معلوم أن مفهوم “الضحية” مرتبط ارتباطاً وثيقاً ب”البراءة”..
وفي التاريخ نرى صورة اسماعيل عليه السلام في براءته التامة يعرض على أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام أن يقدّمه قرباناً لله تعالى، ولكن الله تعالى يأبى ذلك ويفديه بذبح عظيم…
حركتنا السياسية الكوردية في غرب كوردستان تتقمص دور “الضحية” في موضوع “المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا” لأن لعب هذا الدور أمر سهل وغير باهظ الثمن ولأنه يجرّدها من تحمّل المسؤولية، وتزداد لديها النزعة إلى تبرئة الذات بشكل قوي، وفي هذا خطر كبير على الحركة ذاتها، لأن هذا يغري بالاستمرار في التلذذ بالنوم، بدل الانتفاض والسير الحثيث باتجاه تحقيق الهدف المنشود الذي بعدت المسافة بينها وبينه حقاً.
لقد حاولت الحركة تقمّص دور الضحية أثناء المناقشات التي ساهمت أطراف حزبية فيها بقوة حول ضرورة تركيب “مرجعية سياسية مشتركة” من الحركة ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين المستقلين، وشاركت في المؤتمر التمهيدي في واشنطن قبل شهرين من انعقاد المؤتمر التأسيسي للمجلس بقوة أيضاً..
يكاد لايخلو تصريح أو مقال مما يكتبه الذين يقدّسون الحركة تقديساً كهنياً من الادعاء بأن الحركة وحدها صاحبة الحق في اعلان هذا المجلس أو عدمه، وكأن الشعب الذي تعتبر الحركة نفسها قائدة له لا يحق له البتة القيام بأي عمل أو ممارسة أي واجب دون إذن مسبق من هذا الأب الذي هو في الحقيقة مولود لهذا الشعب، شقّ طريقه إلى منصب الأبوة لأسباب موضوعية وذاتية لامجال للتطرق إليها هنا.
وفي الوقت ذاته يصوّرون الحركة وكأن أحداً أعاقها عن القيام بواجباتها الأساسية وفي مقدمتها واجب تكوين أو تشكيل “مرجعية عالية مشتركة” تضم إلى جانب ممثلي الأحزاب مندوبي المنظمات الديموقراطية التي ترفض الاملاءات الحزبية أياً كان نوعها والمثقفين الذين يحلقون خارج أقفاص الطيور المدجنّة…
في هذا الوضع الذي بات يحيّر الأطباء النفسيين أنفسهم تتساءل صحافية بريطانية (مونغمري) في أول جلسة للمؤتمر التأسيسي المنعقد في 27-29 أيار 2006 في كيلمس ببلجيكا، وكذلك النائب البرلماني الأوربي، السويدي الجنسية (فريدريك) عن الأسباب الحقيقة التي تمنع الأحزاب الكوردية السورية من الوحدة ضمن تنظيم قومي قوي وعن أسباب انشقاقاتها المتتالية التي تصدها عن المشاركة في التحضير لمثل هذه “المرجعية” التي طالما نادت ولا تزال تنادي بها…! ومعلوم عن السيدة مونتغمري أنها تحضر رسالة دكتوراه منذ أكثر من عامين في العلوم الصحافية والسياسية عن متاهات الحركة القومية الكوردية في سوريا، والسيد فريدريك بات يعرف عن مشاكلنا وخصوماتنا وطموحاتنا مثلنا أو أكثر…
إن الوطنية الحقة ليست في الدفاع عن المؤسسات القائمة وإنما في الدفاع عن الأفكار الجيدة والجديدة التي تساهم في تطوير هذه المؤسسات، سياسية كانت أو ثقافية أو غيرهما..
ولكن المشكلة تكمن في أن بعضهم يرى في كل فكرة جديدة ، مهما كانت جيدة، خطراً على وجود هذه المؤسسات ونهاية لتوظيف القائمين عليها.
وهكذا تنسج هذه المؤسسات حول نفسها بيت العنكبوت الذي يقتل كل حي يقع بين حبائله، فيسود الموت والركون والتخلف عن الموكب الحضاري…
نحن لا نستطيع أن نمنع أحداً من القيام بشيء نافع للشعب الكوردي ولعموم الشعب السوري، حين لا نستطيع القيام بذلك بأنفسنا، مهما كانت ذرائعنا قوية… وإذا لم تتمكن الحركة من الالتحاق بالركب فهذا من سلبياتها ونواقصها وضعفها وليس بسبب ما يقوم به من لا يرى نفسه ملزماً بالانصياع لأوامرها وفرماناتها…ومن أجل أن نتجاوز هذه الهفوات الكبيرة لا بد من الدخول في حوار جاد مع قواعد الحركة الملتزمة ومع أصدقائها والمنظمات الديموقراطية ومع الذين يرون أنفسهم في وضع أفضل من وضع القيادات الحزبية من حيث الحرية التي يتمتعون بها خارج البلاد وتوافر بعض الامكانات الإعلامية والمالية والمعنوية ما يعينهم على السير أمام الأحزاب وليس وراءها أو ضمن صفوفها.
الحوار وحده هو الذي يفتح المجال أمام الجميع لابداء الرأي والرأي المخالف وتلمّس مواضع الضعف في الأعمال التي نقوم بها والتلاقي والتعاون من أجل ازالة العثرات في طريق الحركة والمجتمع، ويقلل من زاوية الانفراج بينها وبين الخارجين عليها… ولكوني من منتسبي أحد فصائل الحركة ومؤيد لفكرة المجلس الوطني الكوردستاني – سوريا بقوة ، يهمني جداً أن تلتقي الحركة مع المجلس الذي تشكّل مؤخراً في بلجيكا لمناقشة السبل التي يمكن اتباعها لتقريب وجهات النظر والتغلب على المصاعب وتحقيق قاعدة مشتركة لعمل متواصل وتطوير المنجز منه حتى الآن.
فكلا الطرفين بحاجة إلى بعضهما بعضاً، ولا يحق لأحد أن يقول: لتتبعنا الحركة وتقبل بالموجود كما هو ، أو يقول الآخر: لن يتمكن أحد من عمل شيء دون الحركة… فهذان موقفان تعيسان ويائسان وغير قابلان للتطور..
ما نريده هو التعاون والتكامل والتضامن من أجل أن لا نتراجع خطوة واحدة على طريق بناء هذا المجلس في أفضل شكل له.
ويقيناً بأن العقلاء في الحركة يدركون قيمة تواجد مئات المثقفين الكورد خارج أسوار البلاد الحديدية وأهمية دورهم في كسر العزلة عن الحركة وإيصال الصوت الكوردي إلى الرأي العام العالمي والمحافل الدولية بقوة.
أنا من الذين لايتخلون عن القلب والكبد ، كما يقول المثل الكوردي، إذ بدونهما لن يعمل الجسد…