د. محمود عباس
تبيعهم الأسلحة، كما تبيع أمريكا وروسيا وتركيا للعالم، وليس كما تروج على أنها تقدمها بدون مقابل، وإن تم في بعض الحالات، تسجل كديون آجلة، كما فعلته مع نظام بشار الأسد والحوثيون في اليمن، أو مقابل خدمات لوجستية كارثية كما حصلت لقطاع غزة، ودعمها لحماس والجهاد الإسلامي (بعدما أخذت جزء من أموال المساعدات التي قدمتها لهم دول الخليج) وغايتها من تقديم وبيع الأسلحة كانت أبعد بكثير من ضرب إسرائيل أو إخضاعها لقبول شروط الدولتين، وهي الدولة التي تدرك ما ستكون عليه رد فعل الشعب اليهودي (الذي لا يزال يحمل تبعات الهولوكوست والقتل الجماعي لهم) من أية جريمة جماعية تقدم عليها حركة حماس والجهاد الإسلامي ليهود المستوطنات.
لو كانت إيران الشيعية، ومثلها تركيا السنية، يؤمنون بالنهج الإسلامي السلمي، ويريدون الخير للشعب الفلسطيني ولأبناء قطاع غزة المعانون من ويلات الكثافة السكانية قبل الحصار والتي تم تضخيمها طوال العقود الماضية لتكريس الحقد، بين الشعبين اليهودي والفلسطيني، لما دفع بهم إلى المخطط الإجرامي الفاشل والمؤدي إلى الكارثة الجارية بحق أبناء غزة، ونشرت ثقافة التآلف وتقبل العيش المشترك، وتوسيع التعامل الديمقراطي بين الدولتين، وتقييم ما تقدمه إسرائيل من الخدمات لشعب قطاع غزة، كتأمين العمل والكهرباء والماء والخدمات الأخرى.
في الواقع وعلى مدار السنوات الماضية سحب أئمة ولاية الفقيه معظم المساعدات التي أرسلت لقطاع غزة، من دول الخليج والعالم الإسلامي، فما كانت لا تصرف على بناء الأنفاق، كانت ترسل لإيران مقابل الصواريخ التي أطلقتها في تلك العملية.
لكن المروج عن الدعم المادي الإيراني لحماس والميليشيات الأخرى، نفاق يراد به خداع القوى الإقليمية، تقبلته أمريكا ودول التحالف الأوروبي، وكذلك الدول العربية والإسلامية، والجميع يدرك عدم صحته، وما هي الغاية منه، ويتم التكتم عليه لأسباب أمنية وسياسية ودبلوماسية.
فولاية الفقيه وبحكم طريقة معيشتها كمرجعية مذهبية، ونهبها لتابعيها، أفرادا ومنظمات، تقوم بتمويل المنظمات الإرهابية، كحزب الله والنجباء والزينبيون والفاطميون والحوثيون وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني وغيرهم الذين جمعتهم تحت خيمة المقاومة الإسلامية، من نفس المصادر التي تستمد حكومة إيران منها العملة الصعبة للحفاظ على عدم انهيار دخلها الوطني.
وجل المنظمات الشيعية، التي بعدما يتم تنظيمها، تصبح من إحدى مهماتها دعم إيران اقتصاديا متوازيا مع الدعم العسكري-السياسي، وهي تؤمن لها العملة الصعبة مقابل الأسلحة التي تقدمها لهم.
بعضها، تمكنت بدءً من سنوات الحصار الأمريكي وحتى الأن، من تأمين نسبة عالية من العملة الصعبة، فلولاهم لظلت سوية الدخل الوطني السنوي الإيراني في تراجع مستمر، والتي كانت تبلغ في عام 2012 م قرابة 997 مليار دولار، لتتراجع إلى قرابة 239 مليار عام 2020، وبمساعدتهم عادت لترتفع وتصل في هذا العام إلى حدود 366 مليار دولار، أي متراجعة بحدود 70%، رغم أن أمريكا زادت من حصارها الاقتصادي.
وأكبر جهتين ساهمتا في تمويل أئمة ولاية الفقيه وفي مصاريفها الهائلة على ميليشياتها والحرب السورية واليمنية والحفاظ على سلطة بشار الأسد:
1- الحشد الشعبي والمنظمات الشيعية العراقية الأخرى، والتي تنهب الأموال من النفط العراقي المباع نسبة منه في الأسواق السوداء، وهي أموال الخزانة العراقية، وجلها من العملة الصعبة التي لا تدرج ضمن التجارة الخارجية العراقية الرسمية، وتقدم لأئمة ولاية الفقيه، تحت حجج دعم الحوزات والحسينيات، ونشر الوعي الشيعي، وبها يتم تمويل معظم الميليشيات والمنظمات الشيعية الإيرانية، والعملية لا تزال مستمرة.
2- الأموال التي تحصل عليها حزب الله اللبناني من تجارة المخدرات، والمضافة إليها في السنوات الأخيرة تجارة حبوب الكبتاغون التي تنتجها المصانع الكيميائية السابقة للنظام السوري، ومافيا حزب الله ذات العلاقات المتينة مع كارتيلات أمريكا اللاتينية خاصة الكولومبية والبوليفية، وإلى حد ما المكسيكية.
3- من النفط الإيراني ذاته، المباع سرا عن طريق ميناء الفاو في الأسواق السوداء، وذلك على خلفية الحصار الأمريكي والتي تحدد نسبة المباع منه في الأسواق العالمية، والأغلبية على دراية بذلك، ويتم السكوت عليه لأسباب سياسية أمنية.
فشعب قطاع غزة مثلهم مثل الشعب السوري واليمني وجنوب العراق دفعوا ثمن هذه السياسة الفاجرة، والخدع والنفاق المذهبي، وتحت خيمة المقاومة الإسلامية، وجلها تخدم أئمة ولاية الفقيه ذووا النزعة الفارسية، مثلها مثل النزعة التركية – الطورانية العنصرية والمختفية تحت عباءة قياد العالم الإسلامي السني، وحيث صرخات أردوغان كصرخات آية الله العظمى (الخامنئي) المدوية دون فعل دفاعا عن شعب غزة، ليفاقموا في الدمار، لأن غايتهم ليس خلق السلام في المنطقة بل تدمير الدول العربية وإسرائيل معاً، بشعوبها من اليهود والفلسطينيين والكورد، لتسهل لهم الهيمنة على المنطقة، وإعادة أمجاد الإمبراطوريتين الصفوية والعثمانية.
وفي الواقع العملي، الشعب اليهودي وإسرائيل ليست عدوة للشعب الفلسطيني والعربي بقدر عداوة الفرس والترك لهما، بل إنهما يخططون لتدمير الطرفين معا وبأيدي بعضهم، يشعلون نار الفتنة كلما اقتربوا من المصالحة، وهو ما تم بعد مسيرة التطبيع التي كانت تجري وكان المتوقع أن يتصاعد العمل لقبول بناء الدولتين، قبل بدء الحرب الجارية. وللأسف الكراهية التي تم غرزها طوال العقود الماضية أعمت بصيرة الطرفين حكومتي حماس ونتينياهو، وسهلت لإيران – أئمة ولاية الفقيه وكذلك لتركيا -أردوغان، من السيطرة على المنطقة عن طريق ميليشياتهما وسياستهما الخبيثة.
الولايات المتحدة الأمريكية
12/9/2023م