الحلول الجزئية لا تخدم الأمن والاستقرار ..


افتتاحية جريدة آزادي / العدد (376)

  إن السمة الأساسية التي تطغى على مظاهر الحراك السياسي والمجتمعي في المرحلة الراهنة، هي عولمة القضايا وتدويل الأحداث، وذلك بحكم التداخل الحاصل بين مصالح الشعوب من جهة، والتطورات التي طرأت على الوسائل والأدوات التي تجمع الشعوب على قضايا المستقبل والترتيب لبنائه من جهة ثانية، ناهيك عن ارتباط قضايا الأمن والسلم الدوليين بمدى جدية المجتمع الدولي في معالجة الأزمات التاريخية، سواء تلك التي أفرزتها توازنات القوى، أو تلك التي نشأت في أحضان ثقافة الاستبداد، وسياسات الأنظمة الشمولية، التي تتحكم بمصائر الشعوب خدمة لاستمرارية منظومتها القمعية

وبالتالي فإن ملامح المستقبل وما تنشده المجتمعات من أمن استقرار، مرهون إلى حد كبير بمدى تطور المسارات الديمقراطية واتساع رقعتها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذه لا يمكن لها أن تتأتى وتنجز، إلا إذا امتلك المجتمع الدولي قدرة التعامل مع القضايا العالقة، التي تقف في وجه خيارات التطور وتعرقل من أدائه، وكذلك إمكانية التخلص من روح الهيمنة، والقضاء على مظاهر الفقر والبطالة، عبر إيجاد آليات تنتقل بالبشرية من حالة القوقعة والانزواء، إلى التعايش والتواصل، وفق مفاهيم تجسد ثقافة الإنسان وحضارة الإنسانية، وخلق نوع من التكامل والتفاعل بين ما نسميه بالمجتمعات المتخلفة والمجتمعات المتقدمة، سواء من جهة الارتقاء بالجانب المعيشي اليومي، أو من جهة بناء الإنسان بمنأى عن الاستغلال وطغيان لغة القسر والترهيب ..


    إن مفردات العصر ولغة الخطاب التي تتم تداولها بين الشعوب، من حيث تحول العالم إلى قرية صغيرة، وأن مشكلات الشرق هي مشكلات الغرب، وأزمات الشمال هي أزمات الجنوب، لا يمكن أن تجد تجسيداتها على الأرض، ما لم تتصدى القوى الفاعلة في المجتمعات لاستحقاقاتها، وبالتالي الدخول إليها من منطلق إعادة النظر في تراكمات ما خلفته صراع الإيديولوجيات وتوازنات القوى الدولية من احتقانات على الأرض، لأن تلك التراكمات هي التي تتفاعل وهي التي تدفع بالشعوب إلى المزيد من المواجهة، ومن هنا فإن التفكير في تجزئة الحلول، أو الاشتغال على محاور معينة، ستزيد من الأزمات الدولية، إن لم نقل ستغلق الباب أمام معالجة القضايا العالقة وفق ما يتم الحديث عن مستقبل خال من الأزمات والاحتقانات ..
  إن القضايا العالقة في شرقنا، الذي هو ساحة مفتوحة أمام أكثر من خيار أو احتقان، تتفاقم يوماً بعد آخر، وأن البحث ينبغي أن يتمحور في الأسباب التي أدت إلى بناء الشرق وفق النموذج المتداول، وبالتالي أن تتحمل القوى التي ساهمت في تأجيج الصراعات وخلق بؤر التوتر مسؤولياتها التاريخية حين تصديها لمعالجة هذه القضايا، ومن هنا، فإن المطلوب يكمن في البحث عن مجمل المسائل العالقة وإيجاد الحلول لها بما يخدم تطور المنطقة واستقرار الأمن والسلم الدوليين، لأن أية قضية أو حالة إذا ما بقيت خارج دائرة المعالجة، ستؤثر بنتائجها على مجمل الحالات المطروحة ..

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…