عمركوجري
لا أقصد من العنوان دولة قطر – الجزيرة – التي يحيط بها الماء من جميع الجهات.
بل أقصد قناة الجزيرة الفضائية التي أصبحت الآن دولة ضمن دولة ،بل وأشهر بكثير من الدولة نفسها إلى درجة أن الأمير “حمد” الذي أقصى أباه ذات يوم ،ويستعد حالياً لاستقبال وزيرة الخارجية الإسرائيلية قريباً في الدوحة، صار يغار من الجزيرة التي اختطفت الأضواء والشهرة منه، ولمع نجمها أكثر من لمعان نجم الأمير المعروف ” بتواسطاته” الفاشلة بين الفرقاء المتخاصمين من إخوته العرب .
وفي عودة إلى العنوان فقد كان انطلاق قناة الجزيرة الفضائية قبل ستة أعوام بمثابة الحدث الكبير على مستوى الإعلام العربي المرئي .
فقد أحدثت خلخلة واضحة في جملة مفاهيم الإعلام العربي الرسمي الحكومي في أكثريته الساحقة، والذي كُرِّس ويُكرَّس لتمجيد الحاكم العربي والتهليل له والتصفيق لقدومه ورواحه واستقبالاته وأسفاره وطهور أولاده ،ووداعه للضيوف .
لقد استطاع هذا الإعلام الموبوء المدجَّن أن يحول الحاكم العربي إلى إله يسير على الأرض ، وتشرق الشمس، وتتلألأ النجوم كرمى لعيونه ، وتجري الرياح بمشيئته .
وكأنه جاء بتفويض من الله ليضع أمة العرب في سفر التاريخ ،يصنع لها الأمجاد الخلبية والعز “العظيم”
فقد نجح الإعلام العربي الرسمي في الكذب على العرب من الماء إلى الماء ، ونجح في تحويل كل الهزائم التي لحقت بالعرب “وما أكثرها ” إلى انتصارات باهرة وماحقة ، وقادسية صدام مع إيران “المجوس ” وأم ا لمهازل في حرب تحرير الكويت ، وتصريحات وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف قبيل سقوط بغداد بأيام ، وانتصاراته وحصاده ” على الورق ” لروْوس قوات التحالف ، دليل ناصع.
لأول مرة- بفضل الجزيرة- سمعت الأذن العربية صوتاً آ خر مغايراً للنمطية التى تربَّىعليها المشاهد العربي ، وتأ سست أفكاره ورؤاه وفقها وعلى أساسها ، فقبلا كان الرأي الأخر والبرنامج السياسية والحوارات الحارة والإشكالية والتي خلفت زوابع كبيرة إلى حد سحب السفير الليبي من الدوحة والتهديد الدائم من قبل مجلس التعاون الخليجي والشكوى من تجاوز الجزيرة للخطوط الحمراء .
قبلاً كانت هذه الأمور غائبة تماماً.
وبالفعل استطاعت الجزيرة أن تخطف قلوب ملايين المشاهدين العرب وغير العرب , وعاد الناس يتسمرون أمام التلفاز مستمتعين ببرنامج الجزيرة وحانقين على ظلم ظلامهم وحكامهم , وأدركوا مدى الأذى الذي لحق بهم جراء برامج تلفازات حكوماتهم التى حولتهم إلى قطيع ودجنتهم , وحولتهم إلى أشباح لا روح في جسدها ,وكل ما يملكون هو الهتاف بحياة السلطان المعظم , والتكبير باسمه العالي وإنجازاته الخارقة.من هذه الزاوية شعرت الحكومات العربية بمدى خطورة الجزيرة ودورها في تفعيل الأحداث لغير صالحها فجيرت أبواقها المرئية والمسموعة والمكتوبة لفضح هذه القناة , وحاولوا كتمها وإغلاقها واستجواب بعض مراسليها , وحتى مؤتمرات وزراء خارجية دول الخليج لم تسلم من التذمر من هذه القناة .
بل أن وزارة الدفاع الأمريكية اشتكت مراراً من سلاطة لسان الجزيرة.
وأبسط اتهام وجه إليها تبعيتها لإسرائيل, وذهب بعضهم إلى أنها ممولة بالكامل من شخصيات يهودية وشركات إسرائيلية , وكانت الحملة تشتد عندما تستضيف مسؤولين إسرائيليين , أو تظهر على الشاشة اسم إسرائيل بدلاً من فلسطين على الخارطة .
على الصعيد الشخصي كنت شديد الإعجاب بهذه القناة لأنها كسرت جدار الخوف الذي صنعته بيدي واستعدتُ ثقتي ببعض الإعلام العربي عبر الجزيرة ، لكن كم كان الوهم كبيراً !!
فعندما هاجمت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة فلول النظام الصدامي البائد في 20- 3- 2003 كان الكثير من المشاهدين يأخذون الأخبار الطازجة من الجزيرة أولاً بأول .
وبعد سقوط بغداد الدرامي في التاسع من نيسان من العام نفسه تبدى الوجه المضمر للقناة ، وجه معاداة الشعب العراقي ومناصرة صدام حسين الذي لم يترك بيتاً في العراق إلا وفجعه وثكله في حروبه المدمرة والعبثية مع الجيران والإخوة ، ومع الشعب العراقي بكل أطيافه .
وبإمكاني الجزم على أن الجزيرة ساهمت في ضعف عقد التحالف الدولي عندما ضخمت من وضع إحدى الرهائن الفلبينيين مما حدا برحيل القوة الفلبينية ، واختلال توازن هذا التحالف بهذه الطريقة أو تلك .
وهذا ما شجع القوى الإرهابية والظلامية أن تمارس كيدها ضد العراق ووجدتها فرصة لتدمير العراق عبر خلخلة الأمن فيها .
حيث لا يهمها أبداً مستقبل العراق ، وتقوم بتفخيخ السيارات التي يقودها انتحاريون يتوضؤون بدماء العراقيين البريئة ، راغبين بتلك الأعمال الوحشية أن يتناولوا عداءهم في الجنة مع النبي محمد ، هؤلاء القتلة لا يفرقون بين صغير وكبير أو مدرسة أو سوق تجاري ،وتقتل يوميا ً الكثير من العراقيين على الهوية .
فـ : أن تقبض على سائق سيارة قادته ظروفه وفقره إلى المغامرة، وتقطع رأسه هذا ليس من أخلاقيات الدين والدنيا في شيء ، ومعلوم أن صدام ترك هدياه قبل أن يتوارى عن الأنظار ويقبض عليه في جحر ضيق ، هذه الهدايا كانت تبييض السجون العراقيين من مئات الآلاف من القتلة والمجرمين الذين يرتكبون الفظائع من أجل المال ، إضافة إلى بقايا البعثيين من رموز النظام السابق الذين تضررت مصالحهم برحيل النظام ، وكذلك الإرهابيين من جماعة الزرقاوي المقتول المرتبطين بتنظيم القاعدة الذين جاؤوا ليصفوا حساباتهم مع أمريكا على حساب دماء الشعب العراقي المغلوب على أمره ، وكان للتساهل وعدم ضبط الحدود من قبل بعض الدول دور في زيادة معاناة الشعب العراقي ، وقد أخذ الشعب الكردي نصيبه من هذه الجرائم البشعة ” وهل ينسى الشعب الكردي الجريمة النكراء التي نفذها هؤلاء القتلة بحق كوكبة من كوادر الكرد المتقدمة في الواحد من شباط عام 2004 هذه الجريمة التي استغلت مناسبة عيد الأضحى المبارك ولم تراع حرمة العيد ،وحولت أفراح الكرد بالمناسبة في كل مكان إلى مأتم وحزن كبير .
لقناة الجزيرة – إذن – فضل كبير في إطلاق هذه الوحوش الكاسرة ، وذلك ببث بياناتهم وتصوير ضحاياهم التي تستجدي المجرمين ، وتطلب من حكوماتهم الرحيل من العراق قبل أن تجز أعناقها حتى تفتح الساحة كلياً للانقضاض على الحلم العراقي بالعيش بعيداً عن إهراق الدماء منذ القائد الدموي “الحجاج بن يوسف الثقفي “إلى القائد الأكثر دموية “صدام بن إبراهيم الحسن”
وتتكفل الجزيرة ببث خطابات الإرهابي ابن لادن والظواهري إلى حد نعتت الجزيرة بوزارة إعلام للإرهابيين المتاجرين باسم الإسلام .
ولا يغيب عن البال العلاقات المشبوهة بين إدارة الجزيرة والنظام العراقي ، فقد نشرت قناة “الحرة ” الفضائية فيما سبق حواراً دار بين مدير القناة سابقاً وعدي صدام حسين، حيث يثني الأخير على هذه القناة ويقول بالحرف ” هاضا الوليد المنصور خوش زلمة ” ويقصد المذيع ” أحمد منصور”
ولا ينسى المدير أن يضع الجزيرة تحت تصرف “عدي” وبإمرته ،كما رأينا حواراً ودياً دافئاً بين أحد كبار قادة الا ستخبارات في النظام العراقي المقبور والمذيع الفطحل “فيصل قاسم”
إلى هذه اللحظة ما تزال الجزيرة تقدم خدماتها المجانية لبقايا النظام البائد وشراذم تنظيم القاعدة وتختار برامجها بعناية .
وهي موجهة بالمحصلة بالضد من مصلحة الشعب العراقي .
ورغم أنني مع حق الإعلام – كوني أشتغل في هذا الحقل – في قول كلمته من دون خوف أو وجل ، ولكن أن تتحول قناة بمستوى وشهرة قناة الجزيرة إلى بوق رخيص للقتلة ، يبثون فيها رسائلهم المسمومة ، ويحرضون على قتل وإزهاق أرواح الأبرياء، والدعاية لذلك المنطق الأعوج فهذا ما يستدعي ومساعدة للأجواء الأمنية غير المستقرة أصلاً إلى استمرار الحظر الحكومي للقناة والحد من نشاطاتها المشبوهة فيما يخص الموضوع العراقي تحديداً ،وإغلاق مكتبها والتضييق عليها في العراق، وضمن الظروف الصعبة التي يمر بها ليس تراجعاً عن الديمقراطية.
ومن هذا المنطلق أرى أنه كان مناسباً إغلاق هذه القناة ، أو أن تغير من سلوكها ،وتتفاعل مع الحدث العراقي بحيث لا يحس المراقب أنها تميل إلى هذا الجانب أو ذاك ، بل تنحاز إلى الحقيقة والرسالة الإعلامية فقط دون غيرها حتى تستعيد مصداقيتها في الشارع العراقي .