سوريا والعراق… علاقات جديدة!!!

مسعود عكو

أعلنت سوريا، والعراق إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد انقطاع دام زهاء عقدين من الزمن، حيث تميزت العلاقات بين البلدين الجارين، وعلى مدى خمسة عقود منذ تسلم حزب البعث زمام السلطة في الثامن من شباط في بغداد، وفي الثامن من آذار في دمشق عام /1963/ بارتباطها بالعلاقات بين أجنحة هذا الحزب الذي أسسه عام /1947/ في دمشق كل من ميشيل عفلق، وصلاح الدين البيطار.

الجمهورية العربية المتحدة – والقطر السوري منها بالذات – لعبت دوراً فاعلاً في محاولات تقويض الحكومة العراقية التي قادها عبد الكريم قاسم، بما في ذلك دعم، وتسليح العناصر المناوئة له، والتي حاولت الانقلاب عليه أكثر من مرة، وبعد نجاح حزب البعث العراقي في القضاء على نظام عبد الكريم قاسم في 8 شباط /1963/ وانهيار دولة الوحدة، وتسلم البعثيين السلطة في دمشق بعد شهر واحد بالضبط، شهدت العلاقات بين سوريا، والعراق تحسنا ملحوظاً.
الحكم البعثي في العراق سرعان ما تصدع نتيجة صراع داخلي بين جناحيه المدني، والعسكري، وقد اصطلح على تسمية الجناح الأول بـ«بعث اليسار» أو «جماعة سوريا» بينما سمي الآخر بـ«بعث اليمين» حيث بلغ هذا الصراع أشده في 13 تشرين الثاني/1963/ حيث حلت القيادة القومية للحزب (والتي كان مركزها دمشق) قيادة العراق، وتولت حكم البلاد حكماً مباشراً.
الحال لم يدم طويلاً، حيث انقلب ضباط الجيش العراقي من القوميين على البعثيين في 18تشرين الثاني من العام نفسه، وأقاموا حكومة برئاسة عبد السلام عارف (الذي قتل في حادث طائرة قرب البصرة عام /1965/) الذي كان وحدوي التوجه، وحاول مراراً التقرب من سوريا البعثية، ومصر الناصرية، وتم التوقيع على معاهدة للدفاع المشترك بين سوريا، والعراق ساهمت بموجبها وحدات عسكرية سورية إلى جانب القوات العراقية ضد القوات الكردية (البيشمركة) في كردستان العراق.
الخلافات بين الجناحين اليساري السوري، واليمين العراقي بدأت بالظهور بشكل جلي بعد ذلك بقليل، وخصوصاً بعد تسلم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مقاليد الأمور في دمشق عام /1970/ وبعد تسلم صدام حسين زمام الأمور رسمياً في العراق عام/1979/ واندلاع الحرب مع إيران في /1980/ اختارت سوريا الوقوف إلى جانب طهران في الحرب مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام /1982/ بعد أن اتهم العراق سوريا بتهريب الأسلحة إلى العراق عن طريق سفارتها ببغداد، من جانبها سوريا اتهمت النظام العراقي بإثارة القلاقل والعمل على زعزعة الأمن، والاستقرار في سوريا من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، واستمرت العلاقات بين البلدين متوترة، وزادت توتراً بعد أن قررت الحكومة السورية المشاركة في القوات الدولية التي أخرجت القوات العراقية من الكويت عقب احتلالها من قبل النظام العراقي عام /1991/ ولكن العلاقة تحسنت نسبياً، وحصل تقارب بين النظامين الحاكمين في بغداد، ودمشق إبان الفترة التي فرضت فيها العقوبات الدولية على العراق.
عقب الإطاحة بنظام صدام حسين من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لجأ الكثير من قادة، وكوادر حزب البعث العراقي إلى دمشق، ويتهم الأمريكيون الحكومة السورية بمساعدة هؤلاء – أو التغاضي عنهم- في تنظيم وإدارة جزء على الأقل من ما يسمى «المقاومة» العراقية للقوات الأمريكية.

الأمر الذي تنفيه سوريا دوماً، وتجلى التعاون السوري في هذا المضمار بشكل خاص بعد تسليم السلطات السورية سبعاوي إبراهيم حسن التكريتي الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، والمطلوب من قبل الحكومة العراقية، والسلطات الأمريكية إلى بغداد، رغم أن سوريا دأبت قبل ذلك على نفي وجود أي أنشطة لأشخاص من المسؤولين السابقين العراقيين على أراضيها، ولن تتوانى عن تسليمها لقادة بعثيين عراقيين إلى القوات الأمريكية وذلك تبيان لحسن النية السورية.
الجانبان السوري، والعراقي عقدا سلسلة من المحادثات في العام الماضي تتعلق باستئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية، وتبادل السفراء، لكن دون تحديد موعد لذلك.

وقد دعت الحكومة العراقية المؤقتة الحكومات العربية إلى إرسال سفرائها إلى بغداد، لكن تلك الحكومات لم تكن متحمسة لهذه الخطوة لاسيما بعد اختطاف، وقتل عدد من الدبلوماسيين العرب.

إلا أن هذه المحادثات وصلت أخيراً إلى نهايتها بعد أن أعلنت سوريا، والعراق رسمياً إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قطيعة دامت أكثر من عقدين من الزمن، ورفع العلم السوري في بغداد، والعلم العراقي في دمشق إيذاناً ببدء صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين بعد أن كانت تنظم العلاقات السورية العراقية من قبل بعثة رعاية مصالح تشرف عليها الجزائر، وكانت كل من دمشق، وبغداد قررتا استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى بغداد، وزيارة المعلم للعاصمة العراقية هي الأولى لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ سقوط نظام صدام حسين.
يعتبر المراقبون الاتفاقية الأمنية التي وقعها كل من وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد، ونظيره العراقي جواد كاظم البولاني، صفحة جديدة للتعاون الأمني بين البلدين، حيث اتفق الجانبان  قي المذكرة الأمنية على تبادل البحوث، والخبرات التي من شأنها تطوير سبل وطرق مكافحة الجريمة، وتنص المذكرة على  تعاون الطرفين لتطوير أنظمة المراقبة الحدودية، وتبادل المعلومات حول الأنماط المختلفة للجرائم المنظمة المتعلقة بالاقتصاد، والمخدرات، والمؤثرات العقلية، والتزوير، وسرقة السيارات، والآثار والتحف الفنية، وتهريبها، والاتجار غير المشروع، ولضمان سير، وتنفيذ المواضيع المتفق عليها بالشكل الأمثل اتفق الجانبان على عقد اجتماعات دورية للجان المتابعة الفرعية كلما اقتضت الحاجة.
المذكرة التي حددت مدتها بخمس سنوات، ستدخل حيز التنفيذ اعتباراً من تاريخ تبادل المذكرات الدبلوماسية المؤيدة لموافقة الطرفين، وفقاً للإجراءات القانونية النافذة في البلدين؛ بحيث تجدد تلقائياً لمدد مماثلة وفق رغبة الطرفين.
العلاقات التي باتت تأخذ الارتياح من الجانب العراقي بالذات ستفتح بالتأكيد صفحة جدية بين البلدين بعد توتر دام عشرات السنين، وأكد في هذا الجانب وزير الأمن الوطني العراقي شيروان الوائلي إن “زيارة الوفد الأمني العراقي الأخيرة إلى سوريا، شهدت تحقيق انجازات كبيرة كان من نتائجها توقيع مذكرات تفاهم تتضمن البحث، والاتفاق على معالجة ملفات أمنية مهمة، منها مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، ومراقبة المنافذ الحدودية”.
وأكد الوائلي “من بين المواضيع التي تمت مناقشتها خلال الزيارة هي تشكيل لجان فرعية من نظراء الدوائر الأمنية في كلا البلدين، وهم رؤساء الوكالات الأمنية في أجهزة، ومؤسسات وزارة الداخلية، والدفاع والأمن الوطني، والمخابرات، والاستخبارات العسكرية، حيث سيكون هناك نهج عملي للسيطرة على هذا الموضوع من خلال اللجنة الوزارية المشتركة” وأضاف “لقد لمسنا لدى الجانب السوري مصداقية، وتجاوب، وحسن النية” وأكد أن “السوريين جادون في مراقبة الحدود، وقد وعدوا بإعطائنا كافة المعلومات المطلوبة من قبلنا، فضلاً عن رصد جميع التحركات التي ستتم في هذه المنطقة خلال الفترة القادمة”.
وأضاف “أما عن مسالة تسليم المطلوبين فإن هذا الموضوع تم بحثه بشكل تفصيلي لأن هناك مطلوبين أمام المحاكم، وهناك متهمين صدرت بحقهم أحكام قضائية فيما صدرت بحق البعض الآخر مذكرات قبض، وإحضار، وهذا يتطلب تعاونا ثنائياً لتنفيذها”.

تربط سوريا بالعراق علاقات تاريخية، اجتماعية، سياسية، ثقافية، واقتصادية، إلا أنه في زمن صدام حسين تصدّعت هذه العلاقة، ولفترات مختلفة، حيث وقفت سوريا إلى جانب إيران في حربها مع العراق كما شاركت مع القوات الدولية إخراج قواته من الكويت أما صدام حسين فقد كان يرسل السيارات المفخخة إلى سوريا ويهدد الأمن السوري، وليس فقط مع سوريا بل أنه بسبب سياسات صدام حسين العدوانية تأزمت العلاقات بين العراق، وكل دول الجوار، وكانت سوريا أيضاً ضحية النوايا العدوانية لصدام حسين.
إن معظم الأحزاب العراقية المؤتلفة الآن في الحكومة العراقية لقيت الدعم، والعون من سوريا، وانطلقت من سوريا في نضالها ضد استبداد صدام حسين، والسياق التاريخي كان دعم سوريا للمعارضة العراقية، ولقوى الشعب العراقي بوجه طغيان صدام حسين، واستبداده، وذلك تبعاً لمصالح دمشق السياسية التي كانت تفرز نتائجها بين الفينة، والأخرى.

حقيقةً يجب أن تكون العلاقات العراقية السورية علاقات مزدهرة قائمة على أساس خدمة المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، وعلاقات مستقرة لا يشوبها أي تشويش، أو خلل.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…