موسى موسى
دراسات عليا في القانون العام –
لمحة عن تاريخ العراق السياسي المعاصر
رغم سياسة التتريك التي حاولت الامبراطورية العثمانية تطبيقها على الأقاليم الخاضعة لها .
لم تستطع أن تخمد ثورات الشعوب التي كانت خاضعة لها بحكم القوة، والدين ، وسياسة – فرق تسد – ، فنشأت ممالك وإمارات عربية ، وكردية ، وبدأت الامبراطورية بالانحلال والتفكيك بلغت أوجها في نهاية الحرب العالمية الاولى، بالزوال التام وانشاء جمهورية تركيا القومية على انقاضها ، وكان الانتداب الفرنسي والانكليزي على القسم الاكبر من الميراث التركي الغير شرعي الذي سلبته في الاصل من أصحابها .
إزاء الثورات والانتفاضات المتكررة في العراق كما في غيرها من البلدان في سبيل الاستقلال دعت بريطانيا فيصل الأول لحضورمؤتمر القاهرة سنة 1921 الذي عقد برئاسة ونستون شرشل لتنصيبه ملكاً على العراق فانتقل الملك فيصل الى بغداد ونودي به ملكاً في 1921 وتم انتخاب المجلس التأسيسي عام 1922 الذي كلف بوضع دستور للبلاد الذي لم يرى النور إلا في 21 آذار 1925 .
في عام 1932 انضم العراق الى عصبة الامم بعد قبول بريطانيا مما أنهى الانتداب البريطاني على العراق وقد خلف غازي والده الملك فيصل في حكم العراق بعد وفاته في عام 1933 ودام حكمه إلى أن وافته المنية في عام 1939 .
في عام 1939تولى فيصل الثاني – القاصر – الحكم تحت وصاية خاله عبد الإله حتى عام1953 عندما بلغ الملك فيصل الثاني السن القانونية التي تؤهله لتولي العرش الى ان انتهى الحكم الملكي وإقامة النظام الجمهوري في العراق بقيام ثورة 14 تموز سنة 1958
و الذي أصدر أول دستوري جمهوري في البلاد في 27 تموز 1958 حيث نصت المادة الثالثة من ذلك الدستور ولأول مرة على شراكة الكرد والعرب في هذا الوطن مع الاقرار بحقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية .
اعدم عبد الكريم قاسم في 9 شباط 1963 وجاء بعده عبد السلام عارف الذي قضى نحبه في حادث طائرة عام 1966 وجاء بعده عبد الرحمن عارف حتى 1968 ومن ثم أحمد حسن البكر فصدام حسين الذي تم الاطاحة به في 9/4/2003 بدخول القوات المتحالفة للعراق.
العلم العراقي في الدساتير العراقية
بعد أن تم تنصيب فيصل الاول ملكاً على العراق عام 1921 لم يرى الدستور النور بنتيجةً لعدم الاتفاق على كافة البنود التي تم عرضه سواءً من قبل البريطانيين أم من قبل المؤسسات العراقية إلا في 21 آذار 1925 فقد جاء وصف العلم العراقي فيه في نص المادة الرابعة كالتالي : يكون العلم العراقي على شكل والابعاد الآتية :
2- الدستور المؤقت لعام 1958 .
بعد قيام ثورة 14 تموز 1958 أعلن الدستور المؤقت في 27 تموز 1958 وسقوط القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 وتعديلاته .
تضمن الدستور المؤقت خصوصية الشعب الكردي فيه كما جاء في نص المادة الثالثة كما يلي :
المادة /3/ .
كما أوكل شكل العلم العراقي الى قانون بموجب نص المادة السادسة كما يلي :
المادة /6/ ((وقد اقر القانون الصادر بشأن العلم العراقي شكلاً جديداً للعلم العراقي ثت فيه خصوصية الشعب العراقي من العرب والكرد توافقاً مع المادة السادسة)) .
3- الدستور المؤقت لعام 1963 الذي صدر في 29 نيسان 1964 .
جاء في مادته ال : /103/ ((ومن خلال الاطلاع على مواد الدستور رغم الغاءه للدستور المؤقت لعام ،1958 لم يراعي الخصوصية الكردية بالاضافة الى الزامه الحكومة بالعمل على تحقيق الوحدة العربية ، كما ان القانون الذي صدر بناءً على الدستور المبني على اتفاق القاهرة بشأن العلم العراقي ، راعى فيه ما جاء في اتفاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق الذي تم في القاهرة )).
4 – اتفاق القاهرة : في 17/4/1963 .
التقت الوقود الممثلة للجمهورية العربية المتحدة وسوريا والعراق في السادس من نيسان في القاهرة وانتهت في السادس عشر منه حيث تم الاتفاق على المبادئ التالية :
1- ان تقوم دولة اتحادية باسم ( الجمهورية العربية المتحدة ) على أساس الاتحاد الحر بين كل من مصر وسوريا والعراق .
وجاء البند السابع من الاتفاقية .
4- الدستور المؤقت لعام 1970 .
بقرار من مجلس قيادة الثورة رقم 792 بجلسته المنعقدة في 16/7/1970 نص الدستور في مادته الخامسة في ما يلي :
المادة /9/
5- قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004.
المادة الثامنة تنص على .
6- دستور جمهورية العراق الاتحادي لعام 2005 .
المادة /12/ أولاً .
الاهتمام الدستوري بالأعلام والرايات
1- المرحلةالاولى هي تلك التي مربها المجتمع البشري في تجمعات بشرية لاتنظمها دساتير أو قوانين ، وفيها كان رفع الرايات في أماكن وأزمان معينة لضرورة التعرف إما على بعضهم أو لإرسال رسالة معنية ، كحالات التسليم في الحروب أو رفع راية الحرب التي أختارتها المجتمعات لانفسهم متخذين الوانها واشكالها إما إعتباطياً أو لخصوصية ، اصبحت رمزاً لهم بتكرارهم لرفعها ، وما زال رفع الرايات الإعتباطية دارجاً لدى الناس في اسفارهم أو أماكن تواجدهم بين مجموعات كبيرة من الناس ، ويظهر ذلك جلياً أثناء زيارة الديار المقدسة من قبل حجاج البيت الحرام من المسلمين في يومنا هذا خير دليل على ذلك .
2- المرحلة الثانية والتي وصلت فيها المجتمعات البشرية الى أشكال معينة من التنظيم، كالدول ، وفيها يوجب الدساتير والقوانين وغيرها من القرارات المنظمة للأمور والأشياء وأصبحت الحياة كلها منظمة ومنها الشارات والرايات الاعلام ، ولأهميتها لا يخلو دستور من دساتير العالم إلا ويحدد أشكال وألوان الاعلام ، أو يحيل أمر تنظيمها الى القانون الذي ينظمها ، وفي كلا الحالتين سواءً في الدستور أم في القوانين ، يتم تحديد الشكل واللون بدقة تامة لازالة أي شبهة أو التباس مع رايات واعلام واشارات قد تكون متشابهة مع تلك التي يستخدمها الغير.
وللأهمية تلك أصبح الشكل واللون خاضع للدستور أو القانون .
وان أي زيادة أو نقصان على الشكل أو اللون المحدد دستورياً يعتبر مخالفة دستورية أو قانونية فتصبح خارجة عن الشرعية يتوجب الالغاء .
خلفية قرار رئيس اقليم كردستان : بعدم رفع العلم العراقي (العلم السابق)
اقرالدستور العراقي لعام 2005 الشكل الاتحادي لدولة العراق بموجب المادة الاولى.
المادة /1/ .
كما أقر الدستور عند نفاذه اقليم كردستان ، وسلطاته القائمة اقليما اتحادياً ; بموجب المادة /166/ .
يعتبر رئيس اقليم كردستان الشخص المعني الاول لتطبيق الدستور الاقليمي ،والاتحادي، والحريص على سيادة القانون ، وتنفيذه ، وجاء قراره بمنع رفع العلم العراقي – السابق – في الاقليم ، وإذا ما دعى الى رفع العلم العراقي في المناسبات فسيكون علم عام 1958 حيث يرمز الى خصوصية الكرد فيه ، وقد جاء ذلك العلم متوافقاً مع نص المادة الثالثة من دستور 1958 الكرد والعرب شركاء في الوطن .
1- الخلفية السياسية للقرار : ان التجمعات البشرية خلال مراحل تطورها تكونت لديها مجوعة من العادات والتقاليد والاعتقادات بمعنى ان ثقافة الشعوب احتوت وتحتوي على ما استقرت عليها خلال تاريخها الطويل ، واصبحت عناصرأساسية من ثقافتها ، تبلورت على شكل مبادئ ،استدعت أن تندرج في الدساتير ، وهذا كان حال الدساتير العراقية التي احتوت على الأفكار والمبادئ العنصرية والشوفينية وإمحاء الاخر،تلك المبادئ القذرة التي كانت طاغية على أفكار واضعي تلك الدساتير.
بخلاف دستور عام 2005 الذي وضع بارادة الشعب العراقي ، بعيداً عن ارادة الطغاة ، فتمثلت فيه خصوصية كافة القوميات والاقليات والاديان والمذاهب والايديولوجيات .
وقد أقر الشعب العراقي دستوره ، وباقراره من قبل الشعب العراقي أصبح الدستور السابق الذي وضعه النظام العراقي البائد لاغياً .
حيث أصبح للعراق نظاماً سياسياً كما حدده الدستور ، واصبح له مؤسساته المختلفة التي من الواجب أن تسعى في ارساء النظام السياسي والسير عليه بما يخدم الشعب من خلال المسيرة السياسية والديمقراطية ، وان أية محاولة لتهديم العملية السياسية يجعل من القوى المعادية (الارهابية ) أن تتنشط اكثر، وتهدم اسس الديمقراطية المرساة بأيدي أبناء العراق والرجوع بالبلاد الى مراحل مشابهة للنظام البائد .
كما ان الإبقاء على مخلفات النظام البائد ، وكل ما يتعلق بمبادئ وأفكار اولئك الطغاة ، من تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق مما يشجعهم والمتحالفين معهم على التمسك بتلك الافكار والمبادئ والرموز بالاعتماد على الوقت لتصبح إعادتها أوعلى الاقل الابقاء عليها أمراً مقبولاً.
الخلفية الدستورية للقرار – عدم مخالفة القرار للدستور –
1- التحديد الدقيق بوسائل قياس الأبعاد – الطول والعرض – .
2- التحديد الدقيق لألوان العلم .
يستخلص ما يلي :
1- إن أي مخالفة سواءً بالزيادة أو النقصان لقياس طول العلم أو عرضه يعتبر مخالفة دستورية ، بدلالة نص المادة الدستورية أو المادة القانونية التي حددت الطول قياساً واعتماداًعلى العرض ، بصريح اللفظ والعبارة دون أن يكون فيها لبس أو غموض
2- ان أية اضافة الى العلم بقانون أو قرار أو مرسوم ، لابد وأن يكون دستورياً وإلا يعتبرمخالفة دستورية تستوجب الإلغاء .
3- استناداً الى المادة /140/ من الدستور العراقي لعام 2005 التي تنص على :
يلاحظ من نص المادة تلك ، ان القرار الذي أصدره السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان ، بشأن عدم رفع العلم ( السابق ) ، هو قرار يجب الاستمرار على العمل به ، وخاصة انه لم يخالف أية مادة دستورية ، فبشأن العلم العراقي لم يحدد شكله ولونه في الدستور بل أحال الدستور تنظيم العلم الى قانون ينظم العلم ، مما يدل عدم وجود مادة قانونية يمكن الحكم بموجبها على قرار السيد الرئيس مسعود البرزاني .
مما يعتبر ان قراره هذا ليس فقط صائباً بل قراراً دستورياً دون أية مخالفة.
الخلفية الاجتماعية للقرار :
وقد كان للنظام البائد في العراق اكبر الاثر في تكوين نفسية الشعب العراقي بقومياته وأقلياته وأديانه وكافة شرائحه خلال تلك الحقبة السوداء ، من ممارسات القمع ، والظلم ، والاضطهاد ، وارتكاب الجرائم ضد الانسانية ، والابادة الجماعية ، وجرائم الحرب وغيرها .
وكان للعلم العراقي المرفوع آنذاك على أبواب وجدران المعتقلات والزنازين ، وعلى أسلحة القتل والفتك والدمار، وكان لرفعه بأيدي أزلام النظام احتفاءً بكل جريمة تقترف ، أثره في تكوين مشاعر الاحتقار والرفض ، حتى أصبح رؤية ذلك العلم ، برموزه التي تدل على تلك الحقبة، يخلق الشعور بالكآبة والحزن والاهانة والدمار، لذلك لا يمكن الإبقاء على ذلك العلم بتلك الرموز ولو للحظة واحدة .
كما ان الدفاع عن ذلك العلم يعتبر حرباً جديدة على الشعب العراقي الذي لاقى الويلات في ظله .
ان التلاعب بمشاعر الناس ، والتعاون أو التعامل مع رموز القتل والدمار، ومنه العلم السابق ، هو بمثابة توجيه آلة الحرب السابقة نحو صدور الشعب العراقي .
الخلفية الوظيفية للقرار وتحمل المسؤلية :
ان منصب رئاسة الاقليم لا يمنح لحامله حقاً ، بل يحمله إلتزاماً وواجباً، فلو كان يحمله الحقوق ، لكان باستطاعته التنازل عن حقوقه في الممارسة، لذلك يحمل الإلتزام والواجب على سيادته عدم التقاعس في القيام بمهامه وواجباته .
وباعتبار ان العلم يرمز الى البلاد ومن الواجب رفعه على المؤسسات الرسمية ، مما أحدث إشكالية، فتدخل الرئيس ، بصدوره لذلك القرار، هو تنفيذ للواجب الملقاة على عاتقه ، وان عراق اليوم يحتاج الى رجال شجعان في أيامه الصعبة ، ليخرجوا العراق من محنته ، وما قرار الرئيس البرزاني ، إلا قرار شجاع ، من رجل شجاع ، يريد بقراره هذا ، لرجالات العراق ان يواجهوا التحدي بشجاعة ، رافضاً بقراره ذلك للشعب العراقي الخنوع والذل والخضوع ، لفئة مذعورة تحاول دائماً ان ترجع بالعراق الى عهود سالفة من الظلم والضلال والتدمير، كونها – تلك الفئة المذعورة -لا تستطيع العيش في ظل الديمقراطية التي ستحاكمهم كما أسيادهم الذين يحاكمون على ما اقترفت أياديهم من جرائم الإبادة الجماعية ، وضد الإنسانية ،في كردستان، والشعبانية في الجنوب بحق العرب الشيعة ، وفي البشير بحق التركمان .
دواعي عدم رفع العلم العراقي – السابق –
كما لم يعد البعث حاكماً وقائداً كما زعم ،لكنه قاد الدولة والمجتمع الى الهلاك في عهده .
2- لم يتضمن العلم السابق لخصوصيات الشعب العراقي ، بدلالة الاختلاف الكلي لدستور2005 – المكتوب بإرادة الشعب العراقي ، والمتضمن لخصوصيته – عن الدستور السابق الذي الغاه الشعب .
3- لفظ الجلالة المضاف اليه بارادة الطاغية وحده ، دون سند شرعي ، ليقوم بحملته النورانية المزعومة على ابناء الشعب العراقي وخاصة على الجنوب .
4- عدم قبول الغالبية العظمى من الشعب العراقي ، وخاصة قواه السياسية ، بدلالة عدم قبول شكل الخط العربي الذي أختاره الطاغية في كتابة لفظ الجلالة (الله اكبر) واختيارهم لأشكال الخط الأخرى كالكوفي والرقعي والنسخي .
5- المعاناة التي لاقاه الشعب العراقي في ظل ذلك العلم ، من قتل وتدمير وتهجير وشن حروب مجنونة انهك الشعب والوطن .
لذلك كله يعتبر القرار الذي أصدره رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني بعدم رفع العلم العراقي – السابق – قراراً دستورياً ، يستوجب على كافة القوى الديمقراطية مساندته ، والرد على أولئك الذين لا يريدون للدستور العراقي ان يأخذ مساره في التطبيق ، لتعطيله كونهم معرضون للمحاكمة في ظله .