دور إقليم كُردستان في مآلات الوضع الكُردي السوري*

حسين جلبي

أقوم منذ فترة بإجراء مراجعة تاريخية، وقراءة جديدة للأحداث في المناطق الكُردية السورية “كُردستان سوريا، غربي كُردستان”، التي انتهت واقعياً ولم تعد موجودة إلا بالاسم، بعد التطهير العرقي الممنهج الذي تعرضت له خلال العشر سنوات الماضية.
فبعد أن أشبعت دور حزب العمال التركي فيما جرى للكُرد السوريين دراسة، عبر مقالات وأبحاث وكتب، أركز الآن على الوجه الآخر للمشهد، بعيداً عن العواطف: دور إقليم كُردستان العراق فيما آلت إليه الأوضاع في المناطق الكُردية السورية، والإجابة على السؤال المسكوت عنه، عما إذا كان ما حدث للكُرد في سوريا، هو نتيجة أخطاء ارتكبتها حكومة إقليم كُردستان، أم سوء تقدير للموقف، أم ضعف أرغمها على السكوت وربما الانخراط فيما حدث، أم كان ذلك منذ البداية خياراً استراتيجيا؟
سأنطلق في هذه الدراسة المختلفة من معالجة ملفات أساسية، منها تقاسم حكومة إقليم كُردستان السيطرة على المناطق الكُردية السورية مع حزب العمال الكُردستاني، بأن منحته 50% من تلك المناطق بموجب اتفاق هولير في يوليو 2012، في وقت لم يكن البككة يشكل نسبة تذكر، ووضع سلطات إقليم كُردستان امكانياتها المالية واللوجستية في خدمة الحزب، خاصة قياداته الكُردية السورية، رغم وضوح سياساته، ومد جسر سيمالكا على نهر دجلة لإغاثة الكُرد السوريين، قبل أن يتحول الجسر إلى بوابة عريضة للهجرة، والدجاجة التي تبيض ذهباً للحزب، ويستفيد إقليم كُردستان منه. 
سأتناول في الكتاب المزمع اصداره، تقريب سلطات إقليم كُردستان للأحزاب المنضوية في المجلس الوطني الكُردي منها، وهي الأحزاب التي وقّع رؤسائها على تعهد بعدم المشاركة في المظاهرات أو المطالبة باسقاط النظام، وهناك قرائن وأدلة غير مادية، على أن تشكيل المجلس لم يكن بعيداً عن إيحاءات أجهزة المخابرات السورية، لا بل كان هناك شهود، على أن الأمر أكثر من إيحاء.
أما الملف الذي لا يمكن اخفاؤه، فهو اطلاق إقليم كُردستان قناة فضائية بإمكانات مالية غير محدودة، عملت في البداية على استقطاب الجمهور الكُردي من خلال العزف على الوتر العاطفي، قبل أن تكشف عن وجهها المعادي للتوجه القومي الكُردي في سوريا، عيّن الإقليم طاقماً للقناة، مسؤولاً ومديراً وواجهة إعلامية، ثلاثة من كوادر حزب العمال التركي، هذا بالإضافة إلى كوادر الحزب ضمن طاقم عمل القناة، وبعثيون سابقون أو منضوون في أحزاب كُردية عميلة لنظام الأسد، أصبحوا يطلقون نيران بروباغندا البككة على الكُرد السوريين، منضمين بذلك إلى امبراطورية إعلامية بككاوية.
أما الملف الخطير فكان، تجارة النفط بين حزب العمال الكُردستاني وإقليم كُردستان، عبر بيع البككة النفط من الحقول التي يسيطر عليه، لجهات في إقليم كُردستان من خلال وسطاء  من الحزب، استخدم جزء من عائداته في تمويل القناة المشار إليها، التي أدخلت في أذهان مشاهديها، بان إدارة البككة الذاتية، هي حكومة شرعية، وفرضتها على الكُرد السوريين، وسوّقت شخصيات سطحية وفارغة وعلّت من شأنها، وجعلت منها صاحبة رأي، قبل أن تذروا الرياح المنطقة.
وعلى ذلك، قرب إقليم كُردستان شخصيات من المقلب الآخر إليه، ممن قالوا بأنهم يسيرون على النهج، أكثرها مهزوز وجاهل ولص وفاسد وعديم الأخلاق وذي امكانيات محدودة، لا هم لها سوى الدولارات، وعلّا من شأنهم، وعيّن في إدارة الملف الكُردي السوري من انحدرت القضية على يديه وخسرت يوماً بعد آخر. أما الانشقاقات التي تعرضت لها الأحزاب الكُردية، فسرعان ما حصلت على شرعية ما في إقليم كُردستان.
أما بيشمركة روج الكُردية السورية، فهي لم تطلق طوال عشر سنوات، رصاصة واحدة دفاعاً عن الكُرد السوريين وأراضيهم، خلال الأزمة الوجودية التي مروا بها، وحتى خلال احتلال تنظيم داعش لكوباني، كان الفضل لبيشمركة كُردستان في دحر التنظيم، وكل الذين فقدوا حياتهم من البيشمركة الكُردية السورية، تعرضوا لذلك دفاعاً عن أقليم كُردستان ضد الإرهابيين.
فشل إقليم كُردستان في ملفين رئيسيين على الساحة الأوربية، هما ملف مجالس المجلس الوطني الكُردي في الدول الأوربية، وتوحيد الجاليات الكُردية في أوربا، أدى الأساس الخاطئ، إلى مزيد من الفرقة والتشرذم، ولا يزال رغم ذلك يتابع ما يجري، دون تقييم لما جرى، رغم أن كُرديين لم يجتمعا في أوربا بفضل تلك التشكيلات، منذ الإعلان عن تأسيس مركز لتوحيد كُرد المهجر قبل أكثر من عامين، سوى أمام الكاميرا.
أذكّر هنا بمقولة منسوبة إلى الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، هي عدم استعداده للتضحية بكُردستان، من أجل بضع قرى كُردية في سوريا، ويقصد بها المناطق الكُردية السورية.
إذاً، ليست الصورة وردية تماماً، وانتهي هنا مثلما بدأت بأسئلتي أعلاه، هل هي أخطاء غير مقصودة من سلطات إقليم كُردستان، أم جاءت بسبب امكانياته المحدودة وحجم الضغوط التي تفوقها، أم وقوعه ضحية خداع شخصيات كاذبة، أم أنها استراتيجية تبناها منذ البداية، تقول كُردستان أولاً، حتى إذا كان ذلك على حساب الكُردستانات الأُخرى؟
سيكون الكتاب وثيقة للتاريخ، أعانني الله عليه.
————– 
*عن صفحة الكاتب

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…