في الوقت الذي تواصل فيه حركة حماس الفلسطينية تخبطها وغرقها في وحول أزماتها الوجودية
ومستنقعات مشكلاتها البنيوية فانها تأبى الا أن تغرق معها الشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه معرضة حاضر ومستقبل وحتى ماضي وتاريخ هذا الشعب الى خطر الاضمحلال والاندثار عبر تسطيح القضية الوطنية العادلة للشعب الفلسطيني وتحجيمها الى قضية منازعات وصراعات فئوية ( حماس – فتح ) وجهوية ( الضفة – غزة ) ضيقة لا تليق بقضية كبرى في حجم القضية الفلسطينية ووزنها، وفي الوقت الذي تتلطخ فيه يدا حماس بدماء الفلسطينين الأبرياء من خلال قمعها للمظاهرات والاحتجاجات الشعبية على الحال المعاشية المزرية ومجمل المآسي التي جرتها حماس لا سيما منذ توليها السلطة على فلسطين والفلسطينين فضلا عن الصدامات المسلحة المتكررة والمتزايدة بين حماس وفتح بما قد يؤدي الى نشوب حرب أهلية فلسطينية هي بلا شك آخر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة العصيبة والمعقدة في تاريخ القضية الفلسطينية وعليه وجريا على عادة كل سلطة توتاليتارية مأزومة لجأ رئيس وزراء سلطة حماس السيد اسماعيل هنية الى القفز الى الخارج في محاولة للتهرب من استحقاقات الداخل وراح يضرب خبط عشواء كانعكاس لحال التخبط والهذيان الانفصامي الذي تعيشه حركته جراء عجزها الفاضح عن الاضطلاع بأعباء الحكم وتسييرأمور السلطة وتدبير شؤون المجتمع وتأمين حياة الناس ومتطلباتهم أقله المعاشية منها ففي خطاب للسيد هنية أمام حشد من مناصري حركته
الحماسية بادر الى التهجم على الشعب الكردي واصفا البيشمركة بالعصابات وقطاع الطرق ونحن هنا لسنا في صدد النزول الى الحضيض الحماسي الذي يخطب من على منبره السيد هنية الا أننا لا نرى أي غرابة أو مفاجأة في تهجم هنية على الأكراد عبر شتم البيشمركة أحد أقدس رموز ومقومات القضية الكردية فالبيشمركة كرمز لحركة التحرر الوطنية الكردية والتي تميزت بسجلها الناصع المشرف والخالي على مدى عقود من الكفاح المسلح ضد الدولة العراقية من أي لوثة أو لطخة أو حتى شبهة ارهابية من قبيل خطف الرهائن والطائرات أو استهداف المدنيين العرب وقتلهم عبر تفجير السيارات المفخخة أو ارسال الانتحاريين لتفجير أنفسهم وسط جموع الناس في المدن العربية العراقية كما هو ديدن حركة حماس التي اشتهرت أكثر ما اشتهرت بممارسة وتنفيذ العمليات الانتحارية الارهابية التي تستهدف المدنيين بمن فيهم عرب اسرائيل والتي يحلو للجوقة الهجينة العروبية – الاسلاموية نعتها بالعمليات الاستشهادية والبطولية والتي لم تقتصر على اسرائيل – فلسطين بل أخذت شرور هذه العمليات الارهابية الانتحارية تطال مختلف العواصم العربية والاسلامية من الدار البيضاء الى القاهرة والرياض وعمان وصولا الى بغداد ويكفي الأكراد وبيشمركتهم فخرا أنهم لم يستهدفوا مدنيا عربيا واحدا طيلة حقب الصراع المسلح المديدة مع بغداد والفضل في بلورة هذا التقليد الأخلاقي الكردي
الرفيع والراقي وتكريسه كمقوم أساسي من مقومات الثقافة النضالية للشعب الكردي وكركن مركزي من أركان العقيدة العسكرية القتالية للبيشمركة الأكراد يعود الى قائد حركة التحرر الكردستانية
المعاصرة الزعيم الأسطورة مصطفى البارزاني .
والحال أن حماس باعتمادها نهج العمليات الانتحارية وبمجمل سياساتها ومواقفها العدمية الطائشة شكلت وتشكل الحليف الموضوعي الأول لليمين الاسرائيلي المتطرف وحسبنا هنا أن نتذكركيف أن حماس أسهمت عبرتنفيذ سلسلة منسقة من العمليات الانتحارية قبيل انتخابات 1996 في وصول اليمين الاسرائيلي ممثلا في حزب الليكود الى السلطة في اسرائيل بدلا من حزب العمل ومذاك دخلت العملية السلمية كما هو معلوم في حال من الركود والجمود التامين بفضل التعاون اللامباشر وربما المباشر بين حماس واليمين الاسرائيلي المتطرف .
واللافت مؤخرا هو تكالب عناصر قيادية بارزة في التوليفة المصطنعة العروبية – الاسلاموية على التهجم على الشعب الكردي فقبل السيد هنية ببضعة أشهر أطل علينا سيد المقاومة الخمينية ( أو الممانعة بحسب الرطانة الثورية الدارجة هذه الأيام ) في لبنان حسن نصرالله لينعت الأكراد بالصهاينة في شمال العراق وتاليا خرج علينا صالح المطلق رئيس ما تسمى بالجبهة العراقية للحوار الوطني ( والتي يعتبرها الكثير عن حق ربما بمثابة الجناح السياسي لجماعات العنف والارهاب البعثية والأصولية في العراق ) متحسرا بلغة سوقية بدائية على أياديهم المكسورة ما يعيق جبهته وحلفائها عن البطش بالأكراد والاجهاز على مكتسباتهم وانجازاتهم في كردستان الجنوبية ( كردستان العراق ) فالحال أن شر البلية ما يضحك .
انه باختصار تحالف المأزومين والمحتضرين من باعة وتجار المشروعات والأوهام القومجية العروبية والأصولية الاسلاموية وهو تحالف هش تعريفا يعريهم أكثر ويزيدهم بؤسا وخواء وفقدانا لأي معنى أو مسوغ .
وواقع الحال أننا لم نفاجأ كي لا نقول كنا نتوقع هذا الموقف العدائي من السيد هنية تجاه الشعب الكردي فالبيشمركة والحركة التحررية الكردية يصورة عامة هي بكل تأكيد على طرف نقيض وبالمطلق مع حماس وأشباهها فكرا ونهجا وممارسة فحماس وأخواتها من الحركات العنفية الارهابية كالقاعدة وحزب الله هي كلها تقف بطبيعة الحال بالضد من مشروع التحول الديموقراطي في العراق الجديد وفي مجمل المنطقة لا بل أن هذه الحركات الجنائزية ان جاز التعبيروالتي لا تنمو ولا تزدهر الا في أجواء الموت والقتل والدم هي معادية بالمطلق للانسان الفرد وللحياة البشرية فهي حركات مهجوسة بتمجيد الموت وتقديسه والاحتفاء به والحض عليه وبالتالي فهي مسكونة بنبذ الحياة وكرهها وترذيلها وتشويه وتقبيح كل ما هو مبهج وجميل في هذه الحياة حتى أن هذه الحركات السقيمة والكئيبة تعتبر حب الحياة والتمسك بها والعمل على تطوير وتحسين شروطها بغية الاستمتاع بها والاستفادة منها أكثر وبما يؤمن حيوات واعدة ومزدهرة للأجيال القادمة تعتبر ذلك خطيئة وضربا من المعصية والرذيلة .
وعليه فهذه الحركات معادية بالضرورة للشعب الكردي الذي يسهم من خلال تجربته الديموقراطية في كردستان العراق حيث الحرية والأمن والاستقراروالازدهار في تقديم صورة مشرقة للعراق ككل بما يمنح فسحة من الأمل ولو ضئيلة بان يعمم هذا النموذج الكردي الواعد في عموم العراق ( الذي يتخبط في شطره العربي في دوامات العنف والارهاب والحرب الطائفية ) الأمر الذي يوجه ضربة قاصمة للمشروع الأضولي الماضوي الكهنوتي المتحالف مع ما تبقى من أطلال خربة للمشروع القومجي
العروبي المنقرض ومن هنا يمكن تفهم أو بالأحرى تعقل خلفيات ودوافع هنية في التهجم بهذه الطريقة الهستيرية المتشنجة التي لا تليق بموظف من الدرجة العاشرة ناهيك عن رئيس وزراء على الأكراد وبيشمركتهم الأحرار نظرا لما يحمله البيشمركة من ماض مشرف وما يؤمنون من حاضر مستقرآمن وميشر يؤسس لمستقبل واعد ومزدهر في كردستان العراق وتاليا في الأجزاء الأخرى من كردستان .
ولعل أكثر ما يدفع السيد هنية ومن لف لفه الى شتم البيشمركة والتهجم عليهم هو وقوف قوات البيشمركة بدعم واحتضان شعبها الكردي لها طودا شامخا وسدا منيعا ضد كل المحاولات الحثيثة والخبيثة الرامية الى اختراق حال الأمن والأمان السائدة في كردستان العراق والساعية الى تقويض تجربتها الديموقراطية التي تزداد رسوحا وثباتا يوما بعد يوم .
وختاما فالأجدى بالسيد اسماعيل هنية الالتفات ولو قليلا الى معاناة الفلسطينين القاسية والمبادرة الى اطعام شعبه الجائع والمغلوب على أمره عبر البحث مثلا عن حل لمشكلة عدم صرف رواتب الموظفين الفلسطينين المتراكمة منذ أشهر وأشهر بفعل ممارسات حماس اللامسؤولة وسياساتها الكارثية المعنية فقط بخدمة الأجندة الايرانية – السورية وتحقيقها على حساب فلسطين والقضية الفلسطينية اذ لا شك اطلاقا في أن ذلك أجدى وأنفع للسيد هنية ولشعبه من استعداء الشعب الكردي عبر شتم البيشمركة الأكراد وخوض معارك دون كيشوتية ضدهم .