كيف نفهمُ الحرّية في التّعبير؟؟!! الحلقة (6)

نارين عمر

العديد من التلفونات والرّسائل وصلتني من القامشلي تؤكّدُ عليّ الحديث عن الحفلة التي أقامها الفنان الكردي/ بلند ابراهيم/ وقد أكدّتُ لهم بدوري انّي لم أحضر الحفلة حتى أصفَ مجرياتها, فأجابوا اكتبي حسب ما نخبركِ به وعلى مسؤوليتنا.
أوّلُ المتصلين كانت امرأة, وقداستهلتْ حديثها بالقول وشرر الغضبِ والاستهجان يفورُ من كلماتها وتأوّهاتها :
إذا كنتِ تريدين أن تتعمّقي في هموم الناس وقضاياهم فاكتبي عن المسرحية المأساة, المهزلة والتي جرت أحداثها في قامشلي وتحديداً في مطعم ومسبح /سيزر بالاس/ .فقد فوجئ الناسُ وسرّواحين شاهدوا الاعلانات والدّعايات تملأ الشّوارع والأزقة والأماكن العامّة,بتقديم المطعم لهم مفاجأة الموسم باستضافته للفنّان الكردي/ بلند ابراهيم/ ويا لها من مفاجأة سعيدة, وباسم.
واستعدّوا كلّ الاستعداد لمجيء هذا اليوم السّعيد, وتسابقوا, تدافعوا, تزاحموا على مكان قطع التذاكر لحجز أماكنهم, ليأتي اليوم الموعود.
دخلنا إلى المطعم ماذا نرى؟؟!! عشراتُ الطاولات, ومئات البشر,و…و… المهم قدّم عريفُ الحفل الفنان للحضور ويا ليته لم يفعل حيثُ بدأ الحضورُ من الشّبّان والشّابات يتصارعون يصرخون, ويصفرون وينادون, ويتبادلون شتى أنواع الشّتائم للوصول إلى بلند, ولمسه وتقبيله والتقاط صورةٍ تذكارية معه.

في البداية اعتبرنا الأمر عاديّاً ومتوقعاً, ولكن الصّدمة جاءت حينما فقد عريفُ الحفل والمسؤولون عنه السّيطرة على الموقف وتمكنَ الجمهور من الوصول إليه واحتلال المنصّة المخصّصة لـ/ بلند/ كي يغرّد عليها , والصّدمة الثانية كانت بفقدان بلند لأعصابه, وإصابته بشبه إغماء ممّا حدا بهم لإبعاده عن المنصّة, ولم تفلح جهود المطرب / آزاد فقه/ من السّيطرة على الموقف, إذ لاحظ أنّه سيلاقي مصير زميله إن استمرّ في الغناء وانسحب ممّا زاد من حرج بلند الذي لم يجد مفرّاً إلا باعتلاءِ المنصّة من جديد بعد أن وجّه إليهم هو,وعريفُ الحفل, والمسؤولون عن الحفل كلّ مفردات الرّجاء
والتمنّي, والشّكر, والفداء بتخفيفِ نبراتِ إعجابهم وحبّهم لفنّانهم المحبوب ولكن هل؟؟!! ماذا حدث؟ ماذا حصل؟! لقد جاء دور الصّدمة الثالثة والتي كانت بمثابة الضّربةِ القاضية, قضتْ على ما بقي من السّعادة في القلوب والنفوس,شبابٌ شربوا حتى الثّمالة, وما بعد الثمالة ففقدوا قيادة التحكّم بأعصابهم, أخذوا يتبادلون السّبّ والشّتم, ثمّ اللكمات,و…و… وهكذا انتهت الملهاة المأساة التي
أدخلت الرّعبَ والخوف والألمَ والأسى إلى النفوس, بدل الهدوء والأمل والفرح.
وقال آخر: لانمانعُ أبداً أن يحبّ شباننا وشاباتنا فنانيهم, ويقدّروهم ويغرموا بهم ولكن بطرق وأساليب حضارية, وبالنّسبة للشّرب : اشرب كما يحلو لك , واسكر كما يروق لك في بيتك, أوفي مكان خاصّ, فالله وحده مْنْ يحاسب, ولكن في الأماكن العامّة أرى في ذلك كلّ التهوّر,هذا ما أريد قوله لكلّ واحدٍ منهم.
امرأة أخرى قالتْ بالحرف الواحد: أنا وزوجي حلفنا وأقسمنا ألا نحضرَ أيّ حفلة تُقامُ في المطاعم,أوّلاً والمشاركة في احتفالاتِ عيد العمّال, وقبل أن أسألها, قالت لأنّ بعضاً ممّا شاهدناه اليوم نشاهده في عيد العمّال, أهذه هي الحرّية التي كنا ننشدها؟؟! أهذه هي المبادئ التي نشأ عليها هؤلاء الشّباب؟؟
لا…وألفُ لا… ولكن لاأعرفُ ما الذي حدثَ لهم؟؟ وأتمنّى أن يكون ما حصلَ حدثاً عابراً لايتكرّرَ بعد الآن.
رجلٌ آخر قال: يا شباننا وشاباتنا الأعزاء : أنتم عمادُ المجتمع وأساسه المتين بكم يتقدّمُ المجتمع ويسمو نحو الفضائل, عيشوا حياتكم, تعايشوا مع عصركم مع بكلّ متغيّراته ولكن لا تنسوا المبادئ والقيم التي نشأتم عليها ورضعتموها مع حليب أمهاتكم.

همسةٌ حادّة وجّهها أحدهم إلى إدارة المطعم, وإلى المسؤولين عن الحفل بإقحامهم لمئات الطاولات التي فاقت الألفي طاولة, وعلى كلّ منها على الأقلّ ثلاثة أشخاص, أما كان بالإمكان التقليل من عدد الطاولات والناس لتفادي ما حدث, ونادي / سيزر بالاس/ نادٍ له زبائنه وسمعته المتميّزة؟؟؟
وبعد هل بقي لي حتى هامشٌ طفيفٌُ من التعليق على ما سمعتُ؟؟ لا أظنّ إنّما ما أودّ قوله ليتنا نفهمُ حرّية التعبير كما هي على حقيقتها, لا على حقيقة الأفكار الخاطئة التي تقودنا لفهم خاطىءٍ ومغلوطٍ لها.
والأهمّ كيف سيصف / بلند/ لأهله وللآخرين ما حصلَ له, ولفرقته المفعمة بروح النشاط والحيوية في القامشلي التي كانت بالنسبةِ له شخصيّاً ولهم ولكلّ الفنانين عشّ الحبّ والصّفاء والطمأنينة؟؟؟ لا أدري, وأنا واثقة إنّكم أيضاً لا تدرون, وربّما بلند نفسه محتارٌ مثلنا ويبحثُ عن وصفٍ ما.
وما زال في جعبةِ أبصارنا ومسامعنا ومشاعرنا الكثير.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في عالم السياسة، كما في الحياة اليومية عندما نقود آلية ونسير في الشوارع والطرقات ، ويصادفنا منعطف اونسعى إلى العودة لاي سبب ، هناك من يلتزم المسار بهدوء ، وهناك من “يكوّع” فجأة عند أول منعطف دون سابق إنذار. فالتكويع مصطلح شعبي مشتق من سلوك السائق الذي ينحرف بشكل مفاجئ دون إعطاء إشارة، لكنه في السياسة يكتسب…

إبراهيم اليوسف توطئة واستعادة: لا تظهر الحقائق كما هي، في الأزمنة والمراحل العصيبةٍ، بل تُدارُ-عادة- وعلى ضوء التجربة، بمنطق المؤامرة والتضليل، إذ أنه بعد زيارتنا لأوروبا عام 2004، أخذ التهديد ضدنا: الشهيد مشعل التمو وأنا طابعًا أكثر خبثًا، وأكثر استهدافًا وإجراماً إرهابياً. لم أكن ممن يعلن عن ذلك سريعاً، بل كنت أتحين التوقيت المناسب، حين يزول الخطر وتنجلي…

خوشناف سليمان ديبو بعد غياب امتدّ ثلاثة وأربعين عاماً، زرتُ أخيراً مسقط رأسي في “روجآفاي كُردستان”. كانت زيارة أشبه بلقاءٍ بين ذاكرة قديمة وواقع بدا كأن الزمن مرّ بجانبه دون أن يلامسه. خلال هذه السنوات الطويلة، تبدّلت الخرائط وتغيّرت الأمكنة والوجوه؛ ومع ذلك، ظلت الشوارع والأزقة والمباني على حالها كما كانت، بل بدت أشد قتامة وكآبة. البيوت هي ذاتها،…

اكرم حسين في المشهد السياسي الكردي السوري، الذي يتسم غالباً بالحذر والتردد في الإقرار بالأخطاء، تأتي رسالة عضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، السيد سليمان أوسو، حيث نشرها على صفحته الشخصية ، بعد انعقاد “كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي “، كموقف إيجابي ، يستحق التقدير. فقد حملت رسالته اعتذاراً صريحاً لمجموعة واسعة من المثقفين والأكاديميين والشخصيات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني،…