صلاح بدرالدين
مازال الوسط السياسي الكردي وعلى منوال الاطار الوطني السوري العام وبنفس السياق ومنذ اندلاع الحرب اللبنانية يتابع الأحداث بترقب وبانتظار ما تؤول اليه النتائج في الساحة السورية بسبب الارتباط الوثيق بين المشهدين اللبناني والسوري ان كان من جهة موقع نظام بلادنا في التحالف القائم : ايران – حزب الله أو بتداخل وقائع جريمة اغتيال الرئيس الحريري وسير تحقيق اللجنة الدولية باتجاه اتهام رؤوس النظام ومسألة الارض السورية المحتلة في الجولان ومستقبل الصراع مع اسرائيل
وأخيرا وليس آخرا وعلى ضوء كل ذلك مصير النظام الدكتاتوري وقضايا التغيير الديموقراطي وحقوق الكرد المشروعة مع هموم الخصوصية الكردية المتعلقة بالحرص الشديد على سلامة ونجاح التجربة الفدرالية الديموقراطية في كردستان العراق وصمودها أمام مخاطر وتحديات المحور السوري – الايراني وارهاب الاصوليات الدينية والعلمانية وعدوانية الطغمة التركية الحاكمة .
الكل في الحركة القومية الكردية من منظمات ومجموعات وافراد على دراية كاملة بشروط ومهام نيل الاستحقاقات بغض النظر عن مدى وامكانية استعدادها لانجازها في وقتها المناسب وكما هو معلوم تأتي في مقدمة تلك المهام التوصل الى برنامج كردي حول الشأن الوطني والسبيل الى ذلك هو خوض غمار حوار قومي شامل على قاعدة الاعتراف بالتعددية الفكرية والسياسية والتنظيمية ورؤية المقابل بنظرة وروحية المصالحة والتسامح وقبول مبدأ التوافقية حول قضايا النقاش المتعلقة ببنود ومبادىء البرنامج المنشود التي تتطلب تنازلات متبادلة من دون المساس بالثوابت الأساسية التي يقوم عليها تاريخنا وكفاحنا وتنبثق عنها أهدافنا القومية والوطنية .
هذا الحوار الكردي – الكردي الذي ننشده ونعتبره – الممر الاجباري – لتحقيق هدفنا المشروع سيشمل اذا أريد له النجاح كل الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي بما فيه تعبيرات الحركتين الحديثتين الناشطتين في قطاعي الشباب والمرأة هو جزء مكمل وحيوي من شبكة الحوار الوطني العام في البلاد الذي لايمكن المساهمة الكردية الايجابية فيه الا بانجاز الخطوة الأولى وفي هذا المجال فان القوى والطاقات السياسية الكردية اضافة الى تشرذمها الحزبي اللامعقول فانها موزعة على صعيد المعارضة الوطنية بين منعزل وسلبي وبين منخرط في – اعلان دمشق – المعروف بمهادنة النظام من جهة والمآخذ الكثيرة على سياسته الكردية أو في – جبهة الخلاص الوطني – المعروفة بحسم مواقفها تجاه التغيير والبديل الديموقراطي والقضية الكردية والتي لم تكمل عامها الأول ولابد هنا وانصافا للحقيقة القول والتأكيد على عدم مسؤولية الجانب الكردي في كلتا الحالتين – الاعلان والجبهة – في المواقف والسياسات المرسومة فقط باستطاعتنا القول أن الجانب الكردي دعي وساهم وقد وافق أو رضي على مضض أو أعلن عن التحفظ في بعض الحالات ولكنه لم يستطيع رسم واقرار ما يريد لأنه لا يمثل الأغلبية أولا وبالكاد تم الاعتراف به رسميا كشريك في حالة – الجبهة – فقط ولم يدرج قضيته بشكل تام بعد في الخطاب العربي السوري المعارض عندما يتناول المسألة الوطنية السورية , أؤكد على ذلك من أجل أن لانعتبر التمايزات في برنامج – الاعلان – و – الجبهة – في مصاف الخلافات الكردية – الكردية خلال عملية الحوار وفي الوقت ذاته فان ذلك لاينفي البتة حقيقة وجود اختلاف الرؤا حول الحاضر والمستقبل والشأنين القومي والوطني قبل ظهور المؤسستين بل مع انبثاق الحركة السياسية الكردية منذ حوالي القرن وحتى الآن وخاصة في مجال قراءة مسألة تغيير النظام أو اصلاحه وهي قابلة للنقاش والتداول والتوافق على أي حال .
رغم التمايزات الجوهرية بين برنامجي – الاعلان – والجبهة – كما ذكرنا فلاشك ان الطرفين يشكلان المكونين المعارضين الأساسيين الوحيدين على الصعيد الوطني ويشتركان في مبادىء وأهداف وبالتالي يقيمان في خندق واحد أمام الاستبداد وهناك المشترك الكثير للتعاون والتنسيق ولا أخفي أن الأمانة العامة لجبهة الخلاص الوطني بصدد طرح مبادرة عملية للتنسيق والتعاون مع اعلان دمشق قريبا والذي كما أعتقد لن يرفضها خاصة وأن ممثلي الطرفين صرحوا مرارا باتجاه التقارب وليس التباعد وأن اختلاق الصراعات بين الجانبين لايخدم سوى نظام الاستبداد ومن هنا أدعو بعض المسؤولين الحزبيين الأكراد من منتسبي – الاعلان – ( من الذين سكتوا دهرا ونطقوا كفرا ) عدم الانجرار في هذا الظرف بالذات الى تنفيذ رغبات الأوساط الأمنية في افتتاح وابتداع عداوات جديدة في الساحة الكردية ومع من يتخيلونهم خصوما تحت غطاء الصراع – الاعلاني الجبهوي – المزعوم لقاء مصالح شخصية ضيقة تندى لها الجبين ! ؟ ورغم توفر الكثير لقوله بهذا الخصوص الا أنني أمتنع وأترفع عن الدخول في مثل هذه الأمور احتراما لموضوع الحوار وأولويته الراهنة .
حوارنا المنشود الآن يختلف من حيث الشكل والمضمون عن كل ما جرى حتى الآن في ساحتنا الكردية فهو لا يعقد في سبيل مواجهات وصراعات حول الشرعية وليس مشروع تصالح حزبي بين طرفين أو أكثر ولا يستحضر في ظرف عادي ولا يتم بناء على دعوة خارجية من أشقاء أو أصدقاء انه يدعى اليه من الجميع من أجل الجميع دون استثناء من أحزاب ومجموعات وشخصيات وطنية واجتماعية وثقافية نساء ورجالا بعد أن شعروا بخيبات الواقع السياسي الكردي الأليم والفراغ المخيف رغم سيولة الأسماء والمسميات وبعد أن توصل الكل أو معظمهم الى احتمالات دنو حدوث أمر عظيم في البلاد وضرورة التهيء لنيل الاستحقاقات القومية والوطنية فالبعض دعوا الى الحوار من أجل بناء – المرجعية القومية – والبعض الآخر لتحقيق – الجبهة الموحدة – أو تحقيق – مركز واحد للقرار الكردي – وهكذا يبقى الهدف واحدا وسيكون اذا انجز حدا فاصلا بين مرحلتين في العمل السياسي الكردي سيصب في مجرى التطوير والتحولات الايجابية في الحياة السياسية لجيلنا والأجيال القادمة قوامها التواصل الودي والتعددية- الحميدة – والتوافق والعمل الجماعي والبرنامج المشترك .
قساوة الظرف السياسي والملاحقات الأمنية والاعتقالات ستحول دون سير عملية الحوار في الأجواء الطبيعية ولكنها لن تمنع الوطنيين والمناضلين المؤمنين بقضايا الشعب والوطن والديموقراطية من أداء واجباتهم وتحقيق أهدافهم خاصة وأن تجربة الحركة السياسية الكردية في مواجهة التحديات الأمنية وخطط السلطة غنية بما فيه الكفاية لاستنباط وسائل مبتكرة في انجاح هذه العملية الاستراتيجية النوعية وتقسيمها الى مراحل واشراك الجماهير والقواعد فيها بديلا عن أساليب الروتين والبيروقراطية والغرف السرية وانتظار القرارات ( العليا ) لأن المسألة واضحة جدا ولا تحتاج الى مناظرات وتحليلات آيديولوجية والعمل أيضا على استكمال حلقاتها داخل البلاد وخارجها والاستفادة من مبتكرات التقنية الاعلامية في هذا المجال واذا كنا نصر ونتمسك بضرورة مشاركة الأحزاب والمنظمات السياسية بل قيامها بدور رئيسي في عملية الحوار المنشود فاننا نقولها أيضا بوضوح بأن الزمن لن يتوقف بانتظار موافقة وقبول أمناء ورؤساء وأعضاء مكاتب سياسية عشرين حزبا كرديا بعقدهم وتعقيداتهم وصراعاتهم ومنطلقاتهم القديمة منها والجديدة بل أن المسيرة الكردية ستتواصل خاصة اذا تم الوصول الى صياغة البرنامج الكردي القومي – الوطني الديموقراطي الواضح والشامل المعبر عن طموحات الأغلبية الذي سيتكفل أبناء الشعب الكردي وطلائعه الواعية ومناضليه ونخبه السياسية والثقافية بتنفيذ بنوده شاءت – القيادات – الحزبية أم أبت خاصة وأن الهبة الكردية السورية في آذار 2004 قد أفرزت وقائع جديدة في المعادلة السياسية وهي تقدم الوعي الكردي الشعبي على نظيره الحزبي وما زالت نتائجها تتفاعل في حياتنا السياسية .