صلاح بدرالدين
تذكيرنا بهذا الموضوع نابع من عدة اعتبارات، الأول – بمناسبة عقد قمة القاهرة لبعض الأنظمة حول الحرب في غزة، العاجزة عن فعل شيء ماعدا الكلام الإعلامي، ومسؤوليتها في القضاء على إرادة شعوبها، وعدم قدرتها على مواجهة اية تحديات سوى القدرة على سحق حركات شعوبها، ووقف نهضتها. والثاني – لتذكير المتناسين، والمتلاعبين بتغيير الأولويات، ان نظام البعث الاسدي المستبد هو العدو الاول والأخير لشعبنا، وهو وليس غيره من حطم إرادة الصمود، ومن قسم وشق وشتت الحركة السياسية الوطنية السورية عامة والكردية خاصة . والثالث – كدعوة غير مباشرة لمعرفة حقائق التاريخ، ثم العمل لإزالة الخلل والعوائق امام إعادة بناء حركتنا من جديد قبل فوات الأوان وفي المقدمة المصارحة، والمكاشفة، ووضع النقاط على الحروف.
قبل عقود من الثورة السورية وخلال تحكم نظام حافظ الأسد بمركزية شديدة على مقاليد الأمور، وإدارة السلطة عبر المنظومة الأمنية المنتشرة فاقت اعدادها الخمسة أجهزة كبرى ماعدا الفرعية منها، كان القرار يعود اليه في قبول الأحزاب با (الجبهة الوطنية التقدمية) او منح العضوية لأكثر من جناح في حزب واحد بعد ترتيب عملية انشقاقه فكنت ترى ثلاثة أحزاب ناصرية، وأربعة قومية مثلا ذات منشا واحد أعضاء في الجبهة، كما كنت ترى بينهم حزبا شيوعيا واحدا اكثر موالاة من اصل ثلاثة اجنحة بالاسم ذاته، وكانت أجهزة النظام ماسكة بخيوط اللعبة توحد من تشاء، وتشق من تشاء، هذا الى جانب الشدة المفرطة وصلت الى حدود التصفيات والسجن عقودا تجاه مناضلي المنظمات المعارضة والتي رفعت شعار اسقاط النظام .
انعكس الامر بالساحة الكردية السورية بضربات نوعية اكثر اتقانا واقل ضجيجا، ووسائل تتماشى مع الخصوصية الكردية التي تجسدت في الاضطهاد المزدوج (القومي – الديموقراطي) او الثأر الشوفيني – الدكتاتوري، هذا على الصعيد العام، اما بتفاصيل الحسابات الدقيقة، ومقاييس الأجهزة الأمنية في التعامل مع الواقع القائم والتي رغم تكاثرها الا انها عملت بشكل منسق مع اليد الطولى للمخابرات العسكرية خصوصا في عهد الرجل القوي، والضابط المدعوم من القصر الجمهوري بدمشق والمرسل خصيصا لاختراق الأحزاب الكردية الأكثر خطورة بحسابات النظام – محمد منصورة – بعد توليه مسؤولية الاشراف على الملف الكردي ليس في سوريا فحسب بل بالعراق، وتركيا .
تدل الوقائع، والشواهد، والقرائن، وبعض الوثائق المتوفرة، وشهادة نائب الرئيس السابق – عبد الحليم خدام – على ان الموقف الأمني الرسمي آنذاك بخصوص الحركة السياسية الكردية استند الى ١ – اختراق وشق المنظمات المعارضة للنظام، والتي تشكل خطرا على (الامن القومي) أي امن النظام الحاكم وكان المرشح الأول والاساسي (حزب الاتحاد الشعبي الكردي) الذي تبنى مبدأ حق تقرير المصير، وعارض النظام الى حدود البحث عن بديل، ووسع دائرته القومية، والوطنية، والكردستانية، والعربية، والاممية. ٢ – تكليف الأجهزة الأمنية باتباع تكتيك رعاية ودعم الأحزاب والمجموعات، والشخصيات الكردية الموالية، وتوفير فرص وظيفية للبعض من دون مقابل وعود، او التزامات حول حلول، او معالجات سياسية .
لا اخفي وانني وإزاء ذلك بالوقت الذي لا انتظر من الذي اجرم، وتعاون مع الأجهزة ضد حزبه، ورفاقه، وشعبه ومازال يسير على نفس المنوال، ما زلت شخصيا بانتظار ان يدلي بعض من يمر الان بفترة (صحوة الضمير) بشهاداتهم، والاعتراف على الأقل بما حصل معهم بشجاعة، وشفافية من تفاصيل وذلك كحق وواجب تجاه الجيل الجديد الذي من واجبنا جميعا تنويره بالحقائق.
ليس سرا ان الأحزاب، والتنظيمات الكردية التي تعاملت مع الاجهزة بعهد – منصورة – ومن بعده او القريبة من السلطة لا أقول انها كانت محمية بل انها لم تتعرض الى هزات عميقة عندما كان النظام مسيطرا بشكل كامل، وبعد انحسار نفوذ النظام الجزئي بدأت تلك الأحزاب والاجنحة المنشقة بالذات برعاية – منصورة – تتعرض للمصاعب الداخلية وحتى الانشقاقات ولدينا قائمة باسمائها في الوقت الراهن، حيث هناك من النشطاء من يتتبع خطاها ببعض الجوانب.
قد يتساءل البعض وماذا بشان مواقف المحورين (الكردستانيين) المتحكمين بأحزاب طرفي الاستقطاب من شق وتوحيد الأحزاب الكردية السورية، والجواب لدى ما هو قائم على ارض الواقع: الحركة السياسية الكردية السورية مفككة، ومنقسمة، وتتجاوز اعداد (احزابها) المائة ؟؟!!.