أجرى الحوار لافا خالد
في وسط محكوم , مغلق مخيف , مراقب محروم من كل الحقوق فتح عينيه طفلاً رجلاً يحمل أعباء أسرة والأب يناضل في صفوف البشمركة ليكبر وسط المعاناة ومن تحت أنقاض ارض شوهت ذات مرة بالنابالم والسيانيد والخردل ليحمل أصوات الضحايا والشعب الذي طال شموخه قمم جباله وعانق الشمس وسالت دماءه بحورا بكلماته عبر أدب ملتزم ليتوجها فيما بعد برسائل مصورة تبث إلى انحاء العالم وعبر المسموح له ( احمد الزاويتي والجزيرة ودولة الجبل وأشياء أخرى معه كان الحوار التالي:
الزاويتي و الجزيرة
لافا خالد: لنبدأ من عملك مراسلاً لفضائية الجزيرة القطرية , حدثنا عن رحلة البداية في عملك وإلى الآن , كيف وصلت للجزيرة ؟
أحمد الزاويتي: ترجع قصتي مع الجزيرة عندما أراد الأستاذ وضاح خنفر ( مدير عام شبكة الجزيرة حاليا ) ومراسل الجزيرة سابقا بداية عام 2003 عمل برنامج عن الأكراد والدولة وربما كان قد اطلع على بعض مشاركاتي عن القضية الكردية في بعض المواقع العربية وعن طريق شبكة إسلام اون لاين عندما كنت مراسلا لها عرفت أن مراسل الجزيرة وضاح خنفر في جنوب افريقيا يريد الاتصال بي هاتفيا فطلبوا مني رقمي للاتصال بي، فاتصلت أنا به، من اربيل ففرح وقال انه ينوي القيام بزيارة لكردستان العراق للتصوير لهذا البرنامج وأريد أن أرافقه كمنسق ومترجم ومساعد ( فيكسر ) فوافقت على الفور، وبعد ذلك تواصلنا عبر الايميل وحاول المجيء إلى كردستان العراق عن طريق العراق وسوريا وتركيا إلا أن الأنظمة في الدول الثلاث لم تسمح له بالدخول فدخل عن طريق إيران لكن تأخر عن الدخول إلى كردستان لثلاثة أشهر من وقت حواراتنا، فدخل بعد أن كادت الحرب الأمريكية على وشك الوقوع، فترك العمل لبرنامجه مؤجلا إياه، للاستعداد لتغطية الحرب على العراق من كردستان، فرافقته لمدة 40 يوما بلياليها في أصعب مراحل التغطية الصحافية في كردستان ـ بالنسبة لي على الأقل ـ كنا نتحرك بالأجهزة منها جهاز المباشر في اليوم لعدة مرات والتحرك باتجاه نقاط المواجهة بين الجيش العراقي والقوات الكردية المتحالفة مع أمريكا في حربها ضد العراق، ففي بعض الأيام كنا نتحرك في اليوم الواحد في اغلب مدن كردستان للتغطية المباشرة للأحداث..
وكنا قد عملنا مسحا على طول خط المواجهة من فايدة غربا وحتى جمجمال شرقا إلى خورمال حيث مواقع الجماعة الإسلامية التي تعرضت لتدمير كامل في أول يوم من الحرب، وكذلك اسكي كلك وبنصلاوة وفي كل ذلك كانت الجزيرة هي السباقة في التغطية عن المحطات الأخرى، والسبب الآخر الذي كان متعبا ومرهقا لي إلى درجة كبيرة هو عدم ارتياح الوسط الكردي لتغطية الجزيرة للحرب على العراق خاصة في مناطق خارج كردستان العراق وهذا ما كان يعرضنا للانتقاد المستمر بل للتهديد أحيانا، وقد تعرض الفريق إلى الضرب والاعتقال في جمجمال نتيجة ذلك ..
التعب والإرهاق كان يصل بنا إلى درجة لا نستطيع الأكل في بعض الأحيان ففي كثير من المناسبات كنا نخرج مع الفجر دون أن نفطر ونرجع بعد منتصف الليل ولم نتعشى فنبحث عن بعض المحال قد تكون مفتوحة لشراء بسكويت، ونبحث دون جدوى ولا زلت أتذكر مشهدا آلمني عندما بحثنا عن قطع من الخبز اليابس في فندق أبو سناء في السليمانية في وقت متأخر من الليل ونوزعه بيننا، لأنه لم نكن قد أكلنا طوال ذلك اليوم..
والأجهزة كانت ثقيلة جدا وكانت تستوجب نقلنا لها أربع أو خمس مواقع في اليوم لاستضافة الضيوف أو كي يطلع المراسل مباشرة للتعليق على خبر ما، ولم تكن للجزيرة مكتب في كردستان كي يرتب هذا الأمر ويسهل علينا فكنا الفريق المتحرك المتنقل بأجهزتنا بين مواقع الأحداث في منطقة تغطيتنا ( اربيل، دهوك، السليمانية ) التي توسعت لتشمل كل من محافظتي نينوى ـ الموصل ـ وكركوك بعد سقوطهما، وهناك كانت المهمة أشقى وأصعب..
لكن رغم كل هذه الصعوبات كانت تغطية الأستاذ وضاح تغطية متميزة من الناحية الصحفية حسب المقيمين لهذه التغطية، وكان لي شرف المشاركة ومساعدته في هذه التغطية والتي اعتبرها نقطة تحول وانقلاب في مساري الصحفي، لأنني اكتسبت الكثير الكثير عمليا من خلال معايشتي للأستاذ وضاح في هذه المرحلة الصعبة التي صقلت موهبتي الصحفية، هذا النجاح المتميز لوضاح خنفر كمراسل حربي أهلته لاستلام إدارة مكتب الجزيرة في بغداد بعد سقوط نظام صدام حسين في أصعب ظروف كانت تمر بها بغداد وتمكن من توسيع عمل المكتب هناك بشكل ملفت للنظر، وعينت رسميا كفيكسر لقناة الجزيرة في كردستان العراق وعملت منسقا لعمل مراسلي الجزيرة الذين كانوا يتوافدون على مكتب بغداد، في كردستان العراق وبالتالي استفدت من تجربتهم أيضا وبعد أن شاركت في دورة مراسلين في مكتب بغداد عينت بعد ذلك رسميا كمراسل للجزيرة..
الزاويتي بين الجزيرة والشارع الكردي
لافا خالد: هل واجهتك أو تواجهك صعوبات سيما إن الجزيرة تلقى الكثير من الرفض في الوسط الكردي عموما التي بدورها تتجاهل القضية الكردية ؟ ( كيف استطعت الموازنة بين إشكالية رأي الجزيرة ورأي الشارع الكردي )؟
أحمد الزاويتي: أنا استطيع القول أن العمل للجزيرة في كردستان العراق كالحركة في وسط الألغام، ممكن أن ينفجر لغم في أية لحظة! واجهتني صعوبات كثيرة للعمل في الجزيرة، فالجزيرة باعتبارها قناة عربية رائدة وتجربة إعلامية فريدة ولا تتحفظ في قول أي شيء سواء كعرض لخبر أو تحليل له من قبل مذيع أو ضيف كمحلل سياسي، وباعتبار القناة هي قناة الرأي والرأي الآخر في حالة وجود رأي ما في الجزيرة عن طريق خبر منقول من المراسل أو الوكالات فالتحرير في جزيرة تبحث عن الرأي المقابل، لعرضها أيضا ولما كان الوضع في عموم العراق حساسا للغاية وكذلك في كردستان العراق وباعتبار الجزيرة أكثر قناة مشاهدة من قبل المشاهدين في المنطقة فنحن دائما نرى أنفسنا في مواجهة مع المشاهد باعتباره يعرفنا كجزيرة!!
هناك الكثير الذي يعرض في القنوات الإعلامية والوكالات تقوم الجزيرة بنقلها، المشاهد لا يشاهده لكن بمجرد عرضه في الجزيرة فالجزيرة تكون تحت المسائلة من قبل المشاهد عندنا، هناك أحيانا بعض الطروحات تعرض في بعض القنوات الأخرى وليست للجزيرة أي دور فيها إلا أننا نرى أنفسنا تحت مسائلة الشارع بقوله أن الجزيرة قالت كذا وكذا..
ومن طبيعة الناس فهم لا ينظرون إلى الايجابيات بقدر نظرتهم إلى السلبيات ففي الوقت الذي أكون مسئولا أمام ما اعمله للجزيرة سواء كعمل تقرير أو نقل خبر أو عرض تعليق أو جلب ضيوف أكراد للجزيرة من قيادات وسياسيين ونكون بوابة للرأي الكردي من خلال الجزيرة، لا أرى من يشكرني على ذلك بقدر ما أرى العتاب تلو العتاب لنقل خبر من الوكالات أو عرض تعليق في برنامج كالاتجاه المعاكس مثلا في الجزيرة لا يروق للمشاهد الكردي ولا علاقة لي بذلك لا من قريب ولا من بعيد..
كانت هناك معادلة ذات طرفين معكوسين مع بعضهما، وهي جزيرة غير مقبولة كرديا، وقضية كردية غير مهتمة بها في الجزيرة!! أو هناك من يعتقد من الشارع الكردي أن القضية الكردية تشوه في الإعلام العربي بما فيها الجزيرة..
هذه معادلة معكوسة الطرفين، رأيت من واجبي أن أعدل من طرفي المعادلة لكي تكون معادلة غير معكوسة الطرفين، أي أن يفهم الشارع الكردي حقيقة قناة الجزيرة بايجابياتها وسلبياتها ويتعامل معها كقناة عربية أولى من خلالها ممكن نقل قضيته غير المفهومة حتى الآن عربيا إلى الشارع والعمق العربي، وان تكون القضية الكردية أيضا موضع اهتمام في الجزيرة وتنقل لها من خلال أصحاب هذه القضية لا من خلال أعدائها، أنا لا ادعي لنفسي النجاح التام في هذه المهمة، لكنني اعتبر نفسي أنني قدمت شيئا ما لصالح الطرفين الطرف الكردي كصاحب قضية وقناة الجزيرة التي تعتبر القناة العربية الأولى من حيث الاهتمام بالقضية الكردية!! ولا يزال أمامي الكثير لأقدمه فيما إذا تمكن الشارع الكردي أن يستوعب الجزيرة ويتحملها، وتمكنت الجزيرة أن تنقل القضية الكردية من خلال أصحابها بغض النظر عن الضغط الذي ستواجهه من العمق العربي الذي ربما لا يتحمل القضية الكردية أن تعرض من خلال أصحابها في هذا الوقت الحساس تاريخيا والذي يعتبر الجانب الكردي فيه طرفا حليفا لأمريكا المعتبرة عدوة من النظرة العربية!!!
هل يفيد الغياب عن الجزيرة..؟
لافا خالد: علينا أن لا ننسى الحقيقة إن الجزيرة من أهم القنوات في الساحة الإعلامية العربية وجودك كصحفي كردي ومراسل في جزء مهم من العراق , كيف لك أن تقنع صناع القرار عبر مواد إعلامية وتقارير إخبارية إن مفتاح حل الكثير من القضايا العالقة في العراق لا يكون إلا عبر البوابة الكردية أولا وليس أخيراً , برأيك من يتحمل غياب صوت السياسي والمثقف الكردي في الجزيرة؟
أحمد الزاويتي:أنا بمعرفتي لقناة الجزيرة وتجربتي للعمل من خلال ثلاث سنوات معها، اقتنعت إلى حد ما أن الجزيرة في الغالب لا تسد ابوابها بوجه أحد بل تشجع أن يكون لكل صاحب قضية صوت له فيها، في المقابل الجزيرة لا تجامل أحدا أي تعرض الخبر كخبر ولا تبالي عرض الخبر هل سيزعج أحدا ما أو لا!! أحيانا يشعر المشاهد أن الجزيرة هي قناة المعارضة ضد الأنظمة، أو قناة المقاومة ضد الاحتلال، أو ما يسمى قناة الإرهابيين والظلاميين ـ في حد تعبير البعض، ضد من يعادوهم، لكن كل هذا غير صحيح الجزيرة قناة خبرية ولا شيء آخر، لكن المشكلة أين تكمن؟ تكمن في سد الأنظمة والقوى التي لا تتحمل نهج الجزيرة، أبوابها للجزيرة بل وغلقها لمكاتبها أو منع صحفي الجزيرة العمل في أراضيها، وهي لا تهتم بأنها ستخسر الجزيرة كون لهذه الأنظمة صحافتها المرئية والمسموعة والمقروءة وهي ليست بحاجة للجزيرة، ومعارضوها يستغلون فرصة أبواب الجزيرة المفتوحة، خاصة وهي ـ المعارضة ـ لا تملك نفس فرصة الأنظمة في الإعلام فيركضون نحو الجزيرة، ناهيك عن ملاحظة أخرى وهي أن المشاهد والجمهور قد مل من الإعلام الرسمي سواء إعلام الدولة أو إعلام الحزب، فتجربة الجزيرة في عرض أخبار وآراء المعارضة وما شابهها، ونقد الأنظمة والأحزاب قد جذب الجمهور والمشاهد إليها جذبا قويا..
ثمة شيء آخر، وهو ضعف الوعي الصحفي الأكاديمي عند الإعلام الرسمي وهذا ما انتقل إلى الجمهور أيضا، فعلميا أن ما يعرض كأخبار في المحطات الإعلامية الرسمية الدولية والحزبية أكثر من 90% منها لا يعتبر أخبارا، بل لا تعدو أن تكون دعاية أو ترويج أو ما شابه، فلا زلنا لم نفهم بعد ما هو خبر وما هو ليس بخبرـ فعندما نجد الجزيرة تتجاوز هذه الأطر الكلاسيكية في عرض الأخبار والتطرق إليها نرى أن أصحابها لا يتحملونها كونها لم يتعودوا عليها، فسرعان ما يتصورون أن الجزيرة هي التي صنعت الخبر والحقيقة أن الجزيرة مجرد هي عارضة للحدث ـ الخبر ـ لا صانعة له! ويذهبون إلى ابعد من الخطأ الأول حينما يتصورون أن الجزيرة أصلا جاءت بهذا الخبر من موقف مسبق مع صاحبة الحدث الأصلية، وبالتالي تتخذ موقفا سلبيا من الجزيرة والجزيرة لا تبالي بذلك مما يحدث ما يشبه القطيعة بين نظام ما والجزيرة، والجزيرة هنا لا تعتبر نفسها هي الخاسرة باعتبارها محطة إخبارية لا غير ـ وليست جهة سياسية، أو صاحبة موقف سياسي ـ إذا لم تحصل على الخبر من صحفييها من ارض الحدث فستحصل عليها من كل وكالات الدنيا، وهذا ما حدث بالفعل في العراق، وأنا اعتبر أن الجزيرة استفادت كثيرا من غلق مكتبها في العراق فهي من جهة لم تنقطع عن الحدث العراقي بل بقت ملتصقة به، ومن جهة أخرى تجنبت عرض صحفييها في العراق لخطر الحرب
التي كادت تبيد الصحفيين!!! ومثلما يقولون وكفى الله المؤمنين شر القتال! والجزيرة طبعا معذورة لدى جمهورها من عدم تواجدها في ارض الحدث العراقي كونها ممنوعة العمل فيه، وهذا أيضا يعتبر نقطة قوة لا ضعف..
أنا بتصوري أن الغياب عن والقطيعة لأي نظام أو حزب أو قوة مع الجزيرة يضر به ولا يضر بالجزيرة، لأن الجزيرة هي مجرد قناة إعلامية لا تخسر بغياب صوت معين فيها أو غلق مكتب لها، لأن لا يمكن عمل حصار على الجزيرة وهي لها أوسع اشتراك في الوكالات الدولية الخبرية والتي تزود الجزيرة بكل صغيرة وكبيرة ـ كأخبار ـ من هذه الدنيا ، وأنا ككردي ارى من الضروري جدا أن يتعامل الجانب الكردي مع الجزيرة من هذه النظرة، لأن إذا أردنا أم لم نرد يبقى العمق العربي هو أهم عمق بالنسبة لكردستان العراق، وهذا العمق لا يزال لم يفهم القضية الكردية في العراق على حقيقته، وهذا يضر بالقضية الكردية أيما ضرر، فعلى السياسيين الكردي التحرك من أجل ارسال رسالة مهمة لهذا العملق، وارى الجزيرة كقناة عربية أولى أفضل طريق لإيصال الرأي الكردي إلى المشاهد العربي..
أما بالنسبة للشق الأخير من السؤال وهو غياب الرأي الكردي في الجزيرة، ومن يتحمل ذلك، استطيع القول على الأقل بالنسبة لنا في كردستان العراق بان الرأي الكردي موجود في الجزيرة وليس هناك حدث لها علاقة بالكرد في العراق إلا وهناك وجود للرأي الكردي..
واستطيع القول أيضا أن القيادة السياسية في كردستان العراق تعاملت بعقلانية وحكمة جيدة جدا مع الجزيرة واستفادت هي من ذلك، رغم ملاحظاتها الكثيرة لأسلوب الجزيرة في التعامل مع الأخبار والأحداث..
الجزيرة في كردستان
لافا خالد: لماذا الجزيرة ممنوعة في عموم العراق عدا كردستان؟
أحد الزاويتي: ممكن تغيير السؤال إلى: لماذا أغلق مكتب بغداد للجزيرة ولم يغلق مكتب أربيل! قرار غلق مكتب بغداد راجع إلى الحكومة العراقية والأسباب أعتقد واضحة جدا لأن الحكومة أعلنت عنها مع قرار غلقها وهو عدم رضاها من نهج الجزيرة واعتبرت الجزيرة منحازة لطرف ما، والمشكلة حسب تصوري هي المشكلة نفسها التي أشرت إليها في جواب لي سابقا، وهذا ما سبب أيضا غلق مكاتب الجزيرة في العديد من المناسبات والعديد من الأماكن وهو عدم التعود مع إعلام يسير على نهج الجزيرة نهج التعامل مع الخبر كخبر! ونهج قول كل شيء موجود كخبر وعرضه والتطرق له بتفاصيله، وعدم استعدادها للمجاملة مع الحكومات..
هذا ما يسبب بين الحين والآخر القطيعة بين الجزيرة وبعض الحكومات..
أما مكتب أربيل، فهو شيء آخر وممكن القول بأنه عالم آخر، فمثلا الوضع في كردستان العراق مستقر مقارنة بالوضع في عموم العراق، وهناك قوانين، ونقابات، تشكلت في كردستان العراق منذ أكثر من عشر سنوات، فمثلا باعتباري عضو نقابة صحفيى كردستان العراق لي قانونيا حق ممارسة العمل الصحافي حرا في كردستان العراق، ولا يمكن منعي من هذا العمل حسب قوانين نقابة صحفيى كردستان، وكذلك حسب القانون نفسه أن المؤسسات الصحفية تملك حرية العمل الصحافي في كردستان العراق، وقرار منعي من العمل الصحفي أو منع مكتب الجزيرة في اربيل يعود إلى حكومة إقليم كردستان وبالاستناد للقوانين الخاصة بالعمل الصحافي التي تدعمني للعمل لاية مؤسسة صحفية كانت، وهذا هو الفرق حتى الآن على الأقل بين بغداد وأربيل..
الزاويتي والقضية الكردية من خلال الجزيرة
لافا خالد: إغلاق مكاتب الجزيرة هل أثر على عملك , سيما إن التقارير الصادرة من مكتبكم في اربيل بالأساس قليلة هل هناك مخاوف حقيقية في عملكم كون الصحفيين مستهدفين أم المسألة تتعلق بالجزيرة التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم إلا بما يتوافق ومصالح الأطراف التي تتنكر لعدالة مطالب الكرد..
أحمد الزاويتي: قلة التقارير من مكتب اربيل لا علاقة لها بما ورد في السؤال، التقارير في الجزيرة متعلقة بالأحداث، هناك تظهر تقارير كثيرة من بعض مكاتب الجزيرة التي تقع في المواقع الساخنة كفلسطين مثلا أو لبنان أو في دولة كبيرة كمصر، أما المناطق التي ممكن أن نسميها غير ساخنة سياسيا أو مستقرة أو ليست هناك أحداث تصل إلى درجة أن تكون خبرا فالتقارير فيها أقل من غيرها، لكن مع ذلك هناك تقارير كثيرة من مكتب اربيل بالمقارنة مع مكاتب الجزيرة الأخرى غير المذكورة أعلاه، وكون الجزيرة قناة عالمية تغطي كل العالم فيكون ذلك على حساب كم التقارير من المكاتب المختلفة، ليس هناك حدث ما في كردستان العراق في مستوى أن يكون خبرا في قناة كالجزيرة إلا ولدي تقرير على ذلك الحدث، إضافة إلى أن النشاط ليس منحصرا في الجزيرة في التقارير فقط بل هناك برامج وضيوف لهذه البرامج قلما يكون هناك برنامج متعلق بقضية ما في العراق إلا ويكون لنا ضيفا فيه من اربيل..
عدا الجانب الخبري فانا عملت تقارير كثيرة للجزيرة في مجال العمران في كردستان، في مجال الثقافة والأدب والفن والسينما بل حتى الموسيقى والغناء الكردي في برامج الجزيرة المختلفة، ليس هناك في الجزيرة بتاتا ما يقال أن الجزيرة لا تتكلم إلا بما يوافق ومصالح أطراف تتنكر لعدالة مطالب الكرد، بل الجزيرة هي أول قناة عربية كسرت حاجز الحصار على القضية الكردية منذ انطلاقتها، وتطرقت وبجرأة إلى قضايا كانت خطوطا حمراء في الإعلام العربي كالدولة الكردية مثلا، أو الفيدرالية وعموم الحقوق الكردية..
موقع الجزيرة في الانترنت عملت اكبر ملف على الإطلاق عن القضية الكردية بعنوان ( الكرد دروب التاريخ الوعرة ) شارك في هذا الملف خير كتاب ومؤرخي الكرد، وعمل في الملف المذكور استفتاء بتصوري سيكون الاستفتاء الأول دوليا عن الدولة الكردية صوت لها أكثر من 65% لصالح الدولة الكردية، ممكن ان تبحثي في الانترنيت الآن عن القضية الكردية في موقع الجزيرة سيظهر لك مدى اهتمام الجزيرة بالقضية الكردية، والجزيرة هي أكثر قناة عملت تقارير عن القضية الكردية في تركيا وبالأخص عن حزب العمال الكردستاني، وأنا كمراسل للجزيرة عملت أكثر من 10 تقارير خبرية عن حزب العمال الكردستاني، وتقرير طويل لبرنامج ( مراسلو الجزيرة ) وفلما طويلا بعنوان ( دولة الجبل ) لبرنامج تحت المجهر، إضافة إلى أنه ليس هناك موضوع متعلق بالقضية الكردية أثيرت سلبيا سواء دوليا أو عربيا في الجزيرة إلا وكان هناك الرأي الكردي لدينا من مكتب أربيل حاضرا وهذا مهم جدا بالنسبة لنا لان ممكن أن يكون كل هذا موجودا بغياب الرأي الكردي بدون مكتب اربيل أو إذا لم يكن مكتب اربيل موجودا، إذن ليس هناك في الجزيرة أي تحفظ من القضية الكردية في أن تكون خبرا أو موضوع برنامج ما فيها…
محاكمة صدام في قضية الأنفال والدور الإعلامي..
لافا خالد: بدت محاكمة صدام أشبه بالمهزلة وقضية كبيرة بحجة معاناة المؤنفلين لم تلقى التغطية الإعلامية الموضوعية على العكس يبدو صوت الطاغية طاغياً على صوت الضحايا من يتحمل هذه التبعات ؟ أين هم الإعلاميون الكرد في إعطاء الموضوع حجمه الحقيقي كونها جرائم إبادة وليست قضية من نوع مارق..
أحمد الزاويتي: صحيح كادت محاكمة صدام تتحول إلى مسرح للدفاع عن صدام ومحاكمة المؤنفلين لكن ما علاقة الجزيرة بذلك، أو ما علاقة الإعلام، الجزيرة وغيرها من القنوات العربية مهمتها تنقل المحاكمة فقط وتقوم بعرض ما جرى في المحاكمة مع بعض التحليلات ربما أكثرها جاءت دعما للدفاع عن صدام لأن العربي عندما يرى صدام حسين في موقف ضعف تحت احتلال الأجنبي أوتوماتيكيا يميل إلى الدفاع عن صدام حسين وهذا في نظري خطأ كبير، لأن وكما جاء في القرآن الكريم ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ) علينا أن نكون مع العدل لأي كان، العدل لمن كان، من قومي أو من غير قومي..
لكن مع ذلك نحن تعودنا أن نلوم الآخر لنخفي تقصيرنا، إذا أخطأ العربي فهذا لا يعني أن أتضرر من خطأه، على أن اعمل لرفع الضرر عني، والتقصير لم يكن من الإعلام الكردي أو العربي بقدر التقصير ممن كان وراء الإعداد لهذه المحاكمة من الجانب الكردي، وخاصة محاكمة صدام حسين في قضية الأنفال جاءت بعد الدجيل فكان من المهم دراسة هذه المحاكمة للاستفادة منها لمحاكمة الأنفال الأمر كان العكس فمحاكمة الدجيل بدت أقوى من محاكمة الأنفال حتى الآن على الأقل من حيث المحامين والشهود وربما حتى الآن مع بدأ تبديل القاضي الثالث بالرابع حتى من ناحية الوثائق، أتمنى أن يتدارك الجانب الكردي الأمر، فكارثة الأنفال كادت تتحول إلى عقاب لخونة تعاونوا مع ايران ـ حسب الخطاب الطاغي على المحكمة ـ دون أن يبرز في الأمر أن أكثر من 100 ألف مفقود غالبيتهم من النساء والشيوخ والأطفال ليس بينهم بيشمركة!!، لم يكن بين الضحايا من البيشمركة أو المسلحين إلا العدد القليل لان اغلب هؤلاء يستطيعون النجاة بأنفسهم، ثم اكبر حملة أنفال وقعت في منطقة بادينان بعد الانتهاء من الحرب الإيرانية، ومنطقة بادينان تقع في الغرب وايران في الشرق! إذن ما علاقة حرب ايران، أو حتى ايران بحملة الأنفال التي قام بها الجيش العراقي ضد المدنيين العزل الأكراد في كردستان العراق!! لكن يجب أن يتدارك الجانب الكردي هذا القصور قبل فوات الأوان ..
هناك حتى الآن ضعف في أداء الشهود والمترجمين ومحامي الضحايا، مقابل قوة خطاب محامي الدفاع عن صدام حسين وقوة خطاب المتهمين! السؤال هو أين كانت كل هذه المنظمات التي تشكلت باسم المؤنفلين والدفاع عنهم منذ أكثر من عشرة أعوام؟!! أين كل اللذين ملئوا الدنيا ضجيجا منذ سنين باسم قضية الأنفال أين الإحصائيات أين المحامين الأقوياء أين الشهود الأقوياء بل حتى أين المترجمين؟!!! فالكثير من المترجمين يترجمون بعض الفقرات ترجمة ضعيفة جدا أو أحيانا خاطئة مما يضعف من أقوال المشتكي! بحيث وأنا كردي اسمع المشتكي واسمع الترجمة أرى ضعفا يدب في أقوال المشتكي بعد ترجمتها..!!
الزاويتي والرقيب..
لافا خالد: من هو الرقيب على عملك ؟ أين تجد نفسك مراسلاً تلفزيونياً , أم كاتباً واديبا في عالم الزر الإلكتروني ؟ كيف تقييم مستوى أدائك كمراسل؟ ما هي مصادرك الإخبارية هل تجد صعوبة في الحصول على المعلومة ما البديل في حالة الصعوبات ؟
أحمد الزاويتي: طبعا أنا كإنسان أراقب عملي، لكن إذا تقصدين مراقبة من ناحية القص والحذف من الآخرين بالنسبة لي كصحفي اعمل تقارير فليس هناك شيء من هذا القبيل، لان التقرير الذي اعمله يكون عبارة عن مشروع أقدمه للقسم الذي أكون تابعا له في الجزيرة وهذا القسم يقيم المشروع ويعطي الإيعاز بعمل تقرير او خبر او شيء آخر منه، ثم ابدأ عملي للقيام بالواجب، بعد ذلك هناك مجموعة أقسام أخرى تكون لها علاقة بالعمل المذكور بالتنسيق معي طبعا، والعلاقة هذه هي علاقة فنية أكثر من كونها علاقة سياسية أو فكرية، يعني التقرير الذي اعمله يكون نسبة 95% خالصة لي كفكرة ومعلومات و5% لمجموع الأقسام الأخرى وعلاقة هذه الأقسام منحصرة في الأمور الشكلية اللغوية والأكاديمية والتحريرية، وبعد ذلك يكتمل العمل لدي ثم أرسله للجزيرة فعندما يصل إلى هناك لا يحتاج العمل إلى قص وحذف، إلا إذا خالف التقرير الأسلوب الفني المتبع لدى الجزيرة..
ثم هناك بعض التكليفات من الجزيرة للقيام ببعض ما يرونه مناسبا في كردستان العراق، فأقوم بالواجب وفق ما أرى حقيقة الحدث في ارض الحدث، ولا من اعتراض من الجزيرة..
طبعا أنا أجد نفسي الآن كمراسل تلفزيوني، لكنني أميل إلى الأدب والفن والكتابة، ويمكن للآخرين أن يقيمون أدائي كمراسل أما أنا فتقيمي لنفسي هو درجة الوسط، وأتمنى أن أتطور..
مصادري عبارة عن تصريحات وبيانات سواء حكومية أو حزبية أو من مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى الصحافة المحلية بالنسبة للأخبار المحلية، والانترنيت والوكالات، هذا من ناحية ما يكون خبرا في عرف الجزيرة، أما من ناحية القصص غير الخبرية فيمكن أن يكون أي شخص أو فكرة في المجتمع مصدرا لي..
نعم أجد أحيانا صعوبة في الحصول على المعلومة، فهناك تخوف من مصادر المعلومات من إعطاء المعلومة للجزيرة إلا إذا كانت المعلومة ايجابية بالنسبة لهم، فمثل هذه الأحيان استغل علاقاتي الشخصية مع بعض الشخصيات التي نتعامل معها للمساعدة في الحصول على المعلومة، وفي الأحداث الطارئة والتي تتأخر الجهات الرسمية من إعطاء البيانات نضطر نحن كصحفيين لأخذ المعلومة من شهود العيان وننسب المعلومة لهم حتى يصدر شيء رسمي من المصادر الأمنية..
الزاويتي والخوف..
دولة الجبل
لافا خالد: بلا شك عملكم حساس ودقيق ويحتاج للكثير من الحسابات والحذر هل تعتبر إنك كسرت حاجز الخوف وكانت نقلة في عملك عبر حلقتك التي دارت حولها التساؤلات سلبا وإيجابا ( أكراد الجبل )…
أحمد الزاويتي: نعم لقد كسرت حاجز الخوف لكن الحذر يلازمني عندما أعمل! كسرت حاجز الخوف من نقطة أن الخوف لم يعد يوقفني عن عمل ما، لكن يبقى هناك خوف يلازمني عند التفكير في عمل ما وعند القيام به وحتى عند عرضه وبعد عرضه، لكن ذلك الخوف لا يمنعني من القيام بالمجازفة وعمل ما اشعر بأنه قد يسبب لي مشاكل أو إحراجا من جهة ما، بل أحيانا هذا النوع من الخوف هو الذي يدفعني إلى العمل، الخوف الذي دائما أشعر به هو الخوف المسئول، أو الشعور بالمسئولية، وهو الخوف من ضرر ما قد يلحق بطرف ما نتيجة خبر أو تعليق، أنا لا أشعر بالخوف بتاتا لضرر قد يلحق بي نتيجة خبر ما أو تعليق ما أو تقرير أو أي عمل صحافي آخر، لكن اشعر بالمسئولية من منطلق تخوف إلحاق الضرر بالآخر نتيجة سوء فهم للمعلومة المعطاة..
أريد القول أن المعلومة عندما تكون أصلا موجودة ولم تعرض إعلاميا ربما لا يتخوف منها أحد لكنها عندما تعرض تصبح مرمى العيون والمواقف المختلفة، ومرمى التفسيرات المتعددة الصحيحة والخاطئة وبالتالي النتائج التي تثمر عن هذه المعلومة، لذا يبقى الخوف الداخلي أو يقظة الضمير تضغط علي من الداخل بدءا من القيام ببعض الأعمال وأثناء العمل وبعد العمل أيضا نتيجة الترقب بحذر من التفسيرات والمواقف المختلفة من المعلومة المعروضة إعلاميا، ولكون الجزيرة أكثر قناة مشاهدة وأكثر قناة تثير ردة الأفعال لدى المشاهدين ولدى القوى والأنظمة المختلفة، فأكون بالتالي أكثر من غيري شعورا بالمسئولية وأكثر يقظة للضمير وبالتالي أكثر شعورا بخوف داخلي يؤثر علي نفسيا لفترة ما وتزول بعد ذلك…
لذا كثيرا ما اسمع من زوجتي عندما انهمك بعمل صحفي على أنني تغيرت كثيرا في الوجه والجسم والملامح، طبعا التغيير السلبي لا الايجابي، وأصبح جسمي أكثر ضعفا مما كنت قبل العمل، أي تظهر علي ملامح التعب النفسي والقلق لكن سرعان ما يزول كل ذلك بعد الشعور بنجاح العمل..
أنا الآن سعيد جدا بأنني لم أندم حتى الآن بأي عمل قمت به خاصة للجزيرة، وهذا دليل على نجاحي وشعوري بالسعادة..
أكبر عمل قمت به حتى الآن في الجزيرة هو ( دولة الجبل ) الفلم الذي عملته من داخل أخطر مواقع في المنطقة، من بقعة تثير القلاقل لأربع أكبر دول المنطقة ( تركيا، إيران، العراق، سوريا ) خضت هناك أكثر من أسبوع بلياليها أقسى تجربة صحافية لي وهي الحياة وسط الثلوج في الجبال والكهوف في شريط حدودي يتعرض للقصف والقتال بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، والفلم بعد عرضه حرك أكبر جيشين في المنطقة وهما الجيش التركي والإيراني نحو الحدود لهما مع العراق وأعقب ذلك قصفا للدولتين على مواقع حزب العمال، وعمل الدولتان ضغوطا على العراق كان العراق في وضع تغنيها عن هذه الضغوط بشأن قضية حزب العمال وتواجده في شماله، فكيف لا تريدينني أن أخاف، أو أقلق! كنت أحس بأن النتائج ربما ستكون خطيرة لكن ذلك لم يمنعني من المجازفة والمخاطرة، وكانت النتائج كذلك، لكن الفلم كان أكثر ما أثار جدلا في برنامج ( تحت المجهر ) للجزيرة وهو من أفضل البرامج برأي الكثيرين، وأكثر حلقة استقبلت الردود عبر عنوانها في الانترنيت..
أسرد هنا بالمناسبة حادثة طريفة وقعت لأسرتي بعد دولة الجبل، فأنا أسكن دارا للإيجار في اربيل، وحصل غلاء فاحش في أسعار الدور في المدينة، فجاء صاحب الدار الذي نؤجره إلى دارنا ولم أكن موجودا فقال لزوجتي بأنهم سيرفعون إيجار دارنا بنسبة 50% واعترضت زوجتي على ذلك قائلة له نحن لا نتمكن من دفع هذا المبلغ، فقال صاحب الدار ( زوجك بتقرير واحد حشد أكبر جيشين على الحدود العراقية ولا يستطيع دفع هذا المبلغ؟! ماذا تقولين يا امرأة؟! )
كان فلم ( دولة الجبل ) فرصة ذهبية لي للكشف عن مواهبي الأدبية والفنية، لأن التقارير الصحفية لا تعطي الفرصة لهذه المواهب، وقلت سابقا أنني أميل للفن والأدب قبل الصحافة، لذا فلم أجد نفسي حتى الآن في التقارير الصحافية التي لا تتجاوز الدقيقتين والنصف ويكون لي في هذه الفترة القصيرة جدا حق الكتابة لدقيقة واحدة فقط والبقية تكون لثلاث ضيوف يتكلمون حول موضوع التقرير!! لم أجد نفسي هناك مثلما وجدت نفسي في فلم دولة الجبل! الفلم الذي فسح لي المجال لمجموعة المواهب الأدبية والفنية والصحافية أن تنطلق، لكنها لكون التجربة الأولى لي في فلم وثائقي طويل كنت أشعر بخوف كبير أن لا أنجح فيها النجاح المرجو، لكن والحمد لله كنت موفقا ونجحت نجاحا لم أكن أتوقعه..
وهذا ما شجعني على المضي في مثل هذه التجارب، لذا أخوض الآن تجربة عمل مشابهة لا زلت لم أكملها ولا أريد التحدث عنها الآن حتى يراها المشاهد من على شاشة الجزيرة إنشاء الله..
محور رقم (2)
أحمد الزاويتي من يكون ؟
لافا خالد: من هو أحمد الزاويتي، وما هي الخلفية التي دفعته لاقتحام عوالم صاحبة الجلالة؟
أحمد الزاويتي: أحمد الزاويتي ربما لا يختلف كثيرا عن أقرانه من الشباب الكرد الذين قضوا ما يقارب من ثلاثين عام من حياتهم في وسط مغلق مخيف مراقب محروم من وسائل التطوير في المجالات العلمية والأدبية والثقافية عموما، فقد ولدت عام 1966 في بغداد من أب وأم كردية كانا قد تركا كردستان العراق بحثا عن الحياة وهربا من الموت منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي..
إلا أن العائلة تلك تعود إلى كردستان العراق تاركة رفاهية بغداد في ذلك الوقت بعد بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 الذي منح الكرد في العراق رسميا حكما ذاتيا، ليعيشوا في ظلال هذا الحكم، لكن ما لبثت الأمور أن تطورت إلى حرب بين ثورة يقودها ملا مصطفى البارزاني وحكومة تقودها حزب البعث في العراق عام 1974 ويأخذنا والدي إلى الجبال ليشترك في الثورة ويترك عائلته المكونة من والدتي وستة أولاد مناصفة بين ثلاث بنات وثلاثة بنين كنت أنا في الثامنة في حينه أتوسطهم عمرا، يتركها مرمى لقصف الطائرات والمدافع العراقية في الجبال والكهوف..
كنت في ذلك الوقت في الصف الثاني وانتقلت إلى الثالث الابتدائي في مدرسة بامرني، أتذكر كان والدي يأتي لي ببعض الأشعار يكتبها بعض رفاقه، عندما يعود كل شهرين مرة من القتال الدائر فأنقل تلك الأشعار إلى الأناشيد واتلوها في الاصطفاف الصباحي في المدرسة..
وكنت أُكَرَم من قبل إدارة المدرسة على تلك المحاولات..
منذ ذلك الوقت عشقت الأدب وعشقت الشعر وعشقت الفن إلا أن الظروف المعيشية والدراسية والسياسية لم تمنحني فرصة خوض هذه المجالات بقوة إلا بعد عام 1991 وانسحاب الإدارات العراقية من بعض محافظات إقليم كردستان العراق، والشعور لأول مرة بحرية أن تكون شاعرا أو فنانا أو أديبا..
عند فشل الثورة الكردية عام 1975 بعد مؤامرة الجزائر، لم تكن ظروف والدي المادية تساعده للهجرة إلى ايران مثل اغلب الثوار لذا سلم نفسه للقوات العراقية بعد صدور عفو منها، إلا انه نفي دوننا إلى الحدود السعودية في عرعر وبقي هناك حتى عام 1980، كنت في تلك الفترة مع إخوتي ووالدتي نسكن غرفة إيجار من تراب في أحدى دور مدينة دهوك، وكنت مجبرا على العمل بعد الدراسة بدأ من التاسعة من عمري أي وانأ في الرابع الابتدائي، لأساعد والدتي في دفع إيجار تلك الغرفة..
ولا أنسى قط ذلك المشهد الذي اعتبره أجمل مشهد في حياتي وأنا استلمت نتيجة السنة الابتدائية الرابعة من دراستي ويرافقني ابن صاحب الدار الذي نسكن غرفة منه وهو راسب وأنا الأول على الصف، و بعض أبناء حينا واللذين سقطوا في امتحاناتهم الدراسية فتلومهم أمهاتهم لعدم نجاحهم ونجاح ابن الفقيرة بترتيب الأول على الصف، واحتضنتني أمي باكية، وطبعت قبلة على خدي الطفولي وقالت ومن سيبارك لابني النتيجة ووالده ليس هنا؟!! ودموعها الساخنة كانت تبلل خدي البارد..
بعد أن يعود والدي من النفي عام 1980 يبدأ الحرب العراقية الإيرانية، حينها أكون في مرحلة المتوسطة والحس القومي الكردي يبدأ من جديد بين أوساط الشباب الذي بدأت مرحلته لتوي..
تلك مرحلة أغاني (شفان به روه ر) وأشعار (مؤيد طيب) وموسيقى (دلشاد محمد سعيد) كنت دخلت حينه بعد منتصف عقدي الثاني من عمري وأنا أميل لكل شعر اقرأه وكل موسيقى اسمعه وكل أغنية تثورني وكل مسرحية تدغدغ حسي القومي..
أتذكر عندما قدمت لجنة برئاسة المخرج المسرحي في دهوك ( آزاد عبد الله ) لمتوسطة كارة في دهوك واختبرت التلاميذ للمشاركة في مسرحية (مه م و زين) كنت في الثاني متوسط في حينه، وتقدم الكثير منهم للاختبار إلى أنهم كانوا يفشلون فلما جاء دوري وصعدت خشبة الاختبار إذ أجد نفسي في حالة انفعال تمثيلية أخاطب وأخاطب فاندهش المختبرون لجرأتي في ذلك فاختاروني للمسرحية منذ ذلك الوقت شعرت بالجرأة وأنا أتقدم لأي اختبار فني، حدث لي ذلك ثانية في مرحلة الإعدادية وكنت في إعدادية كاوة عام 1983 عندما جاءنا الفنان الموسيقي المعروف دلشاد محمد سعيد وطلب كورسا غنائبا لفرقة دهوك للاحتفال بمناسبة نوروز كذلك تمنى الكثيرون النجاح للاشتراك في هذه الفرقة وكنت بين القلائل الذين تجاوزا الاختبار…
إلا أن كل ذلك لم يكن يأخذني كليا إلى الأدب أو الفن وذلك لاهتمامي الكبير بدراستي ولعدم تشجيعي من قبل الأهل بخوض هذه المسالك إلا أن المرحلة تلك ولدت في قلبي حبا لم يثمر إلا بعد عام 1991 وكما أشرت إلى ذلك..
اهتماماتي في مرحلة الشباب كانت متشعبة بين الرياضية والأدبية والفنية كلها من جهة والدراسة العلمية من جهة أخرى، فالعادة عندنا في عموم العراق في ذلك الوقت أن الطلبة المتميزين يتوجهون للسلك العلمي أما السلك الدراسي الأدبي فكان يبقى للطلبة غير المتميزين، وهذا كان خطأ كبيرا بل قاتلا للمواهب فكم من طلبة متميزين تكمن في ذواتهم مواهب أدبية أو فنية إلا أنهم يتوجهون للدراسة العلمية التي تبعدهم عن مواهبهم..
أنا كنت كذلك فرغم حبي للفن والأدب توجهت إلى الدراسة العلمية التي أغرقتني في علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات في مرحلة الإعدادية وبعدها علوم الأرض الغريبة العجيبة في كلية العلوم جامعة الموصل والتي أنهيتها عام 1990 بعدها التحقت بالخدمة العسكرية في الشهر العاشر من عام تخرجي من الكلية لكنني هربت من الخدمة بعد اقل من ثلاثة أشهر من الالتحاق لاعتقل في الموصل وأُسَفِّرَ إلى بغداد ويفرج عن كل العسكريين السجناء بعد أول قصف أمريكي لبغداد في حرب إخراج العراق من الكويت، وكنت من بينهم، أسبوعا في الاعتقال العسكري دفعني لكتابة ذكرياتي في وقتها لأحولها إلى رواية ( الهروب إلى الحياة ) طبعت في بيروت عام 2003 من قبل دار الوراق للنشر والتوزيع وتكون بذلك أول عمل أدبي لي باللغة العربية..
بعد خروجي من الاعتقال في بداية عام 1991 وهروبي ثانية حاولت التخفي داخل مدينة دهوك حيث تسكنها عائلتنا، وما يلبث الوضع طويلا لتتطور الظروف، فيخرج الجيش العراقي خاسرا من الكويت وتبدأ الانتفاضة في كردستان وحصة مدينتنا ( دهوك ) من هذه الانتفاضة كانت يوم الرابع عشر من آذار عام 1991 لنعيش لأول مرة أسبوعين دون إدارة من الحكومة العراقية، أسبوعين فترة قصيرة بأيامها إلا أنها كانت مليئة بأحداثها وتقلباتها وحلاوتها ومرارتها ففي الوقت الذي اعتبرناها نصرا وتحررا رأينا فيها فوضى عارمة من النهب والسلب تجتاح المؤسسات ولم يتمكن أحد السيطرة عليها، لكن مع ذلك اعتبرناها حالة لا تدوم ويحتاج الأمر إلى استقرار، إلا أنه وقبل استقرار الأوضاع تقدم الجيش العراقي ثانية على كردستان العراق لتحدث بعد ذلك الهجرة المليونية التي كانت المأساة الكردية الأولى التي تستطيع هز الضمير العالمي ليتدخل بقوة لوضع حد للمآسي الكردية المتكررة..
الهجرة المليونية والتي لم تكن مخططا لها، بل حالة جماهيرية عارمة للهروب من موت قادم لا يبقي ولا يذر إلى الجبال والثلوج والأطيان والأنهار في شتاء كردستاني لا يرحم، شهرا من هذا النوع من الحياة وقبله أسبوعين من حرية لم تدم، وقبلها أشهرا في انتظار مجهول غير واضح المعالم بعد توقعات بخسارة العراق في حرب الكويت كلها كانت أشباحا أو كوابيسا أو صورا فنية تهجم على ذاكرة تكونت على مواهب فنية وأدبية طمرت سريعة لتخرجها بقوة..
حالفني الحظ في أن اشتاق لتسجيل ذكرياتي في تلك المراحل المتقلبة مرحلة الاعتقال ثم مرحلة الانتفاضة ثم الهجرة المليونية ثم العودة ثانية إلى الديار، لأتصفح تلك الذكريات بدأ من نهاية التسعينيات وحتى الآن لأخرج منها بين كل فينة وأخرى عملا أدبيا بين قصة ورواية كردية وعربية..
تلك هي الخلفية لتوجهي المتواضع نحو الأدب والفن، والأدب والفن بالتالي كانا البداية لتوجهي للصحافة السمعية ثم المقروءة فالمرئية..
الزاويتي الكاتب بعد الهجرة المليونية..
لافا خالد: إذن تريد ان تقول أن المعاناة والحرمان ولدت فيك موهبة الفن والأدب، خبرنا عن قصتك في الكتابة والفن والأدب بعد الهجرة المليونية، أي بعد 1991؟
ثم كتبت مسرحية ( الكرسي ولعبة الموت ) والتي قدمت إذاعيا، بين عامي 1994 و 1995 ، ثم اصدرنا جريدة في مدينة دهوك باسم ( ره سه ن ) وبدأت أكتب قصصا بعنوان ( من ألواح معرض طريق جه لى ) والتي تطورت فيما بعد الى كتاب في جزئين طبعا باللغة الكردية في مدينة دهوك الجزء الأول عام 1999 والجزء الثاني عام 2000 ، وفي عام 1999 ايضا بدأت بطباعة سلسلة رسائل تربوية باللغة الكردية بعنوان ( الإنسان والحياة ) و( الإنسان والمجتمع ) و( مؤمن آل فرعون )، وطبعت رسالة أدبية باللغة الكردية عام 2001 بعنوان ( من وحي الاشتياق ) ثم ترجمتها الى اللغة العربية لكن لم يطبع حتى الآن، وطبع لي من قبل دار الوراق للنشر والتوزيع في بيروت كتابين أدبيين باللغة العربية الأول ( الهروب إلى الحياة ) عام 2003، والثاني مسرحية ( مؤمن آل فرعون ) طبع عام 2006
الزاويتي كأديب لمن يوجه الخطاب؟
لافا خالد: كتبت في مجال الأدب ولك مؤلفات لما لم تجد سبيلها للنشر ما هي مشاريعك, من هو الجمهور الذي تخاطبه حدثنا عن هذا المجال ؟
أحمد الزاويتي: كما أشرت كتابتي في الأدب سبق عملي في الصحافة وبداياتي في الأدب ترجع للكتابة في المسرح فالقصة ثم محاولات في مجال الرواية، وبدأت بتحويل مذكراتي في المعتقل قبل الانتفاضة والهجرة المليونية بعد الانتفاضة إلى قصص بدءا من عام 1995 وطبع لي بعد ذلك كتابي في جزأين ( ريكا جه لى ـ طريق جلى ـ ) وهو عن الهجرة المليونية الكتاب باللغة الكردية، ثم طبعت لي رسالة أدبية أخرى أيضا باللغة الكردية بعنوان ( ز هايدانا خه ريبى يى ـ من وحي الاشتياق ـ ) ونشرت لي كل خواطرها الأدبية وعددها 20 باللغة العربية في بعض المواقع العربية، وكذلك نشرت لي بعض قصص من كتابي الأول باللغة العربية وحاولت أن أحول كتابي الأول بجزأيه إلى رواية باللغة العربية لكنني لا أريدها أن تكون ترجمة لها بل أريد أن تكون كتابا آخرا جديدا في إطار رواية عربية مستمدة من كتابي باللغة الكردية ..
طبع أيضا لي في بيروت عام 2003 أول كتاب باللغة العربية وهي ( الهروب إلى الحياة ) وهي مذكرات جندي عراقي يحاول الهروب، وطبع لي مؤخرا من بيروت أيضا أول مسرحية لي وهي بعنوان : ( مؤمن آل فرعون ) ونشرت لي مسرحيتين في بعض مواقع الانترنيت وهما : ( طفل ينهض أمة ) وأخرى بعنوان ( قاطع وذلك اضعف الإيمان ) والمسرحيتين عن فلسطين، إضافة إلى ترجمة مسرحية ( الجوع والكلمة ) للدكتور عماد الدين خليل إلى اللغة الكردية..
أما الجمهور الذي أخاطبه فهو جمهور متنوع فمثلا العمل الذي اكتبه باللغة الكردية أخاطب به طبعا الجمهور الكردي، أما العمل الذي أكتبه باللغة العربية فبالتأكيد أخاطب به الجمهور العربي، لكني أخاطبه لا كعربي أخاطبه ككردي، وأنا الآن أفضل أن استمر في كتابتي باللغة العربية لأن للأسف لم يسمع الجمهور العربي عن الكرد إلا من خلال من يكرهون الكرد، لذا فعلينا أن نبادر ولو كنا متأخرين للكتابة للعرب ليفهموا الكرد على حقيقتهم ويتفهموا المآسي التي عاشته الكرد عبر التاريخ، وكي لا يتصورون الأكراد كإسرائيل ثانية بل كفلسطين ثانية، أو على الأقل كردستان ككردستان لا إسرائيل ولا فلسطين ثانية!
الزاويتي كصحافي..
لافا خالد: وكيف بدأت مع الصحافة العربية والدولية؟
أحمد الزاويتي: أما قصتي مع الصحافة العربية الدولية فتبدأ من بداية دخول الانترنيت إلى كردستان العراق وبالتحديد عام 2001 حيث شاركت في كم من المنتديات الحوارية العربية وكانت لي مشاركات كثيرة وصلت إلى ما يقارب من 3000 مشاركة بين مواضيع سياسية وأدبية وتقارير صحفية إضافة إلى حوارات وتعقيبات على بعض المواضيع لكتاب آخرين، فيما يقارب من عشرين منتدى وموقع عربي، طبعا وبعدة أسماء مستعارة حيث طغت العادة المشاركة في هذه المنتديات بأسماء مستعارة..
هذا النشاط المكثف من 2001 إلى بداية 2003 ربطني بشبكة واسعة من العلاقات بين أدباء وصحفيين ومثقفين عرب وهذه العلاقات أوصلتني إلى شبكة إسلام أون لاين حيث عملت لها رسميا كمراسل في كردستان العراق من الشهر العاشر عام 2002 وحتى أواسط 2003 كتبت لها كم كبير من التقارير الصحفية وبعض البحوث وأدرت للشبكة مجموعة حوارات في الانترنيت حول الوضع السياسي في العراق، والعلاقات نفسها أوصلتني لإذاعة صوت ألمانيا باللغة العربية وعملت لها مراسلا أغطي الحرب الأمريكية على العراق واستمرت علاقتي معها حتى نهاية عام 2003 وتركتها واسلام أون لاين بعد ان عينت رسميا مراسلا للجزيرة..
واقع الصحافة الكردية
لافا خالد: شهدت أروقة التحرير الصحفي نقلة نوعية في الإعلام المرئي والمطبوع والإلكتروني بفضل التكنولوجيا المتطورة والانترنت الذي قدم فائض من المعلومات المتدفقة هل أثر ذلك على العمل الصحفي الكردي أو غير من آلية الخطاب الإعلامي والإخراج الصحفي بمختلف الوسائل الإعلامية الكردية ؟
أحمد الزاويتي: بالتأكيد أثر هذا في العمل الصحفي الكردي كما اثر في عموم العمل الصحفي العالمي، لكن تبقى المشكلة في أن الاستفادة من هذا التطور التقني والالكتروني من قبل الصحافة الكردية لم تكن في مستوى هذا التطور، أو لنقل ليس بنفس الاستفادة التي حصل عليها الآخرون غير الكرد كالعرب مثلا..
لا يزال الصحافة الكردية في طور التقليد لم يستطع كون أسلوب خاص به، في جميع مجالاته طبعا!! ولا يزال أمام الصحفي الكردي الشيء الكثير الذي يجب أن يقدمه حتى يمكن أن نتصور أن الصحافة الكردية سلكت مسلك التطور..
ممكن القول إن الاستفادة من هذا التطور ظل في إطار الشكل لا المضمون!
الخطاب الإعلامي لا يبدو عليه بوادر التطور، فلا يزال الخطاب الحزبي مثلا عندنا في كردستان العراق يطغي على الإعلام بمختلف مجالاته المرئية والمقروءة والمسموعة، هناك خطوات متواضعة للخروج من إطار الإعلام الحزبي، لكن الأحزاب تتسارع للاستحواذ على هذه المحاولات أيضا، وطالما لم يستطع الإعلام أن يكون مستقلا فهو لا يستطيع التطور ولا يستطيع حتى أن يكون أكاديميا على الأقل..
التجربة الإعلامية الكردية
لافا خالد: كيف تقييم تجربة كرد العراق على الصعيد الإعلامي ؟ ما هي حدود حرية الصحافة عندكم ؟ هل الإعلام الكردي يعيش أزمة وهل هي ذاتية أم أزمة موضوعية ؟
أحمد الزاويتي: يمكن وصف تجربة كرد العراق الإعلامية على أنها مرحلة الثورة الإعلامية الكردية بكل معنى الكلمة، فهناك العشرات من قنوات التلفزة المحلية وللأفكار والأحزاب المختلفة، ومثلها من محطات الإذاعة والمئات من الجرائد والمجلات والدوريات المختلفة، وكذلك هناك العديد من القنوات الفضائية، والحبل على الجرار، لكن الثورة تكون حالة إيجابية عندما تحقق أهدافها، فكما تعرفين فالكثير من الثورات لا تحقق أهدافها، أو تعيش حالة الثورة الدائمة وهذه الحالة غير إيجابية، لأن الثورة يجب أن تكون حالة مؤقتة ضرورية تؤدي بالتالي إلى أهداف معينة..
الصحافة عندنا في خط سيرها من حيث الكم في تزايد وكثر، أما من حيث النوع والمضمون والفكرة والرسالة فهي بطيئة في خط سيرها للأمام، وأنا بتصوري أن المهم الآن هو التفكير في النوع، أي لا داعي أن افتح محطة تلفزة أو إذاعة أو جريدة أو مجلة لتكون مجرد إضافة رقم ما لعدد المحطات أو الإذاعات، بل أفكر كيف أفتح مؤسسة إعلامية رائدة، إذن البحث عن الإبداع الآن هو يجب أن يلح على المهتمين في الحقل الإعلامي الكردي، لا مجرد البحث عن أن أكون موجودا فقط..
هناك طابعين سلبيين يسيطران على الصحافة الكردية في كردستان العراق حاليا وهو طابع الخطاب الحزبي، والطابع الآخر هو الطابع الكلاسيكي، لا تزال الصحافة عندنا تعيش حالة التقليد، سواء التقليد لبعضها البعض أو التقليد للصحافة التي تصلنا من الآخر وخاصة الصحافة العربية..
أما موضوع حرية الصحافة فالمشكلة التي يتم التحدث عنها خارج كردستان العراق من كتم للحريات ومنع للأقلام أو اعتقالها وسجنها من قبل السلطات، فلا وجود لمثل هذه المشكلة في كردستان العراق، بل العكس القانون يحمي الصحافي من مثل هذه التدخلات، لكن يمكن القول بان الصحافيين والكتاب لم يتمكنوا حتى الآن من الاستفادة المرجوة والمطلوبة من مثل هذه القوانين، بل السلطات والأحزاب استفادت أكثر من ذلك..
هناك رقابات غير معتادة موجودة عند الصحافي الكردي ممكن اسميها الرقابة الذاتية للصحفي نفسه، فهو لا يقدم على شيء غير معهود كي لا يثير ضده الآخرين سواء من أشخاص أو أحزاب أو سلطة، يعني أن القانون لم يمنعه من التطرق لغير المعهود، ولكون الحالة الحزبية مسيطرة على غالبية الصحافة الكردية فان الصحفي العامل في صحافة حزب ما يشعر داخليا برقابة الحزب عليه أو يتحرك وفق سياسة الحزب لا سياسته المستقلة كصحفي، ربما لأنه يشعر بأنه إذا خرج من هذه السياسة ربما سيخرج من الصحيفة نفسها..!
هناك خطوات متواضعة لبعض الصحفيين الجريئين للخروج من هذا الواقع المضر بالصحافة، ويحاولون إيجاد صحافة مستقلة وبعيدة عن سلطة الأحزاب، والتطرق لبعض القضايا الحساسة جدا ونجحوا إلى حد ما في ذلك، لكن الأحزاب تخطط بشكل ما للاستحواذ على هذه الصحافة أيضا!! وهناك بعض الصحافة المسماة بالمستقلة وهي في الأصل حزبية وجدت لاستخدامها من قبل حزب ما تحت اسم المستقلة ضد طرف أو حزب آخر، لكن الشيء الجيد والذي يريح المتابع أن القارئ الكردي أصبح يستطيع الفرز والبحث عما يريد وعما يراه مفيدا…
أنا لا أريد وصف حالة الصحافة الكردية بالأزمة!! لأنها لم تعش بعد الفترة الزمنية المطلوبة حتى يمكن تشخيص المرض بالأزمة، إضافة إلى أنها لم تحصل بعد على الدعم الذي يجعل من الصحافة صحافة مبدعة، والشعور بحساسية التجربة السياسية في المنطقة لا يزال يسبب عدم الاستقرار الإعلامي الذي يجب أن يكون حتى يمكن تقييم صحافة ما، لكنني أقول الأرضية مؤهلة والكوادر متوفرة والإرادة الصحافية موجودة لصنع مرحلة صحفية كردية جديدة يكون فيها البدا بمرحلة الإبداع الصحافي..
الزاويتي يشكر..
لافا خالد: كلمتك الأخيرة..؟
أحمد الزاويتي: كلمتي الأخيرة هو أود أم لا أنسى في خضم هذا الحديث الطويل أن اشكر القيادة السياسية الكردية بمؤسستيها رئاسة إقليم كردستان العراق ورئاسة الوزراء وخاصة شخص السيد نيجيرفان البارزاني الذي يعتبر نفسه صديقا للمثقفين كأدباء وكتاب وصحافيين، ويشجعهم، وأنا واحد من هؤلاء، أشكرهم جميعا لسماحهم للجزيرة بالعمل في كردستان العراق، واشكر كل من شجعني بكلمة نقد قبل اشادة في سبيل أن أطور في عملي سواء كصحافي أو كاتب..
ثم أعتذر من هذه الغطالة في الأجوبة حيث رايتها مناسبة لتوضيح بعض الأمور التي طالما كانت غامضة..
وشكرا لك (لافا) باعتبارك الصحفية الأولى التي تعمل معي حوارا من هذا النوع، وتفتح أبوابا من النقاش معي لم تكن قد فتحت من قبل..