المرجعية المنشودة تقتضي مستلزمات إنجازها

افتتاحية جريدة آزادي

   إن التطورات المتلاحقة والأحداث الجسام التي يشهدها العالم في مجال التغيير ومعالجة مسائل حقوق الإنسان وقضايا الشعوب ولاسيما حقها في تقرير مصيرها وتوفير أسباب الأمن وعوامل التقدم والتطور ، تلك التي ترمي بامتداداتها القوية نحو منطقتنا وخصوصا في السنوات الأخيرة وتحديدا بعد حربي أفغانستان والعراق، والتي تتجلى مظاهر استمرارها من خلال تفاعل العلاقات الدولية في المنطقة اثر حرب لبنان الأخيرة وما حصل بعدها من تدخلات وما نتج عنها من مواقف و قرارات دولية جديدة ، توحي في مجملها بوضع ترتيبات جديدة في المنطقة تهدف إلى تغييرات واسعة تشمل بعض الدول ومن بينها إيران وسوريا وخصوصا هذه الأخيرة

وما ينبغي فعله إزاء الوضع الجديد وما يمكن أن يفرزها من مهام ومسؤوليات جديدة يقتضي التصدي لها بحزم وأخذ زمام المبادرة في الحوار والتفاهم وحل مجمل قضايا البلاد بما فيها قضية الشعب الكردي في سوريا كإحدى أهم معضلات البلاد الوطنية، والتأسيس لبناء حياة سياسية ديمقراطية جديدة يشاركها الجميع وينتفي بداخلها الاستبداد والتفرد بالقرار وكل أنواع القهر والتمييز ، ويسودها العدل والمساواة في دولة الشعب والقانون ..
     من هنا وإزاء هذا الوضع بما يحمل من مستجدات وبما ينطوي عليه من مهام استثنائية كبيرة ، فقد بدا واضحا أن الحركة الكردية في سوريا أصبحت أكثر حاجة إلى وحدة الموقف والكلمة من خلال العمل لتأسيس  مرجعية سياسية خصوصا في هذه  الظروف الحساسة الجارية ، وقد تتالت بهذا الشأن الآراء والتصورات والطروحات التي تتعلق بطبيعة هذه المرجعية وصلاحياتها، كما برز من خلال ذلك أشكالها منها مثلا  إطار شامل ، مؤتمر قومي، مجلس عام ، مجلس وطني ..الخ ، كون الأطراف كلها تلمس أهمية هذه المرجعية وإمكانية تأسيسها خصوصا وقد أثبتتها الأحداث ولاسيما انتفاضة الكرد في آذار 2004 وما بعدها، وضرورة تأسيسها بما هي الجهة الوحيدة الممثلة للشعب الكردي في سوريا ولقراره السياسي ، ذلك في سياق العمل الجماعي والنشاط الفعلي لوحدة الموقف والكلمة أو القرار السياسي المشترك في معرض العلاقات القومية والوطنية أو لجهة الضغط باتجاه الالتفاف حول واقع التشرذم والانقسام المفرط الذي ينخر جسم الحركة الكردية لعقود خلت ..
     ولا شك أن أولى أهداف هذه المرجعية وغاياتها ينبغي أن يكون تحقيق التوافق الكردي الموضوعي في الموقف والخطاب السياسي من خلال البرامج السياسية التي يتطلب منها أن تبرز بوضوح الخطوط العريضة والركائز الأساسية من حيث أن القضية الكردية في سوريا هي قضية أرض وشعب وهي قضية الشراكة في الوطن والمصير، وبالتالي هي قضية وطنية بامتياز حسبما عبرت عنها قوى وطنية عديدة ،  كما ينبغي ألا يكون الاهتمام بالجانب الوطني أقل منه في الجانب الكردي وعلى مختلف الأصعدة من سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية ..الخ ، والتركيز على التغيير الديمقراطي السلمي بما يحمل من معاني التلاحم الوطني وتعزيز وحدة البلاد وفق أسس واضحة وسليمة وفي المقدمة منها دستور عصري وقوانين عصرية تكفل لبناء دولة القانون العلمانية ..
ولتحقيق مشروع بهذا المستوى من الأهمية ، ولبناء المرجعية المنشودة ينبغي توفير المستلزمات الضرورية لإنجازها وبالتالي ضمان حمايتها والعمل على أساسها وفي المقدمة منها طي صفحة الخلافات التقليدية ومد جسور الثقة المتبادلة من خلال توفير المناخ المناسب وأرضية الحوار المتكافئ على طريق تعزيز عوامل التفاهم والتودد بدلا من الخلاف والصراع ، كما ينبغي ترتيب سلم أولويات مسائل الحوار البرنامجية منها والآلية التنظيمية ، وذلك بدءا من البديهيات والنقاط السهلة وصولا إلى القضايا والمسائل الأساسية ، وكذلك ترتيب سلم أولويات أطراف الحوار وشخصياته ، على أساس شامل وعدم الإقصاء لأي طرف وطني مهما كان  حجمه صغيرا ، مع مراعاة حجم ودور وفاعلية التنظيمات والقوى السياسية المتواجدة على ساحة البلاد ..
ولا بد من الانتقال إلى التفاعل مع الجانب الوطني العام وفق مبدأي المرونة في الحوار والصرامة في الجانب الجوهري ( كحقيقة قضيتنا القومية الكردية في سوريا على أنها قضية أرض وشعب ) كما يجب ايلاء الأهمية القصوى لمسألة التغيير والتحول الديمقراطي التي يكمن بداخلها مجمل القضايا السياسية والحياتية وفي المقدمة منها الحريات العامة ، والتي تضمن للمجتمع توفير عوامل تقدمه و يتوقف عليها مصير الشعب والوطن والتي بدونها لا يمكن توفير ضمانات النجاح والتقدم ..
إننا مدعوون جميعا – أطراف سياسية وشخصيات ذات دور فاعل – إلى المكاشفة والمصارحة والاستعداد الجدي  للتحاور والتفاعل دون مواقف مسبقة ومن غير ردود أفعال هدامة أخذين بنظر الاعتبار مصلحة شعبنا الكردي ومجتمعنا السوري فوق أي اعتبار آخر ، ذلك على طريق وضع لبنات هامة لنمط جديد للعمل والنضال من خلال إنجاز المرجعية المنشودة ، كاستجابة لضرورات المرحلة ومتطلباتها ونزولا عند رغبة جماهير شعبنا التواقة للالتفاف حول حركتها السياسية وقيادتها ، ذلك أنها قد أثبتت هذا التوجه وعبرت عنه عمليا على مر الزمن سواء في الانتخابات أو في الأعياد والمناسبات أو في تقديم يد العون والمساعدة أو عند دخول معترك المخاطر كما حصل في 12 آذار 2004 ، وهي اليوم- وخصوصا قواها المتقدمة من كتاب ومثقفين وفنانين ومهنيين وأوساط اجتماعية ..الخ- أكثر استعدادا من أي وقت آخر لأداء دورها وإظهار فاعليتها في لم الشمل وتوحيد الجهود والطاقات المبعثرة وزجها في عملية التحول الديمقراطي على طريق تحقيق أماني وتطلعات شعبنا الكردي ومجتمعنا السوري في حياة حرة كريمة تنضح بالعدل والمساواة والتلاحم بين مختلف مكونات المجتمع السوري باتجاهاته القومية والدينية والسياسية خدمة لسوريا وضمانا لأمنها وصيانة لسيادتها وتحقيقا لعوامل تطورها وتقدمها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
* افتتاحية العدد 377 من جريدة آزادي الصادرة عن مكتب الثقافة والإعلام لحزب آزادي الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…