مرّة أخرى أشكرُ كلّ مَنْ يرسلُ إليّ بملاحظاته ومقترحاته, وأفكاره القيّمة, التي تغني فكري وتدعمه بموضوع تلو الموضوع, وبهذه المناسبة أودّ أن أعلمهم بأنّ كلّ ما يصلني منهم مهمّ ورائع وجدير بالكتابة, لأنّ البعضُ منهم يلحّ عليّ الكتابة عن فكرته, ويعاتبني لأنها لم تكن موضوع الحلقةِ المنشورة, ودعوني أضربُ مثالاً كنتُ بصدد متابعة الحديث عن أصحاب الشّهادات وكيفية تعاملهم معها في الواقع العملي, حتى ألح عليّ بعضكم أن أكتبَ عن حفلة /بلند ابراهيم/ في القامشلي, وأكدوا على أولويتها تماشياً مع حرارةِ الحدث.
وأقولُ: تكرموا كلكم, وليكن المعلم هو موضوعُ هذه الحلقة, لكي لا تتهمونني بالتحيّز ولأكونَ محايدة قدر الإمكان, ولئلا اُتهمَ من قبل زملائي المعلمين والمدرّسين سوف أنقلُ آراءكم عنهم كما وصلتني دون زيادةٍ أو نقصان, وما أريدُ أن أبدأ به هو تمحور معظم الآراء حولَ الدّروس الخصوصية, ومساحة التعبير التي يمنحها المعلم لنفسه ليمارس فيها أداءه الوظيفيّ.
أحدهم قال: معلّمُ اليوم يظلّ يتذمر ويعاتب ويشتكي لأنّه لا يُحاط بدائرة الاحترام والتقدير, والهيبة التي كان يُحاط بها معلمُ الأمس, ولم يعد ذلك الذي كاد أن يكون رسولأ.
اسمحي لي أن أجيبه: أوّلاً: العلة كلّ العلة في الدّورات الخصوصية التي يرهقُ بها المعلم نفسه, وجيوب أهل الطالب, لأنّ معلم الأمس كان يعطي كلّ ما عنده ولكن دون أخذ مقابل من الطالب, بل كان يكتفي براتبه فحسب أمّا طالب اليوم فإنّه يعرفُ أنّ هذا المعلم يعلمه مقابل مال متفق عليه مسبقاً.
وثانياً هو الإفراط في التواضع الذي يبديه بعض المعلمين والمدرّسين للطالب ليكسبوا استمراريته في تسجيل الدّورةِ عنده حاضراً ومستقبلاً, وتحسين صورته وسمعته عند الطلاب الآخرين ليتزايدَ عددُ المسجلين لديه, وهذا التصرّف من قِبَل المدرّس يخلقُ تصرّفاتٍ سيّئة ومشينة عند بعض الطلاب الذين يدخلون الصّف وقد تشكلتْ لديهم فكرة خاطئة بأنّهم يعرفون محتويات الدّرس المقرّر ولا حاجة لمتابعتهم للدّرس ويبدأون بإحداث الشّغبِ والفوضى, والتشويش على زملائهم الآخرين الذين سجلوا الدّورات أيضاً ولكنّهم يتفهمون جيّداً أنّها للتقوية ولزيادة المعلومات والإفادة منها لجمع علاماتٍ عالية فإذا كان معلم المادة هو نفسه مدرّسُ الدّورة فإنّه سيتجاهل الأمر قدر الإمكان ممّا يخلقُ مشاكل بينه وبين الطلابِ الآخرين الذين لم يسجلوا عنده ويتهمونه بالتّحيّز والتفرقة, أمّا إن كان مدرّساً آخر فإنّ المشاكل ستخلقُ بينه وبين أولئك الطلاب المشاغبين الذين سيتهمونه بدورهم بالحقود عليهم كونهم لم يسجلواعنده وهكذا تضيعُ الحصّة الدّرسية بين مدّ وجزر.
وثالثاً وهو الأهمّ تعمّد بعض المدرّسين في عدم إعطاء الطلاب كلّ ما لديهم من معلومات تفيدهم في دراستهم لكي يكونوا بحاجةٍ دائمة لهم, ويضطروا لتسجيل الدّورات عندهم وما يسبّبه بعض المدرسين من إرباكٍ وإحراج لطالب ما أمام زملائه إن لم يكن ممّن سجّل عندهم.
وقد ذكرني هذا بقول مشابه كانت قد أخبرتني به في العام الفائت إحدى الصّديقات حين أخبرتها ابنتها أنّ مدرّس إحدى المواد قد قال لهم بالحرف:
الطالبة التي لاتسجّل الدّورات للعام القادم عندي فلن أساعدها هذا العام في العلامات قلتُ له: لكننا إذا وجّهنا هذا الكلام إلى المدّرس سيجيبُ على الفور: اللعنة على الحاجة التي تدفعنا نحو فتح الدّورات التي نقضي معها معظم وقتنا, وتحرمنا من رؤيةِ أولادنا ومن القيام بالواجبات الاجتماعية المنوطة بنا, من أخذ الرّاحة والقيلولة في بيتنا.
عدا عن الأمراض التي تتدافعُ إلى أجسادنا ونفوسنا والكلّ يعرفُ أمراض المعلم ولاحاجة لذكرها, والطلاب وأهلهم هم مَنْ يطلبون فتح هذه الدّورات ولا يبدون لنا تذمّرهم أو انزعاجهم وأصلاً ما هو هذا المال الذي نأخذه منهم حتى يبدوا استهجانهم؟! فقاطعني بغضبٍ وقال: ومَنْ منعهم من الاسترزاق والعمل ما أقصده أن يكونوا معلمين ومدرّسين فاعلين وفعّالين في الصّف ومع جميع الطلاب, وذكرتني بأمر آخر في غاية الأهمية
صحيح أنّ المدرّس يحصلُ على مبلغ معقول من المال من الطلاب ولكن في الدّورات العامّة, إنّما الدّورة الخصوصية أو الخصوصيّة جدّاً فحدّث ولا حرج يختلفُ فيها عن الدّكتور أو أيّ تاجر آخر ممّا يسبّبُ إحراجاً للأهل غير المقتدرين والذين يقعون في شجار وخصام مع أبنائهم الذين يرغبون في إظهارفتوتهم وكبريائهم أمام زملائهم من أبناء المقتدرين والتأكيد على أنّهم ليسوا أقلّ منهم حتى في الدّورات الخصوصيّة وبذلك يتسبّبُ في مشاكل نحن في غنى عنها, ويتحوّلُ عن دوره الأساسيّ والأهمّ في تربية الأجيال وتنشئتها التنشئة الصّالحة تعليمياً وأخلاقياً وهنا قاطعته وقلتُ له: ما دامت المسألة وصلتْ معكم لحدّ التّربية والتنشئة الصحيحة والسّليمة فإنّ كلّ المعلمين والمدرّسين سينهالون عليكم بسيوف اللوم والعتاب على إساءتكم لتربية أبنائكم وبناتكم في البيتِ مع المحيط وفي المدرسة مع الجهاز الإداري والتّعليميّ, وأنتم أدرى بما يفعلونه من أفعال لأنّ المدرسة تعدّ البيت الثاني وليس الأوّل فما كان منه إلا أن قال نحن الآن بصدد المعلم والدّورات التعليمية ومثل هذه الأمور نستطيع أن نتناقشَ فيها فيما بعد لأنّ الحديث فيها يطولُ ويطول.
ولنترك معلم الدّورات لنذهب إلى المعلم الذي يقومُ بعمل إضافيّ آخر إلى جانب الوظيفة , نحن لاندعوه لتركه ولكننا ندعوه إلى الاهتمام بتعليم طلابه كاهتمامه بعمله, فلا يكون عمله على حساب تقصيره في الإعطاء والاهتمام بهم, وأستطيعُ أن أقسمَ لكِ بأنّ معظم هؤلاء لايعرفون أسماء أغلبية طلابهم منذ بدء السّنة الدّراسية وحتى انتهائها.
ما نريده من المعلم أن يمارسَ ما شاء من الأعمال خارج المدرسة شريطة ألا يتقاعسَ في أداءِ دوره كمعلم ومربٍّ وموجّه لجيل سيكونُ غداً النواة الأساس للأجيال القادمة.
وبعد فهمومُ المعلم والمدرّس وحمله كثقل الجبال/ أقصدُ المعلم الذي يظلّ يوقظ ضميره ووجدانه كلما حاولا التملصَ منه والاستجابة لرغبة النعاس/ والمهمّة الملقاة على عاتقه أثقل واللــــــه المعين وكان هذا مشهداً صغيراً من مشاهدِ الرّواية الطويلة التي تجري أحداثها بين المعلم والطالب والأهل و..
و…
والتي لا تعرفُ إلى النهايةِ سبيلاً.