عشية الذكرى السنوية الأولى لانتفاضة الشعب الإيراني

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* 

لقد سمعنا جميعًا أنه لا يوجد في التاريخ أي ديكتاتور تمت الإطاحة به من تلقاء نفسه. إذ أن الإطاحة بالنظام الدكتاتوري في بلد ما هو نتاج النضال من أجل الإطاحة به. كما أن تحديد وقت الإطاحة متوقف على “السلطة الديكتاتورية” و “سلطة الشعب والقوة المطيحة”، وكلاهما مختلفان عن بعضهما البعض في كل بلد.
إن العامل المهم وأحياناً ما يكون له دور حاسم هو “معرفة الجوانب القانونية”، والتي يجب “اكتشافها” بالإضافة التقدم في علم القتال”. والجدير بالذكر أن معرفة علم القتال لا يبدوا أمراً كافياً بدون اكتشاف الجوانب القانونية. كما يدور الفرق بين “العلم” و “الاكتشاف” حول “ما هو واقع” و “ما يجب أن يكون”، مما يقود إلى وضع استراتيجة واتخاذ تكتيكات. ويتم اكتشاف الجوانب القانونية عند معرفة الظاهرة. 
الأوجه القانونية الأساسية:
تحديد العدو الرئيسي للمجتمع والحدود الفاصلة: طالما لم يتم تحديد العدو الرئيسي للمجتمع علميًا وواقعيًا، سيكون النضال بلا اتجاه، ولن تجد الإمكانيات والقدرات مكانتها الحقيقية في المجتمع! إن الوقوف على هذا الوجه القانوني واكتشافه هو مفتاح نسيان الماضي والحاضر والتفكير في المستقبل. إن التحزب السياسي، وهو في حد ذاته متجذر في الحد الفاصل السياسي؛ هو نتاج هذه المعرفة. وعندما تصبح العلاقة بين جبهتي الشعب والديكتاتورية علاقة عدائية، فإن أي تفاوض بينهما يخرج من المجال السياسي ويدخل في مجال “أكون أو لا أكون” ويطلق عليه “الخط الأحمر”، ويعتبر انتهاكه بمثابة التلاعب بالعلاقات بين هاتين الجبهتين معاً، والاعتراف بالجبهة الديكتاتورية؛ نظراً لأن “التفاوض” هو طريقة لحل الخلافات داخل الجبهة الشعبية!
إن القوى التي اعتبرت “الليبرالية” هي العدو الرئيسي في بداية تولي الديكتاتورية الدينية الحكم في إيران؛ لا حصر لها، وسقطت بنفسها على الفور في حضن “الرجعية الحاكمة” أو أن الرجعية الحاكمة ابتلعتها! إن الاختيار السلبي ينطوي على نتيجة عكسية، وأحياناً ما يكون مميتاً!
وحدة القوى في جبهة موحدة: إن التركيز على الديكتاتورية باعتبارها العدو الرئيسي للمجتمع هو الوجه القانوني الرئيسي الذي لا ينبغي تجاهله. وتسليط الضوء على الفروق الفرعية داخل الجبهة المناهضة للديكتاتورية يفتح الطريق أمام البراغماتية أو الانتهازية، ويستهدف وحدة القوى داخل الجبهة، وفي الخطوة التالية يبطل مفعول الجبهة المناهضة للديكتاتورية، وهو الأمر الذي يخدم مصلحة الديكتاتورية الحاكمة.
والجدير بالذكر أن المنابر السياسية، والمخططات، والسيناريوهات مستمدة من هذا الوجه القانوني. والحقيقة هي أن أي منبر سياسي يتمكن من أن يكون متفقاً مع واقع المجتمع ورغبات المواطنين سيكون أكثر شعبية، وبالتالي سيكون أكثر نجاحًا، خاصة إذا كان “صاحب المنبر” يتمتع بسجلات موثوقة، ومحبوب شعبياً، ومؤهلاً. وينطوي هذا الوجه القانوني على الحرية، ورد الحقوق لأصحابها، والمساواة والتعددية والعلمانية وحتى نوع النظام الحاكم.
وحدة الأراضي: إن الإيمان بوحدة أراضي البلاد هو وجه قانوني آخر لمواجهة الدكتاتورية في إيران، وهو أحد عوامل الوحدة بين الجبهة الشعبية. ونؤكد على أن تجاهل هذا العامل سيخدم مصلحة الديكتاتورية، وسيؤدي إلى سفك المزيد من دماء المواطنين الإيرانيين. والقوة التي يمكنها أن تبقى صامدة في ساحة القتال هي القوة الملتزمة بهذا الوجه القانوني وتصر على موقفها. 
الجمهورية والديمقراطية: لم يتولى الحكم في بلد مثل إيران نظام “جمهوري” و “ديمقراطي” حتى الآن. لقد تم العيش في كنف الأنظمة “الملكية” أو “الولاية الفقهية”، وكرهها ويكرهها المواطنون؛ نظراً لأنها في الأصل أنظمة دكتاتورية ومناهضة للديمقراطية. لذلك، فإن أحد الأوجه القانونية التي من شأنها أن تجعل تقدم النضال حقيقياً ومضموناً، هو الدعوة للجمهورية والديمقراطية والالتزام بهما؛ لأنها من شأنها أن تنير الطريق أمام جميع فئات الشعب الإيراني في “الحرب المشتركة” قاصدين تحقيق هدف مشترك، وأن تروج له وتمضي به قدماً. 
فصل الدين عن الدولة: إن مواجهة الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران من أعقد المواجهات في التاريخ؛ نظراً لأن الجانب المهيمن على هذا النوع من الديكتاتورية يتم باسم “الدين”، وهو أمر نادر أو فريد في التاريخ، خاصة في بلد يتغلغل فيه الدين في نسيج المجتمع، وتلجأ فيه الديكتاتورية إلى إساءة استخدامه. ولا ينبغي أن ننسى أن ضرب الدين بعرض الحائط ومعاداته في مثل هذا البلد (إيران) يعني العبث في بلد الدكتاتورية، وأن المستفيد الأول منها هو الديكتاتورية الحاكمة. بناءً عليه، لا يجب أن نشك في أن حامل لواء محاربة الديكتاتورية الدينية ليس منكراً للدين، بل هو مؤمن بفصل الدين عن السياسة! 
الوعي بالتهديدات
إن الوعي ضرورة حتمية في رحم النضال، نظراً لأن الأنظمة الديكتاتورية دائماً ما تهدد النضال والجمهورية والديمقراطية وحقوق الشعب. والجدير بالذكر أن العديد من الخطوط الحمراء، والأوامر والنواهي تنطوي في باطنها على أن تجاهل مبدأ الوعي من شأنه أن يغيِّر المصير.
إن ما تم الإشارة إليه أعلاه ليس سوى جزء من الأوجه القانونية التي تحكم النضال الناجح ضد الدكتاتورية الحاكمة في إيران. وإذا كان قد تم اتباع الأوجه القانونية في انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة، لكانت الإنجازات والنتائج التي تم الحصول عليها من وراءها مختلفة للغاية بالتأكيد.
دائماً ما يسعى كل من الرجعية والاستعمار إلى عدم السماح لبديل الديكتاتورية في إيران من إيجاد المكانة الحقيقية والعملية، خاصة وأنه دائماً ما كانت ولا تزال هناك معركة غير متكافئة بينهما وبين الشعب. والحقيقة هي أن انتفاضة الشعب الإيراني اقتربت حقاً من أيامها المصيرية.
الرأي العام العالمي حول إيران!
تم التأكيد في البيانات التي نشرت مؤخراً حول الدعم الدولي لانتفاضة الشعب الإيراني ومنبر السيدة مريم رجوي، وفي الذكرى السنوية للتجمعات السنوية للمقاومة الإيرانية وخاصة في فلك “الأغلبية البرلمانية”؛ على التذكير بأهمية حق الشعب في تقرير المصير، وأنه يتعين على الشعب الإيراني أن يختار مستقبله. ونحن شركاء مع الشعب الإيراني في قيم الجمهورية، من قبيل إجراء انتخابات حرة، وحرية التجمع والتعبير، وإلغاء عقوبة الإعدام، والمساواة بين النوعين الاجتماعيين، وفصل الدين عن السياسة، وحق الأقليات القومية والعرقية الإيرانية في الحكم الذاتي، وتأسيس إيران غير نووية، وهو ما يتضمنه ميثاق السيدة مريم رجوي، رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ؛ والمكون من 10 بنود. 
خلاصة القول:
نظراً لما تم الإشارة إليه أعلاه، واقترابنا الآن من الذكرى السنوية الأولى لمقتل مهسا أميني، وبداية انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة؛ يجب قبل أي رغبة وشعار ومصالح أن تدرج “الإطاحة بالديكتاتورية الدينية الحاكمة” و “تجنب كل ما يخدم مصلحة هذا النظام الفاشي”؛ في جدول أعمال القوى الشعبية والديمقراطية. إن الرغبة والشعار سيجعلان الشعب الإيراني أكثر اتحادًا، وخارطة طريق المستقبل أكثر واقعية، وتحقيق الهدف أكثر اقتراباً. إن الجميع سيكونون بهذه الطريقة مدركين ومسئولين عن قضايا الحركة والانتفاضة، وسيفضلون مصالح الشعب الإيراني على المصالح الجماعية والإقليمية.
إن المقاومة والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية معروفان بـ “الاستقلال” والنضال من أجل “الإطاحة بالدكتاتورية في بلادهم”، ولم يضربا بهما عرض الحائط على الإطلاق حتى الآن، ودفعوا لذلك ثمنها باهظًا، وهم جادون وصامدون، ودائماً ما كانوا وسيكونون متواجدون في ميدان المعركة! 
****
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني. 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني مقدمة حين تنهار الدولة المركزية، وتتعالى أصوات الهويات المغيّبة، يُطرح السؤال الكبير: هل تكون الفيدرالية طوق نجاة أم وصفة انفجار؟ في العراق، وُلد إقليم كوردستان من رماد الحروب والحصار، وفي سوريا، تشكّلت إدارة ذاتية وسط غبار المعارك. كلا المشروعين يرفع راية الفيدرالية، لكن المسارات متباينة، والمآلات غير محسومة. هذه المقالة تغوص في عمق تجربتين متداخلتين، تفكك التحديات، وتفحص…

طه بوزان عيسى منذ أكثر من ستة عقود، وتحديدًا في عام 1957، انطلقت الشرارة الأولى للحركة الكردية السياسية في سوريا، على يد ثلة من الوطنيين الكرد الذين حملوا همّ الكرامة والحرية، في زمن كانت فيه السياسة محظورة، والانتماء القومي جريمة. كان من بين هؤلاء المناضلين: آبو عثمان، عبد الحميد درويش ،الشاعر الكبير جكرخوين، الدكتور نور الدين ظاظا، ورشيد حمو، وغيرهم…

عبد اللطيف محمد أمين موسى إن سير الأحداث والتغيرات الجيوسياسية التي ساهمت في الانتقال من حالة اللااستقرار واللادولة إلى حالة الدولة والاستقرار في سوريا، ومواكبة المستجدات المتلاحقة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، تكشف بوضوح أن المتغيرات في سوريا هي نتيجة حتمية لتسارع الأحداث وتبدل موازين القوى، التي بدأت تتشكل مع تغيرات الخرائط في بعض دول الشرق الأوسط، نتيجة…

اكرم حسين اثار الأستاذ مهند الكاطع، بشعاره “بمناسبة وبدونها أنا سوري ضد الفدرالية”، قضية جدلية تستحق وقفة نقدية عقلانية. هذا الشعار، رغم بساطته الظاهرة، ينطوي على اختزال شديد لقضية مركبة تتعلق بمستقبل الدولة السورية وهويتها وشكل نظامها السياسي. أولاً: لا بد من التأكيّد أن الفدرالية ليست لعنة أو تهديداً، بل خياراً ديمقراطياً مُجرّباً في أعقد دول العالم تنوعاً. كالهند،…