ريزان شيخموس
الحدث الأهم والأكثر تسييسًا وتأثيرًا على اهتمام العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط، هو عودة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى الواجهة ، والذي استحدث بشكل اكثر دراماتيكية بعد السابع من أكتوبر في الهجوم الإرهابي المعروف بـ “طوفان الأقصى” الذي نفذته حماس. تلك العملية أسفرت عن سقوط مئات الإسرائيليين، سواء من المدنيين أو العسكريين، وشهدت اختطاف المئات، من بينهم العديد من الأجانب. هذه العملية التي هزت إسرائيل وجعلت الشرق الأوسط برمته على صفيح ساخن .
حيث لا يمكن لأحد التنبؤ بنتائج هذه الحرب بشكل نهائي، حتى لأولئك الذين يمتلكون النفوذ في الكواليس الضيقة من ذوي النفوذ العالمي. على الرغم من الجهود الدولية والضغوط الهائلة التي تمارسها الولايات المتحدة حيث تم استقدام أحدث وأكبر السفن والغواصات الحربية إلى المنطقة بهدف ضبط النزاع وتقليصه الى صراع محلي بين اسرائيل وحماس دون إشراك الآخرين، خاصة أجنحة المقاومة الشيعية الإيرانية في المنطقة.
إن النزاع الحالي الذي تشهده إسرائيل ضد حماس في قطاع غزة لا يمكن وصفه فقط بأنه حرب بالوكالة بين إيران وأمريكا، بل يتعلق بالصراع الإقليمي الذي يشمل عدة جهات. رغم رفض ايران علاقتها بالتخطيط لعملية طوفان الاقصى وتنصلها منها ومحاولات امريكا عدم اتهامها بشكل مباشرة ، ولكن بات واضحاً بأن ايران من اشعلت فتيل الحرب في المنطقة من خلال اجنحتها الموزعة في العراق وسوريا ولبنان و اليمن وورطت حماس بعملية عسكرية كبيرة ضد اسرائيل لخلط الاوراق في المنطقة وابعاد الحرب عن جمهوريتها الاسلامية واستخدام ما يحدث في اجنداتها ومصالحها التوسعية في المنطقة وعدم الايفاء بالتزاماتها مع حماس بوحدة الساحات واشعال الحروب في مناطق اخرى ، رغم العمليات الخجولة التي يقوم بها حزب الله في لبنان او الصواريخ الوهمية التي يطلقها الحوثي من اليمن او بعض المسيرات التي يستخدمها مرتزقة ايران في العراق ضد القواعد العسكرية الاميركية في سوريا والعراق ، حيث انها كلها تأتي في سياق ذر الرماد في العيون . ان النظام الايراني يتحمل المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث في المنطقة ويستخدم ذلك لتوسيع نفوذه وتحريك اجنحته لتقوية اوراق ايران الاقليمية والدولية في ظل الصمت العربي الرسمي بل بالعكس تشارك ايران في القمم والاجتماعات الرسمية العربية والاسلامية كمدافع القضية الفلسطينية كما حدث هذا اليوم في مؤتمر الرياض ، وهذا ما يؤكد الوهن العام الذي اصاب كل الدول العربية واخرجها من المعادلات الاقليمية ، رغم امتلاك الدول العربية الكثير من اوراق القوى لكنها لا تستخدمها بالشكل الذي يخدم مصالحها ومصالح شعوبها بل تتناول موضوع غزة في الاطار العاطفي الشعبوي البعيد كل البعد عن الواقع السياسي في المنطقة ، حيث ان حماس في عمليتها هذه خدمت مصالح ايران واساءت بشكل غير مسبوق للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني واضعفت منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني وابعدتها عن الساحة الحقيقية لها وافقدتها كل اوراق قوتها .
لا تزال الحرب الإسرائيلية ضد حماس في قطاع غزة تشكل جدلاً متجددًا حيث تتصاعد وتيرة القتال وتتسارع وتيرة الدمار. يُلاحظ غياب مبادرات فعّالة لإنهاء هذا الصراع الدائر وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني. حيث تستخدم حماس التكتيك القذر لاستخدام المدنيين كدروع بشرية، بينما تستمر إسرائيل في تنفيذ سياسة الانتقام الفظيع في عملياتها العسكرية.
على الرغم من أن النقاش الدولي يتناول حاليًا ما يمكن أن يحدث بعد انتهاء المرحلة النشطة للحرب، إلا أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون عن استمرار الصراع لفترة طويلة. ولكن الجوانب الأكثر أهمية هي تداعيات هذه الحرب على المنطقة بأسرها، وخاصة على سوريا. فالمنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر ، يُتوقع أن يسعى كل طرف، سواء كان على الصعيدين الإقليمي أو الدولي، للاستفادة من هذا الصراع واستثماره في مصالحه وأجندته الخاصة. ستكون هناك محاولات لترتيب الأوراق وتحديد الأولويات في هذا السياق الحساس.
ومع ضعف الدول العربية والإقليمية الأخرى، يبدو أن إيران تسعى لتعزيز تأثيرها والظهور كلاعب قوي في المنطقة. في الوقت نفسه، تسعى تركيا للاستفادة من الظروف الصعبة في المنطقة، وذلك على الرغم من التصريحات المتناقضة التي تصدر عن مسؤوليها بخصوص الحرب الجارية في غزة ، في سياق متناقض، حيث كانت تركيا تدين حرب اسرائيل في غزة وتعبر عن تضامنها مع القضية الفلسطينية وضرورة ان يمارس الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره ، كانت في نفس الفترة ترفض هذا الحق للشعب الكردي في الاجزاء المختلفة من كردستان . كما انها استخدمت نفس الأساليب العسكرية لاسرائيل في تدمير البنية التحتية والمحطات الكهربائية والنفطية والمائية في المناطق الكردية في سوريا ، وهذا بدعوى محاربة حزب العمال الكردستاني. هذه التناقضات تكشف بشكل واضح عن المعايير المزدوجة التي تتبناها الدولة التركية .
التداخلات الإقليمية والصراعات الدولية تشكل تحديات جسيمة للأمن الإقليمي، حيث تظهر الانعكاسات الواضحة للحرب بين إسرائيل وحماس في غزة على الساحة السورية. يستغل النظام السوري وحلفاؤه، إيران وروسيا، الفجوة الناجمة عن تركيز الاهتمام الدولي على الأحداث في غزة، بتصعيدهم للعمليات العسكرية في مناطق إدلب السورية ، حيث المزيد من الضحايا بين السوريين جراء القصف اليومي للصواريخ على المنطقة ، مما يعكس سعي النظام السوري إلى إعادة ترتيب الأوضاع واستعادة السيطرة على المناطق التي خسرها النظام في السنوات الماضية ، كما ان الحراك السلمي في السويداء، الذي أعاد الروح للثورة السورية، يواجه تشويشاً كبيراً من قبل النظام وشبيحته ، هذا الحراك يعيد ثقة الشعب السوري بثورته ضد طغيان النظام وحلفاءه، وتشهد دير الزور اتساعًا في نشاط الميليشيات التابعة للنظام وإيران، حيث تستهدف بشكل يومي مواقع أمريكية بمسيرات وصواريخ لتصعيد التوترات في المنطقة ، تستفيد المجموعات العسكرية المرتبطة بتركيا في منطقة عفرين من حالة الفوضى الواسعة التي تمتد نتيجة الصراع الدائر في غزة، مما يتسبب في تفاقم الانتهاكات البشعة والتي ترقى إلى حدوث جرائم حرب ضد أهالي عفرين، بما في ذلك التغيير الديمغرافي الواسع النطاق ، كما أن الحكومة التركية تسعى في هذا السياق، لإعادة آلاف السوريين المتواجدين في تركيا إلى سوريا، رغم الظروف الإنسانية والأمنية لا تزال غير مناسبة. يبرز هذا السلوك الواقع البعيد عن الاعتبارات الإنسانية في تعامل الدول مع القضايا الإنسانية.
الشعب السوري عاش فترة صعبة بسبب سياسات النظام الإيراني وتأثير أذرعه، مثل حزب الله والحشود الشيعية. على الرغم من تضحيات الشعب السوري، يظل الحلف المقاوم الذي وقف إلى جانب النظام ضدهم غير قادر على دعم الشعب الفلسطيني إلا من خلال منظور ضيق يراعي مصالحهم الخاصة.
استمرار النزاع في غزة يترك آثارًا سلبية على الحالة السورية، مما يجعل البحث عن حلول سياسية في هذه الظروف التحديّة أمرًا صعبًا. تواجد تركيا وإيران في سوريا يعقّد الأزمة بدلاً من المساهمة في إيجاد حلول سياسية تلائم الوضع السوري، الذي يواجه تحديات كبيرة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية.