سكرات الأحزاب بالسياسة الهوجاء

مروان سليمان

أزمة الإنسان في مجتمعاتنا تغذيها مرضعات الثقافة و رعاتها من مؤيدين و نشطاء و كتاب و أتباع المنهاهج فيصبحون تحت رحمة الذين يعطون الأوامر بشكل متلازم أحياناً و متواطئ أحياناً أخرى مما يعقد عليه الأمر مهمة الخروج من قفص التحزب و العلاقات المتشابكة مع الحقائق الموجودة على الأرض لكي تتوضح الصورة في أبهى حللها تلك الأرضية الهشة و التراجع التربوي و العاطل على الإعتماد على الذات و أخذ النتائج كما هي لا كما يقال له أو يسمعه و هذا أدى إلى منع الكثير من التقارب الإجتماعي و السير بالحياة الشخصية على نحو غير إعتيادي فأصبحنا نشاهد الإحتجاجات الفئوية ضد السياسات الأخرى المقابلة لها مما وقع الضرر و التضرر السياسي و الإجتماعي و حتى الإقتصادي.
كردياً تبدو الحياة الجديدة في هذه الإثناء أمام صمت مفتوح و هلع و خوف حاد و الكل يتخندق لإختراع لغة مضادة للأخرى لتنجو بنفسها من هلاك محتمل إنه المأزق الحقيقي الذي تشقق الإنسان و مكابدات تنمره المجتمعي و الإقتصادي مما يجعلنا أمام بيئة مناسبة لحدوث إنهيارات متوالية فلا ينشط إلا ذوي القلوب المتعشطة لإصلاح الوضع و تخفيض عروض سلطوية و مناصبية لا قيمة لها.
أياً كانت المواقف و التكتيكات من وراء كل موقف فإن آفة الخلافات على الأحزاب الصلبة و المتينة في هياكل تطورها و ما تتخذه من تدابير وقائية و تحضيرات جماهيرية و إمكانات حزبية لكي تقي بنفسها من شر الإفلاس الجماهيري و السياسي فإن ما تدفعه من فواتير مكلفة في فقدان الكوادر الحزبية قد بات يعني و بلا شك بأن الآخرين الأقل شأناً من حيث الأعضاء و التنظيم و الذين يأخذون الأمور بلاإكتراث و التقليل من هذه الآفة و خطورتها على الوضع الكردي بشكل عام و خاصة السياسي و الشعبي و التي أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه سياسات مريضة فاقدة للنظم السياسية و التنظيمية تعتمد على مستخلصات الأفكار الشخصية التي لا تفقه في علم السياسة و الإقتصاد من شئ و حتى من ناحية كسب الجماهير و الحفاظ على كوادره الذين تعبوا و سهروا و أفنوا سنين عمرهم في خدمة قضيتهم.
فاذا كان التشرذم قد قلص الفروق الهائلة ما بين الأحزاب في تشابه النهايات و مقادير الصدمات و التأثيرات التي أنتجتها على مختلف الأصعدة فإنها لم توفر أي درجة من التقارب أو التشابه الهيكلي بين تلك الأحزاب في مستويات الأنشطة و الخدمات و ممارسة النشاطات المكثفة.
 فمع اطلالة كل صباح تتفاقم اخطاء السياسة والسياسيين الكرد بعدم ايلائهم الاهتمام المطلوب للتوعية الجماهيرية و الدفاع عن القضايا القومية. فبدلا من مساعدة الناس على بناء الوعى بالعلم ونتائجه لمجابهة التعقيدات التي تعيشها الجماهير و حتى الكوادر الحزبية من ظروف معيشية و سياسية قاسية و المرعبة ذهبت الإدارات السياسية في أحزابنا الشمولية  في مهمة استغلال الوعى وتزييفه بمدخلات و مخرجات السياسة غير المنتبهة لتوعية أعضائها و يبدو حتى الآن نـأخذ منها العبر و نماذج فقط للتدمير بدلاً من التعمير و يبدو من المشهد كمتاهة عظمى لم يضع حسابات الزمان و المكان أو التطور المجتمعي و حتى الحزبي الذي ينتمي إليه و لم يضحوا بجزء من أرصدتهم البائسة في تخطي المرحلة على الأقل و كسب الثقة الجماهيرية لابل مؤسساتهم المتواطئة إستولت على الحقوق بدون كوابح و تحولت إلى نباتات ظلية تحمي نفسها بالتطفل و طلب المعونة من الأعداء الذين يخطفون وطننا و حتى لقمة العيش من مواطنينا المعدومين. 
إزاء هذا المشهدلا تريد الأحزاب العريقة أن ترمم نفسها لإكتساب عافيتها و إعادة هيكليتها من جديد و تحصين نفسها في المستقبل من مثل تلك الصدمات و الأزمات مقابل تلك الأحزاب التي تتآكل من الداخل و فقدت كل شئ و لم تعد تقوى على الإلتحاق بمجريات السياسة لأن تلك الأحزاب فقدت بوصلتها و لم يعد مخطوفاً فقط بل تم نخر ثقافته الإجتماعية بشكل مباشر و لم تستطع التمييز فيما بين الإستجابة للتغيير أو الغرق في الزوال المتدرج و هنا تتأكد خيبة الإعتماد على هذه الإنماط من السياسات التي تبنتها ثلة تركتها الجماهير لعوامل الصدف و التبعية من الذين فرضوا أنفسهم على ساحة تغيب عنها الجماهير و فطاحل السياسات، إنه التطور المتعاكس مع متطلبات ثقافة الإبتكار و التعليم الغير هادف و الإعلام البالي التي خرجت من فكرة و سياسة مؤسساتهم التي ترى في مصالح بقائها أولوية قصوى و لذلك علينا أن نشكر المحطات الحزبية التي عرت الأحزاب و سياساتهم الفاشلة و جردتها من حجابها التي كانت تتغطى بها لكي تتستر على عوراتها طيلة هذه السنين الطويلة التي طالما إنخدع الجميع بها.
مروان سليمان
السلك التربوي- المانيا
01.04.2023

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…