جهاد صالح
في زمن التغيير والحريات … زمن الحقيقة والكلمة التي تبدد الظلمات , والدروب..
دروب الشجاعة التي تنتهي إما إلى السجون , أو الموت البطيء وسياسة التفقير والتهجير , تأتي الكتابة كضوء فجر ينساب إلى أعماقنا المتعطشة للحرية والعدالة والإنسانية , فتبدد نور أفكارنا كل انكسارات الخوف وآلام الذل ونسطر أوراقنا البيضاء أملا , لنرتقي في كل نهاية إلى فضاءات الحرية والتعبير عن الذات ….
حينها نكون قد مارسنا إنسانيتنا المغتصبة والمفقودة في عالم مصبوغ بالدجل والكذب …..
عالم تباع فيه الأوطان بدولار وتعلق شعارات ملونة تحكي للشعب الحي الميت مقاومة وصمود ضد الطغيان, في حين أن الأرصفة والطرقات في لبنان والعراق تحتضن جثث وأشلاء لأناس كانوا بشرا يبحثن عن الديمقراطية والحرية و إنسانية سمحة.
في حين أن كرامة الإنسان تمزق تحت أحذية العسكريين وحقوقه تقطع بأسنان رجالات السياسة صناع الظلم ومافيات الشعوب والهدف هو البقاء والحفاظ على السلطة بدون ضمير أو رادع أخلاقي ؟؟؟؟
في زمن الالتباس الذي يخيم على كثير من الأمور, يأتي المثقف والكتاب الشرفاء الذين لا يخنعون أمام كوبونات النفط ولا لصرخات الإرهاب الفكري وسطوة الجلادين ….
يحملون الكتابة سلاحا ونورا لابد منه للكشف عن جراحهم وجراح وطن يلهث من الألم ….
لا يجب التستر عليها تحت أية ذريعة , دون خوف لان الخوف لايولد سوى الخوف ولا ينقذ الوطن سوى شجاعة في الكتابة وقناعة حرة بان الشمس تشرق كل يوم بأقلامنا النظيفة .
إن النظر بشفافية للمجتمع الذي نعيشه في كل يوم , يوضح لنا أن النظام يستمر في نهجه العنفي … النرجسي , غير مكترث بأي احد رغم انه وبكل آلته الأمنية الاستبدادية يقف على كثبان رملية, والانكى من ذلك أن النظام قد سخر لنفسه آلة جديدة وهي آلة الأدب والكتابة في مواجهة ثقافة الحرية والديمقراطية والتغيير ..
فنجد مئات الكتاب وأشباه المثقفين يركعون على سجاجيد السلطة في فروض عمياء… كاذبة في حب الوطن والوطنية , في سبيل الحصول على المال والشهرة ويعلنون الحرب على دعاة الديمقراطية والتغيير , والساحة الثقافية السورية مليئة بهؤلاء منهم ( تركي الربيعو , علي عقلة عرسان , منذر موصلي الخ ..)
إنهم أيتام البعث كما كانوا في العراق زمن الطاغية … فالأنظمة الديكتاتورية تستعين بهؤلاء كأبواق إعلامية … الكاتب الألباني ” إسماعيل كادري ”
له تجربة في ذلك حيث يرى بان ( الطاغية يصنع شعبه على شاكلته ) , هذا الكاتب الذي تمعن ودرس في أساليب وطرق النظم الديكتاتورية التوتاليتارية وعواقبها الوخيمة ..
إلا أن هؤلاء الدجالون من المثقفين والكتاب هم قلة في مواجهة قوة الشعب الذي قد يلوذ بالصمت حينا , لكنه قد يتحول لبركان في أية لحظة .
في سوريا نجد ثقافة الصمت هي السائدة في أوساط الشعب السوري الذي يدفن آلامه وأحزانه داخل المساجد أملا في أن الله هو المنقذ الوحيد .
لكن النخبة ممن يلجئون للكلام وهؤلاء هم دعاة الديمقراطية والتغيير الذين ما زالوا يناضلون في سبيل تأسيس دولة الحرية والقانون والعدالة, لكن السجون تكون دوما في انتظارهم في ظل هيمنة الحزب الواحد على الحياة العامة .
إن من ابرز قطاعات الشعوب التي تظهر مقاومة للاستبداد والظلم هم الأدباء والمفكرون الذين لهم أثارا واضحة من خلال كتاباتهم وإبداعاتهم في مواجهة الطغيان .
إن النزوع نحو حياة جديدة وحرية بيضاء كتجربة إنسانية عميقة وآمل بشري , أوجدت داخل المجتمع السوري نخبة من المثقفين والكتاب السوريين بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية , فنجد كتاب يواجهون آلة القمع والعنف بشجاعة ورجولة أمثال ( علي العبد الله , ميشيل كيلو , أنور البني , إبراهيم اليوسف , خالد محمد , خليل حسين , فايز سارة , رياض درار , محمد الغانم , ياسين الحاج صالح , إبراهيم محمود , رزان زيتونة وغيرهم) هؤلاء فرسان الحق والكتابة وقول الحقيقة , يعيشون في واقع يختلط فيه الموت بالحياة , فيحاربون ليس من قبل السلطة فحسب بل يتعرضن للنقد والتشويه من قبل أزلام النظام ومرتزقة الكتابة , فيجعلون منهم متآمرين ولا وطنيين , في حين نجدهم أي المرتزقة في الصفوف الخلفية في أية مصيبة أو حرب ما قد يتعرض له الوطن , إن هؤلاء المرتزقة هم نتيجة لتجربة ومرة ومخاض لسطوة الاستبداد … أدباء وشعراء مطلوب منهم تمجيد مغامرة الشمولية والحزب الواحد الذي يمد النظام بمقومات وجوده واستمرار يته.
الكاتب العراقي ( سلام عبود ) يقول ” كيف يعبر عن نفسه أديب وجد أن الحرب خراب بشع لايمكن تأييده , ولا قبوله إلا على انه فعل جنوني مدمر ولا إنساني ؟ مثل هذا الأديب لا يمكن بأي حال أن يقول كلمته في وطن يحكمه صدام أو هتلر , إلا بطريقتين : أولا أن يتحامق ويكتب علنا , فيكتب في الوقت ذاته وصية موته أو أن يصمت ” ..لكن في واقعنا السوري نجد أن اغلب الكتاب عشاق الحرية والتغيير رفضوا الصمت وأعلنوا الكلام بشجاعة , فكان لهم السجن والغير منهم تمت معاقبته في الوظيفة وحرمانه من لقمة العيش وذلك لإعادتهم إلى سجون الصمت وآخرهم كان الكاتب والشاعر الكردي إبراهيم اليوسف وصديقه الكاتب خالد محمد الذين تعرضا لإرهاب امني وضغط وظيفي ونقل لهما من السلك التربوي , لكنهما ظلا صامدين , لان الكتابة لهما هي الحياة والموت والولادة وخبز لأقلامهما وفي النهاية دعتهم السلطة مع بعض المثقفين الكرد في حوار لأجل الحقوق الثقافية للشعب الكردي في سوريا فأي تناقض هذا لدى السلطة إرهاب فحوار .
أنه الغموض بعينه .
أن الكتابة سلاح قوي ومدمر للظلم في ظل ثقافة قائمة على تدمير الضمير ويأتي التعبير الشفاف مساحة للصدق عما يجري , أن الأدباء والكتاب الذين يخضعون لثقافة العنف والصمت هم شركاء أصليين مع سياسة إلغاء الآخر وكتم الحريات وسلب السلطة .
هؤلاء الذين يلعبون بالنار ويتقمصون دور الغوغاء هم بالمحصلة جزء من آلة الإرهاب والاستبداد ويدفعون بالسلطة نحو الهاوية وبالوطن نحو الخراب , لان أقلامهم وكتاباتهم دجل وكذب في سبيل الحصول على المال والشهرة والدليل هم تلك النخبة الذين تباكوا على سقوط صدام حيث زمروا وطبلوا كثيرا للطاغية وفي النهاية زمن السقوط وتداعي الديكتاتورية لاذوا بالفرار إلى عواصم العالم ولينتهي العراق في مصائب جمة ومسرحية الموت لاتنتهي رغم إن الشعب العراقي انتصر في معركة الحرية وصنع ديمقراطيته ووطنه بدمه وتضحياته الشجاعة .
إن لغة العنف والصمت والاستبداد بدأت تأكل نفسها لان العالم والقدر والزمن كله بات يمشي مع رياح الحرية والتغيير وبالكلمة الصادقة والقلم الحر الشفاف نستطيع أن نبدد كل ظلام الأرض وكل ذلك لأجل أن نضع وطننا على طريق الديمقراطية والحوار السلمي القادم بلا ريب.
14 أغسطس 2006