية تحرك تتجلى في (رؤية مشتركة) تحدد الانطلاقة الأولى نحو (مشروع قومي و وطني  متكامل) يرسم الأسس النضالية الموفرة لأرضية مؤتمر وطني  كردي مؤسس على توحيد الآليتين الفكرية و التنظيمية , للحفاظ على منهج يؤكد على الرؤية الجامعة , و الخطاب المتقن و الآلية الممكنة  لنقل ذلك إلى واقع ميداني متحرك , يضح محاور الحراك السياسي تحت المحك , و يجعل منها قوة دافعة ذات أثر عملي , و يشرك في عملية التوحيد الفعاليات الاجتماعية و الثقافية و السياسية لجماهير شعبنا  و خيرة وطنيه , لتحقيق أوسع مدىً نضالي ممكن , بمسؤولية تاريخية شاملة , لا تبقى في إطار الحكر السياسي  لأطراف الحركة , بل يمتد إلى إشراك النخبة و الطاقات الجماهيرية و النخبوية الواسعة , لانتاج حالة سياسية  جديدة , تتجاوب مع أصداء الحدث السياسي  و حركته المحلية و الإقليمية و العالمية , و تسارعه و تطوره و تلاحقه , مما يستوجب حساً عالياً بالمسؤولية و قدرة و حيوية في التفاعل معه , و التجاوب باتجاه استثماره , و بلورة النضال على أساس فهمه و إدراك محاوره , و استيعاب دروس المرحلة , و الارتقاء بها و ترجمتها ميدانياً إلى فعل  سياسي مدرك و حراك مدروس , يتهيأ للفرصة التاريخية النادرة من خلال التحضير لمؤتمر وطني مع ملاحظة تطور الفكر الديمقراطي , و تحول بارز في السياسة الدولية باتجاه تأكيد حقوق الشعوب و الأمم المقهورة , و ربطها بالحقوق و الدساتير و مفاهيم حقوق الإنسان , و حق الشعوب في تقرير مصيرها , وتحديد إرادتها , و رسم منهج حياتها , وفقاً لشرعة الأمم المتحدة , و قوانين المجتمع الدولي  , وما تتيحه من وحدة الموقف و آلية العمل , و برنامج نضالي , لا يؤتي ثمراته إلاّ من خلال هذا الارتقاء و ذلك التحرك , و تلك القواعد السياسية الفاعلة و المدروسة , و الالتحام مع القوى الوطنية على الساحة السياسية في  سوريا , و التحرك لبرمجة واضحة باتجاهها , لتكون هذه المرجعية عاملاً حاسماً في عمل نضالي وطني دقيق السمات , بعيد الأثر , قادر على مواكبة الحدث , فتنتقل من حالة الانفعال و الركود , إلى واقع التفاعل و الحسم و الانطلاق , ليكون التوحد و التوجه إليه ضرورة قومية و وطنية , ومسؤولية تاريخية كبرى.

 

————
* نشرة دورية تصدرها هيئة الإعلام في منظمات الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) – العدد (2) تشرين الثاني 2006 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…

عبدالباقي اليوسف بصفتي فاعلاً في الحراك السياسي ومتابعًا لتطورات الحركة الوطنية الكوردية على مدى عقود، واطلاعي العميق على برامج وأهداف مختلف الأحزاب الكوردية في سوريا، ومشاركتي في بعضها وأساليب نضالها، أؤكد أنه لم يدعُ أي حزب أو حركة كوردية قط إلى تقسيم سوريا. لقد استرعى انتباهي البيان الصادر عن الرئاسة السورية تعقيبًا على المؤتمر الوطني الأخير الذي عقدته الحركة في…