مهاباد.. بين التاريخ والعبرة.. عام واحد من الأمل واليأس أصبح الآن تاريخاً

علي هسو

في ساحة دائرية الشكل صغيرة تدعى باللغة الكردية (جار جرا) نسبة الى المصابيح الاربعة المستقرة في وسطها وقف القاضي” محمد المهابادي” صبيحة الثاني والعشرين من كانون الأول عام 1946م فوق منصه وهو يرتدي بدلة من طراز روسي ويعتمر عمامة تشير الى مقامه الديني في بلدة لا يتجاوز عدد سكانها الستة عشر ألفا , وراح يخاطب مستمعيه بصوته المتأني الرائق ، بأن الكرد شعب قائم بذاته ، يسكن أرضه ، وله مثل ما للشعوب الأخرى المتمتعة بحقها في تقرير المصير ، حقه في تقرير المصير , وأن الكرد قد استيقظوا من سباتهم ، ولديهم أصدقاء أقوياء , معلناً أن جمهورية كردية ذات حكم ذاتي قد تأسست في هذه اللحظة بالذات , ولم تستغرق خطبة القاضي اكثر من خمسة عشرة دقيقة.

ولم ينس القاضي الشهيد أن يثني بالشكر على الاتحاد السوفيتي ، وعلى مساندته المادية والمعنوية للجمهورية الفتية ، كما هنأ إخوانه في أذربيجان الذين حققوا الاستقلال , وأكد القاضي ً أنهم سيساعدون الكرد ، وان الكرد سيساعدونهم .
ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد السوفيتي كان الحليف الأساسي للكرد في تلك المرحلة ، وقد أكد السوفييت  للقاضي محمد بأنهم لن يتخلوا عن الكرد وذلك خلال الزيارة التي قام بها الوفد الكردي الى “باكو” حيث أستقبلهم “باقروف” وفيها أكد القاضي لباقروف بأن الكرد عقدوا العزم على التمتع بالحكم الذاتي خارج الإطار الأذربيجاني ، وأن باقروف قد عمل كل ما بوسعه لدعم موقف زملائه الأذربيجانيين من تبريز وهو الآن يستطيع بكرمه ونبله أن يلبي الطلب الكردي ، وهنا ضرب باقروف مكتبه بقبضة يده وهتف قائلا: ما دام الاتحاد السوفياتي في الوجود فإن الكرد سينالون حريتهم ، فرفع القاضي محمد صوته ليكون بمستوى صوت باقروف المرتفع وقال: إن الشعب الضعيف يرحب بأي يد تمتد إليه , ولن يشد عليها فحسب بل سيقبلها .
ولكن السوفيات سرعان ما تخلو عن الجمهورية وهي تمر بأصعب مراحلها من اجل مصالحهم فانهارت الجمهورية “مهابااااااااااد” وأعدم  آل القاضي الثلاثة  :قاضي محمد , محمد حسين سيفي قاضي , عبد القاسم قدري.
ولكن بقيت دروس وعبر للأجيال الكردية ومنها أن الروح التي أتقدت بلهيب الوطنية الكردية مازالت كامنة في مهاباد وغيرها من أنحاء كردستان.
واليوم ، التاريخ يعيد نفسه بعد مرور أكثر من نصف قرن ونحن على بعد خطوة واحدة من دولة كردية هذه المرة ليست في مهاباد وإنما في جزءٍ آخر (هولير”أربيل”).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : هل يفعلها الأمريكان والدول الأوربية هذه المرة كما فعلها السوفيات ويتخلو عن الشعب الكردي كما تخلو عنه مراراً وتكراراً ؟ وهل يكون تقرير بيكر- هاميلتون أولى هذه البوادر ؟
سؤال ممض وهاجسي أطرحه ، وأترك الإجابة  لكم وللمستقبل………..؟؟؟؟؟!!!!!
فليكن الله في عون الشعب الكردي ، الى متى سيبقى ضحية المؤامرات الدولية.

المصدر: كتاب الجمهورية الكردية عام 1946-  وليم إيغلتن

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…