صلاح بدرالدين
دخلت حرب إسرائيل – حماس في قطاع غزة يومها الرابع والأربعين، وهي حسب كل التوقعات لن تتوقف الى حين تحقيق الأهداف التي حددتها الأوساط الاسرائلية الحاكمة وفي المقدمة استعادة الاسرى، والمختطفين، والقضاء على القدرات العسكرية، والإدارية لحركة حماس، والتي قد تطول الى ثلاثة اشهر بحسب التقديرات العسكرية، مهما كان ثمن خسائرها من الجنود، والمعدات، ومواقف الراي العام والمجتمع الدولي، ومهما بلغت درجات الدمار وزيادة اعداد ضحايا المدنيين الفلسطنيين من النساء والاطفال وكبار السن التي ارتقت الى مصاف جرائم الحرب، بتشابه ومن حيث المبدأ مع جريمة مسلحي حماس بحق المدنيين العزل يوم السابع من أكتوبر المنصرم.
ولابد هنا من التذكير مجددا ان المشكلة لم تبدأ منذ اندلاع هذه الحرب، بل انها قائمة منذ حرمان الشعب الفلسطيني تماما مثل الشعب الكردي من الالتزامات الدولية، وضمانات حق تقرير المصير، والاستقلال في جميع الاتفاقيات المبرمة منذ اتفاقية سايكس – بيكو، مرورا بمؤتمر لوزان، ومعاهدات السلام، وحتى الان، وستستمر المشكلة الفلسطينية الى حين اعتراف المجتمع الدولي، وهيئة الأمم المتحدة بحق تقرير مصير الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة الى جانب دولة إسرائيل.
جوانب مخفية في خضم الصراع
أولا – بخصوص الموقف الإيراني من الحرب، هناك من يرى ان نظام طهران لم يشارك في الحرب حتى الان، ويعتبر ذلك مذمة ونكوصا في تعهدات ( محور المقاومة او الممانعة ) بزعامة طهران، في حين ان الحقيقة بعكس ذلك تماما للأسباب التالية : ١ – المنظومة العسكرية الأمنية الحاكمة في طهران ومن خلال – الحرس الثوري – والاذرع الأخرى، تعمل منذ عقود على بناء تشكيلات عسكرية في المنطقة تابعة لها، وفي خدمة اجندتها، ولم تبني يوما مؤسسات ( ديموقراطية ! ) او محور يكون فيه سلطة القرار مشتركة، وهذا ينطبق على مايسمى بمحور المقاومة ( نظام الأسد + حزب الله + الحوثييون + حركتا حماس والجهاد + الحشد الشعبي العراقي مع مجموعة ميليشيات عابرة للقومية ) وذلك باشراف النظام الإيراني، ٢ – كل طرف في هذا المحور له دور محدد في حدود جغرافية معينة، وحول قضية معينة، فدور حزب الله يقتصر على اضعاف الدولة اللبنانية، وتعميق الصراعات الطائفية، وإقامة دويلة موازية، ودعم النظام السوري في محاربة معارضيه، وتوسيع النفوذ الطائفي، ودور نظام الأسد هو تصفية المعارضة وتعميق الهوة الطائفية، ووقف أي تطور في بناء الدولة الوطنية المدنية، وتسخير الجغرافيا السورية للنفوذ الإيراني الاقتصادي والعسكري، والمذهبي، اما دور حركتي حماس والجهاد فهو مواجهة الشرعية الفلسطينية، ومنظمة التحرير، وعرقلة عملية السلام، ورفض حل القضية الفلسطينية من خلال الحوار والحلول السلمية، اما الحشد الشعبي فدوره معروف بتعميق تبعية العراق لإيران، واثارة الخلافات مع إقليم كردستان، والاعتداء على قوى التحالف وقت اللزوم، ودعم النظام السوري، وهكذا الحال مع الميليشيات الأخرى، ومن الملاحظ ان أدوار جميع الأطراف تتشارك في ضرب مؤسسات الدولة المدنية، ومواجهة إرادة التغيير الديموقراطي، واثارة الفوضى، والنعرات المذهبية والعنصرية، ٣ – ايران تشارك في الحرب عمليا ليس من اجل نصرة حماس او كسر التوازن العسكري، اوحل القضية الفلسطينية : فهي من مدت حماس والجهاد بالمال والسلاح، ودربت مقاتليهما منذ عقود وحتى الان، وتمدهما الان بالتوجيهات، والمعلومات الاستخباراتية، وهي من امرتهما باشعال الحرب، اما ان ايران لاتشارك بجنودها صحيح ففي المرحلة الراهنة، وامام تطور التقنيات الحربية، وظهور الطائرات المسيرة – الدرون -، والصواريخ، لاحاجة الى القتال البري او عبور المشاة نحو إسرائيل، بل هناك وسائل أخرى اكثر تاثيرا، من جهة أخرى فان اذرع ايران وتوابعها في ( الممانعة ) مثل حزب الله اصبح طرفا بالحرب منذ اليوم الثاني، وحتى الان وجهت اكثر من الف صاروخ نحو إسرائيل إضافة الى الصواريخ الحوثية، ويتم ذلك باوامر من طهران مباشرة، كل ذلك يتم بشكل مدروس وفي خدمة الاجندات الإيرانية، والحفاظ على مصالح ايران الاستراتيجية، وحل الإشكاليات مع الغرب.
الموقف العربي الرسمي
دعكم من البيانات الإعلامية فان موقف النظام العربي الرسمي مدان منذ ان ظهرت القضية الفلسطينية، فلو قدم هذا النظام الدعم والاسناد للشعب الفلسطيني لكان هناك دولة فلسطينية مستقلة، ولو وقف هذا النظام مع منظمة التحرير الفلسطينية والمؤسسات المنبثقة عنها لحل السلام عبر الحوار، لقد خذل هذا النظام فلسطين منذ عقود، لااقصد نظام الدكتاتور حافظ الأسد فقط الذي حارب منظمة التحرير، وعمل على شقها، ولكن جميع الأنظمة بدون استثناء، فالازدواجية المفضوحة لهذا النظام بادية للعيان: عدم دعم الشرعية، وتواطؤ مع حماس عند الحاجة، والتمني سرا بزوال حماس والجهاد وكل الشعب الفلسطيني، انظروا بعد أربعة وأربعين يوما، وبعد هذا الدمار، والمذابح، وبعد سيطرة إسرائيل على اكثر من نصف قطاع غزة، يتوجه وفد النظام العربي الرسمي الى عواصم الدول الأعضاء في مجلس الامن وليس معلوما مايحمله من موقف سوى الإعلان عن رفض انتقال الفلسطينيين الى مصر والأردن ؟! .
قرات البارحة مقالة لواحد من منظري النظام العربي الرسمي وهو د عزمي بشارة، يكتب فيها : ( ان حماس مازالت قوية ولم تستخدم الا عشرة بالمائة من قواها ؟؟!! ) من الواضح ان هذا الاستنتاج مشكوك فيه، ولكن أتساءل هل يريد – المفكر – اشعار إسرائيل بان تأخذ احتياطاتها، وتضاعف من جرائمها حتى تنال من حماس ؟ .
صدق أبو عمار
في هذه الأيام أتذكر الرئيس الراحل الصديق ياسر عرفات الذي ابلغني في اخر زيارة له في – غزة – وعندما ودعته للعودة الى – أربيل – : ( تحذروا من جماعات الإسلام السياسي، فان إسرائيل تدعم حركة حماس لمواجهتي والانقلاب على الشرعية، وضرب حركة فتح، وابلغ الأخ الرئيس مسعود بارزاني ان الإسلام السياسي من اخطر الافات التي تواجه شعوبنا ) .