مقدمة : الدستور : لغةً كلمة فارسية تعني القاعدة , أو الدفتر الذي تجمع فيه قوانين الملك وضوابطه .
وتعريفاً : الدستور : هو القانون الأساسي في الدولة الذي تستمد منه بقية القوانين مشروعيتها وهو المصدر القانوني لجميع السلطات والاختصاصات , فالنظام القانوني بكامله يقوم على الدستور .
والدستور السوري الذي نعنيه هو الدستور الصادر بالمرسوم التشريعي رقم ( 208 ) تاريخ 13-3-1973م وهذا الدستور مؤلف من أربعة أبواب و 156 مادة :
– الباب الأول : يتناول المبادئ الأساسية وينقسم إلى أربعة فصول : 1ً- الفصل الأول : المبادئ السياسية .
2ً- الفصل الثاني : المبادئ الاقتصادية .
3ً- الفصل الثالث : المبادئ التعليمية والثقافية .
4ً- الفصل الرابع : الحريات والحقوق والواجبات .
أما الباب الثاني فيتناول سلطات الدولة ويتكون بدوره من ثلاثة فصول : 1ً- الفصل الأول : السلطة التشريعية .
2ً- الفصل الثاني : السلطة التنفيذية .
3ً- الفصل الثالث : السلطة القضائية .
أما الباب الثالث : فيتناول كيفية تعديل الدستور .
والباب الرابع : عبارة عن أحكام عامة وانتقالية .
إن أقل ما يمكن قوله عن الدستور السوري من خلال قراءة مواده الأولى والمقدمة التي تعد جزءاً لا يتجزأ منه هو انه جاء أولاً ليشرعن سلطة حزب البعث وينصبه وصياً على الشعب السوري برمته .
وثانياً جاء ليفرض طابعاً عروبياً شاملاً على المجتمع السوري بأكمله من خلال ترسيخه لمبادئ ومنطلقات هذا الحزب القائمة على نفي الآخر وعدم الاعتراف أو الاعتبار أو الاحترام حتى لوجود بقية مكونات المجتمع السوري القومية أو الاثنية , فحزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع وهو الذي يقود الجبهة الوطنية حسب المادة الثامنة من الدستور , كما إن المقدمة تنص على إن ” الأمة العربية استطاعت أن تنهض بدور عظيم في بناء الحضارة الإنسانية ” , وإن ” الأمة العربية صمدت في وجه التحديات ” وإن ” الجماهير العربية ” في ” القطر العربي السوري ” كل هذه العبارات تؤكد على ما ذهبنا إليه وهو إن الدستور جاء وفقاً ومتماشياً مع توجهات وأفكار البعث ومحاولا! ته لجعل كل ما في هذا الوطن من بشر و شجر وحجر عروبياً , وإن وجود هذه المواد ظاهرة خطيرة قلما نجدها في دساتير العالم وخاصةً الدول المتقدمة والتي تحافظ على حقوق أفرادها وتعترف بخصوصياتهم , لذلك فإن وجود مثل هذه المواد والعمل بها هو أمر مسيء أولاً للدولة السورية ووجهها الحضاري بين الدول .
حيث إن معظم الدساتير في دول عالمنا المعاصر تقوم على عقد اجتماعي يحرص على الاعتراف بحقوق وخصوصية جميع مكونات هذه الدولة ضمن صالح المجموع , وينبذ حتى مجرد فكرة إدعاء أي طرف أو ضرب أو قومية مهما علا شأنها بأنها تمثل المجتمع بأكمله .
إلا أن هذا لا يبرر أو يقلل من أهمية دراستنا الدستور والإطلاع على ما ورد فيه من حقوق وواجبات واختصاص السلطات ومقارنة ذلك مع ما ورد في المعاهدات والمواثيق الدولية من حقوق وخاصةً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لأن العصر الذي نعيشه هو عصر الحوار وحتى يكون المرء قادراً على أداء الحوار عليه أن يكون متسلحاً بثقافة حقوقية تمكنه من تسخير أدواته في النقاش , فأولى وسائل المرء للدفاع عن نفسه وخاصةً حينما يتهم هي معرفته لحقوقه , لذلك ستك! ون دراستنا في هذا البحث عن الحقوق والحريات والواجبات الواردة في الدستو ر السوري ومقارنتها مع ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
_ الحقوق والحريات والواجبات العامة الواردة في الدستور : خصص الفصل الرابع من الباب الأول من الدستور لتنظيم هذه الحقوق والواجبات وذلك بدءاً من المادة ( 25 ) وإلى المادة ( 49 ) منه والتي جاءت بمعظمها متوالفة مع ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث إن الأمم المتحدة وحين إقرارها لهذه الوثيقة قد أوصت الدول الأعضاء بوجوب مراعاة ما ورد فيه في قوانينها الوطنية : – فالمادة ( 25 ) من الدستور تنص على 1- أن الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم .
2ً- وإن سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة .
3ً- والمواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات .
4ً- وتكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .
وعلى هذه الحقوق نصت المواد 1 و 3 و 7 من الإعلان العالمي لحقوق! الإنسان .
– أما المادة ( 26 ) من الدستور فتنص : ” لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك ويقابل هذا النص المادتان 21 و 27 من الإعلان .
– أما المادة ( 27 ) فتؤكد على أن : ” يمارس المواطنون حقوقهم ويتمتعون بحرياتهم وفقاً للقانون ” .
وهو الحق الوارد في المواد ( 6 و 7 ) والفقرة ( 21 ) من الإعلان .
– والمادة ( 28 ) من الدستور تنص على إن : 1ً- كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم .
2ً- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلا وفقاً للقانون .
3ً- لا يجوز تعذيب أحد جسدياً أو معنوياً أو معاملته معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك .
4ً- وإن حق التقاضي وسلوك سبل الطعن والدفاع أمام القضاء مصونة بالقانون ويقابل هذه المادة المواد ( 5 و 8 و 9 و 10 و 11 و 12 ) من الإعلان .
– أما المادتان ( 29 و 30 ) فتنصان على أن : ” إن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني ” 30 – لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ويجوز في غير النصوص الجزائية النص على خلاف ذلك .
وهو نص المادة ( 11 ) من الإعلان .
– المادتان ( 31 و 32 ) قد جاءتا على حرمة المنازل وسرية المراسلات حيث ورد فيها : ” المساكن مصونة لا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون ” ” سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية مكفولة وفق الأحكام المبنية في القانون .
وعلى ذات الحقوق نصت المادة ( 12 ) من الإعلان .
– أما المادة ( 33 ) من الدستور فتنص على : 1ً- لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن ” .
2ً- لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا أذا منع من ذلك بحكم قضائي أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة .
وعليه نصت المادة ( 13 ) من الإعلان .
– أما المادة ( 34 ) قد آتت لتنص على أنه لا يسلم اللاجئون السياسيون بسبب مبادئهم السياسية أو دفاعهم عن الحرية ….
كذلك نصت المادة ( 14 ) من الإعلان .
– أما حرية الأديان فقد نصت عليها المادة ( 35 ) من الدستور : فـ : 1ً- حرية الاعتقاد مصونة وتحترم الدولة جميع الأديان 2ً- تكفل الدولة حرية القيام بجميع الشعائر الدينية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام .
وقد ضمنت المادة ( 18 ) من الإعلان هذا الحق وإن كانت قد جاءت أوسع حيث ” لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبير أو إقامة الشعائر أو الممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعته وأمام الملأ أو على حدة .
– أما حق العمل وتكفل الدولة به فقد ضمنته المادة ( 36 ) حينما نصت : 1ً- العمل حق لكل مواطن وواجب عليه وإن الدولة تعمل على توفيره لجميع المواطنين .
2ً- وإنه يحق لكل مواطن أن يتقاضى أجره حسب نوعية العمل ومردوده وعلى الدولة أن تكفل ذلك .
3ً- وإن الدولة تحدد ساعات العمل وتكفل الضمان الاجتماعي للعاملين وتنظم لهم حق الراحة و! الإجازة والتعويضات والمكافآت ….
وهو النص المقابل للمادة ( 23 ) من الإعلان .
– أما ما يخص حق التعليم فقد ورد في المادة ( 37 ) من الدستور : ” فالتعليم حق تكفله الدولة وهو مجاني في جميع مراحله وإلزامي في مرحلته الابتدائية وتعمل الدولة على مد الإلزام إلى مراحل أخرى وتشرف على التعليم وتوجهه بما يحقق الربط بينه وبين حاجات المجتمع والإنتاج .
وهو نص المادة ( 26 ) من الإعلان الذي جاء أشمل وأوسع حيث إن التعليم يجب أن يستهدف التمنية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كما إنه يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصدق بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية وأن يؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام .
– أما المادة ( 38 ) فجاءت لتكفل حق المواطن في حرية إبداء الرأي والتعبير والنقد .
ولكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة وكافة وسائل التعبير الأخرى وأن يسهم في الرقابة والنقد البناء بما يكفل سلامة البناء الوطني والقومي ويدعم النظام الاشتراكي وتكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر وفقاً للقانون .
ويقابل هذا النص المادة ( 19 ) من الإعلان ولكن مع الإشارة إلى أن هذا الحق يتم بأية وسيلة كانت ودونما اعتبار للحدود ولم يخصص إن المساهمة في الرقابة يجب أن يدعم النظام الاشتراكي أو أن الدولة هي التي تكفل حرية الصحافة والطباعة والنشر وتقيده بالقانون .
– أما المادة ( 39 ) من الدستور فقد نصت : ” للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور ويكفل القانون ممارسة هذا الحق .
وهو الحق الوارد في المادة ( 20 ) من الإعلان .
أما أداء الواجبات العامة فقد نظمتها المواد ( 40 و 41 و 42 ) من الدستور : فالمادة 40 تنص على أن : ” 1ً- جميع المواطنون مسؤولون في تأدية واجبهم المقدس بالدفاع عن سلامة الوطن واحترام دستوره ونظامه الوحدوي الاشتراكي ” 2ً- الجندية إلزامية وتنظم بقانون .
– أما المادة ( 41 ) فتنص على أن : ” أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وفقاً للقانون ” .
والمادة ( 42 ) أتت على أن ” الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيانة أسرار الدولة واجب على كل مواطن ” .
وباعتبار أن الواجبات المفروضة على مواطني كل دولة تخص هذه الدولة وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لذلك قد لا نجد لمثل هذه المواد مقابل في الإعلان اللهم إلا نص المادة ( 29 ) منه التي أتت عامة ونصت في فقرتها الأولى على أن ” على كل فرد واجبات إزاء الجماعة التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل ” .
ونصت أيضاً في فقرتها الثانية على أن ” لا يخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفاً منها حصراً ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها , والوفاء العادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاء الجميع في مجتمع ديمقراطي ” .
ف2 م29 .
– أما المادة ( 43 ) من الدستور فجاءت لتنص على حق الجنسية : ” ينظم القانون الجنسية العربية السورية ويضمن تسهيلات خاصة للمغتربين العرب السوريين وأبنائهم ولمواطني أقطار الوطن العربي ” .
وهذا الربط الغريب بين مفهوم الجنسية ومفهوم العروبة هو أمر منافي لمبادئ العدالة ولمقاصد الأمم المتحدة التي تقر حق الجنسية لكل مواطن أو فرد في الدولة دون تجاهل لقوميته أو حتى دينه وهذا يؤكد مرة أخرى سيطرت مبادئ وأفكار حزب البعث الشوفينية على مبادئ الدستور برمته , فالمادة ( 15 ) من الإعلان تنص على حق كل مواطن في التمتع بجنسية ما وإنه لا يجور تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته .
– أما المادة ( 44 ) من الدستور فتنص على أن ” 1ً- الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة .
2ً- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشئ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة .
ويقابل هذه المادة المادتان ( 16 و 25 ) من الإعلان وإن كانت المادة ( 16 ) تؤكد على أن حق الزواج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين وهو ما لا نجد له مقابلاً في الدستور .
أما حق المرأة وتوفير الضمانات الكافية لمساواتها بالرجل فقد أتت عليها المادة ( 45 ) من الدستور : ” تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي يتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي .
ولا نجد مقابلاً لهذه المادة في الإعلان وذلك لأن نصوصه برمتها قد جاءت عامة دون تمييز بين الرجل و المرأة .
أما المادة ( 46 ) من الدستور فتنص على : 1ً- تكفل الدولة كل مواطن واسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليتم والشيخوخة .
2ً- وتحمي الدولة صحة المواطنين وتوفر لهم وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي .
وهو ما نصت عليه المادة ( 25 ) من الإعلان .
وجاءت المادة ( 47 ) لتقول بأن : ” الدولة تكفل الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية رفعاً لمستواها , وقد وردت هذه الحقوق في المادة ( 25 ) من الإعلان أيضاً .
– أما المادة ( 48 ) فتنص على حق القطاعات الجماهيرية في إقامة تنظيمات ثقافية أو اجتماعية أو مهنية أو جمعيات تعاونية للإنتاج أو الخدمات .
وهو نص المادة ( 23 ) من الإعلان أيضاً .
– أما المادة ( 49 ) والأخيرة في هذا الفصل فقد نصت على : 1ً- تشارك التنظيمات الجماهيرية مشاركة فعالة في مختلف القطاعات والمجالس المحددة بالقوانين في تحقيق الأمور التالية : 1ً- بناء المجتمع العربي الاشتراكي وحماية نظامه .
2ً- تخطيط وقيادة الاقتصاد الاشتراكي .
3ً- تطوير شروط العمل والوقاية والصحة والثقافة وجمع الشؤون الأخرى المرتبطة بحياة أفرادها .
4ً- تحقيق التقدم العلمي والتقني وتطوير أساليب الإنتاج .
5ً- الرقابة الشعبية على أجهزة الحكم .
هذه هي أهم الحقوق والواجبات الواردة في الدستور السوري والتي جاءت شاملة تقريباً لمعظم ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حقوق وواجبات , ولكن وكما كان الإعلان الذي ظلت مواده مثالية وعلى الورق كونها قد أضحت ضحية لسياسة العالمية في فترة الحرب الباردة , هذا الإعلان الذي يعتبر أهم وأعظم وثيقة توصلت اليها البشرية عبر تاريخها الطويل بعد أن سئمت ويلات الحر! وب والذي يكفل فيما لو وجد طريقه نحو النور والتطبيق أن يوفر حداً أدنى من العيش الرغيد والبعد عن هول المجاعة والفقر والاضطهاد لكل شعوب المعمورة وهذا ينطبق أيضاً على ما ورد في الدستور السوري من حقوق وواجبات التي ظلت معطلة ويكاد المواطن السوري يجهلها ولا يتعرف عليها جراء تسلط هذه المواد والقوانين والسياسات الشوفينية والاستثنائية التي سبقت الدستور وأعقبته وابتلعت كل ما هو إيجابي فيه .
القامشلي
10-12-2006م