أحمد حسن
من أعقد القضايا في منطقة الشرق الأوسط هي القضية الكوردية من حيث تداخلها وتشابكها مع عدة دول في المنطقة أولاً، وثانياً، كونها أكبر مجموعة عرقية في العالم لم تحصل على دولتها المستقلة كوردستان، علماً أن الشعب الكوردي يملك كافّة مقوّمات الأمة من لغة وأرض وتاريخ مشترك ومصالح مشتركة بالإضافة إلى الآلام والآمال الواحدة.
وستبقى منطقة الشرق الأوسط ملتهبة، ولم، ولن تنعمَ بالهدوء والاستقرار مالم تُحَل هذه القضية حلاً عادلاً ينعم فيه الشعب الكوردي بحريته واستقلاله ضمن دولته كوردستان.
لا شك أن كوردستان سوريا جزءٌ من هذه المعضلة والتي تحتاج إلى حل إلا أنها تعاني الكثير من الإشكاليات والاعتلالات التي تحتاج إلى حلول جذرية كي تسترد صحتها وعافيتها والوصول إلى بر الأمان، ومن هذه الآفات والاعتلالات:
1-التشرذم التنظيمي والحزبي:
ثمّة حقيقة مؤلمة في المشهد السياسي الكوردي، وهي كثرة الأحزاب والمنظمات، حيث أن حضور بعضها محدود، وأعضاؤها لا يتجاوزون العشرات لا برامج لها، وعمادها الشخصوية، فتأثيرها على مسيرة تطوُّر الحياة السياسية والتنظيمية معدوم ومدمر.
لا شك أنّ هذه الشرذمة ناتجة عن الانحيازات الشخصية وضخامة «الأنا» عند الكثير من القيادات الحزبية والتي تستطيع تجاوزها والتخلص من التشرذم الحزبي والتنظيمي وحالة الدكاكينية السياسية، إن امتلكت الثقة بنفسها، وضحّت بمصالحهم وأنانيتهم الشخصية، وغلبت العام على الخاص، وأرادت فعلاً للحياة الحزبية والتنظيمية أن تبدأ.
ومن هنا، فمن الأوْلَى أن تنضمَّ الأحزاب الصغيرة إلى الأحزاب المتقاربة معها فكرياً وتنظيمياً وسياسياً بغية تشكيل أحزاب قوية مؤثرة لتنتقل إلى الحالة المؤسساتية والتحوُّل إلى رافعة نضالية لتطوير الواقع والمشهد السياسي .
2-وجود حزب العمال الكردستاني:
أحد معوّقات تطور الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية …. الخ هو تدخل حزب العمال الكردستاني السّافر منذ بداية الثمانينيات في شؤون كوردستان سوريا. هذا الحزب الذي استخدم كقفازات بأيدي الأنظمة الغاصبة لكوردستان لضرب الحركة السياسية الكوردية، وإبعاد عشرات الآلاف من شاباتنا وشبابنا عن مقاعد دراستهم وإرسالهم إلى حروب وهمية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ودفعهم إلى الموت المُحتّم، ووجّهوا بوصلة شبابنا خارج ، وأدلى زعيمهم بتصريحات أن لا أرض كوردستانية في سوريا لتكون وثيقة يحاربنا بها النظام وأعوانه، وعملوا على تخريب النسيج الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية والأسرية وخلق حالة من (الجهل المقدس) التخريب، والهدم باسم كوردستان.
وما قاموا به منذ بداية الثورة السورية في المناطق الكوردية، وغيرها دليل ساطع على تعاملهم وتنسيقهم مع الأنظمة الغاصبة من خلال تسليم واستلام المناطق الكوردية من عفرين إلى ديريك، ودعمهم بالسلاح والعتاد لتحييد الشارع الكوردي عن الثورة من خلال قتل واعتقال ونفي الناشطين والسياسيين وتوتير وتخريب العلاقات مع محيط المناطق الكوردية لإعطاء ذريعة للتّهجُّم على المناطق الكوردية داخلياً وخارجياً حيث عفرين وسري كانييه وگـري سپــي خير دليل على ذلك، ومازالوا مستمرين في سياستهم العدائية للشعب الكوردي، حيث ضربوا اتفاقيات هولير ودهوك عرض الحائط كما أنهم يتهرّبون بشتى الوسائل من الحوار الكوردي – الكوردي لضرب وحدة الصف الكوردي ومنع التشاركية (سياسياً – إدارياً – عسكرياً) مع المجلس الوطني الكوردي.
3-عدم وجود الكاريزما السياسية الوطنية:
(الشخص الكاريزماتي يمتلك رؤيةً مستقبليةً وقدرة على الإبداع والابتكار، ويستخدم ضمير نحن عند التحدث عوضاً عن أنا، لأنه لا يتصف بالأنانية والتكبر) (غيتي)
ما نحتاجه هو وجود شخصية قيادية محورية لديه القدرة على أن يكون صوته مسموعاً، ويستطيع إيصال أفكاره إلى الناس بحيث يتبنونها وينشرونها، وبالوقت نفسه يكون مستمعاً جيّداً لمن حوله فيجعلهم يشعرون بالثقة والتقدير، ويظهر لهم أن أفكارهم ومقترحاتهم أيضاً محل اهتمام وتقدير، وقد تكون الأفضل، وبهذا الشكل يكون قد شكّل علاقات ثقة واحترام مع الآخرين، وبنى جسور الثقة ومدركاً لحدوده وواجباته وتحركه رغبة في التميُّز والسعي الدائم لتطوير ذاته، وبهذا الشكل تكون هذه الشخصية مرجعاً وطنياً تلتف حوله كل الفعاليات المجتمعية (سياسية – اجتماعية – ثقافية – اقتصادية – …….. ) .
4-النضال عن بعد:
وهذه الحالة خلقت مع بداية الأزمة السورية حيث الهجرات المرعبة لملايين السوريين عامة، والكورد بشكل خاص إلى دول الجوار وأوروبا وأمريكا وغيرها، فأفرغ الخزان البشري في المناطق الكوردية نتيجة هجرة الطاقات الشبابية والنخب السياسية والثقافية والعلمية والأكاديمية …… الخ حيث أدت إلى هروب الكثير من النخب السياسية والثقافية من المسؤولية، وتكاثرت منظمات المجتمع المدني بشكل مرضي كما تكاثرت الأحزاب داخل الوطن بلا معنى وضرورة وتشتتت الطاقات وبات كل يغني على ليلاه ويدعي بأنه يناضل ويقوم بواجبه الوطني دون أي نفع يذكر مع جل احترامنا وتقديرنا لمن يناضلون بصمت وحكمة لايصال معاناة شعبهم إلى الجهات الدولية المؤثرة ويفيدون الشعب والقضية. بالمقابل لو تضافرت الجهود، واتحدت كل الطاقات وشكلت لوبي يمثل الشعب الكوردي في كوردستان سوريا لكان أكثر تأثيرا وانتاجا ونفعا للشعب والقضية.
5-انعدام التكنوقراط :
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أحزابنا ومنظماتنا تحتاج إلى قيادات تكنوقراط يمتلكون قدراً وافراً من المهارات والصفات القيادية والشهادات العلمية والمعرفة الثقافية، والأداء الحسن، متمكنة من تطبيق منهج علمي مدرروس لحل المشاكل التي تواجه الحزب والارتقاء به لكي يكون مؤثرا في نهوض المجتمع من خلال العلاقة الجدلية بين الشعب وحركته السياسية.
6-عدم وجود جبهة موحدة:
من ينظر إلى اللوحة السياسية والتنظيمية في كوردستان سوريا سيجد التشتت والانقسام المروع لأسباب (داخلية / خارجية) والتي أضاعت بوصلة النضال السياسي، ومن هنا فلا بد من عقد مؤتمر قومي كوردي وفق معايير قومية وطنية بخصوصية كوردستان سوريا لتشكيل جبهة مُوحّدة تجمع كافة القوى والأحزاب الرئيسية والمؤثرة في المجتمع الكوردي وهنا لا بد من الإشارة إلا أن المجلس الوطني الكوردي يشكل لبنة أساسية في هذا الاتجاه لكنه يحتاج إلى التوسع واستيعاب كافة التيارات والقوى.
7-تطوير النظام الداخلي والبرنامج السياسي للأحزاب:
لا زالت الأحزاب الكوردية في كوردستان سوريا تعمل وفق النظام الداخلي والبرنامج السياسي اللذين وُضِعا من قبل نخبة من مثقفي ستينيات القرن الماضي (لهم ألف تحية) لكن بعد كل هذا التطور التكنولوجي والاقتصادي والسياسي والثقافي وتغيير الكثير من الأنظمة العالمية وانهيار الأنظمة الاشتراكية وتشكيل دول جديدة وظهور ثقافات وأنظمة وسياسات جديدة ألا يحق لنا كأحزاب كوردية أن نغيّر ونطوّر برامجنا ونظامنا بما تتوافق مع طبيعة المرحلة وروح العصر.
8-عدم وجود معيار قانوني وأخلاقي لتعريف الحزب:
التكاثر السرطاني للأحزاب الكوردية لامبرر له، ولا يعبّر عن التنوع الطبيعي والتعددية السياسية المحقة والتي شوّهت كثيراً اللوحة السياسية الكوردية، ومن هنا فلا من وضع أسس ومعايير قانونية وعلمية وأخلاقية وقومية ووطنية لتأسيس أي حزب وتطبيقها على الأحزاب الموجودة من حيث الاسم وعدد الأعضاء والبرامج والنظام الداخلي، ومبررات تأسيسه وإلا فليحارب من الجميع، ويمنع ويحرم التعامل معه .
هذه بعض الإشكاليات والآفات التي تعترض مسيرة تطورنا في كوردستان سوريا التي لو تجاوزناها، وأوجدنا حلولاً ناجعة لها لاختصرت الكثير من الوقت والمعاناة لمأساتنا الكوردية، ورست بحركتنا إلى برّ الأمان وخلقت حركة قوية صلبة، وبالتالي مجتمع قوي للحصول على حقوقه القومية في اطاره الإنساني والدستوري في سوريا فيدرالية اتحادية.
1/2/2023