عفرين ما بين الاحتلال و الزلزال وتقاعس الأحزاب الكردية

عبدالعزيز قاسم 

من المعلوم أن منطقة عفرين (كورداغ) تعرضت وقبل خمس سنوات من زلزال(مرعش) المدُّمر والذي حدث في السادس من شباط من العام الجاري، والذي فاقم معاناة المناطق التي أطلق عليها ب (المناطق الآمنة!)
جزء من ذلك المخطط بدأ إثر (غزو عفرين) بضوء أخضر أمريكي _روسي، وعلى مرأى ومسمع من (العالم الحر !) وبعملية عسكرية جوّية وبرّية واسعة في العشرين من كانون الثاني (يناير) ولغاية الرابع والعشرين من آذار من العام 2018 وبقوات برية رديفة للجيش التركي قوامها عصابات الإجرام والقتل، النهب والسلب وعما تسمى ب(المعارضة السورية الموالية لأنقرة)، وبعد احتلال عفرين تم تسجيل أكثر من مئة وخمسون ألف لاجئ كردي من قبل الأمم المتحدة وقد وضعوا في مخيمات (بتل رفعت) ، 
وبحسب منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس وتش)، فقد بلغ إجمالي المُهجرين الكرد ومنذ الهجوم التركي ولغاية شهر أيار من العام نفسه، أكثر من ثلاثمئة الف مُهجر، والاحصائيات الحالية تقدر ذلك الرقم بأكثر من أربعمائة ألف مهجر كردي لتصل نسبة الكرد في عفرين إلى الربع بعد أن كانت تفوق ال95%.
وإثر الاحتلال المذكور ولاحقاً بدأت سلسلة جديدة من مشاريع إستيطان المرتزقة وجلهم من ريف دمشق (دوما و حرستا) وحمص وحماة ودير الزور مع عائلاتهم، حيث استولوا على ممتلكات الكُرد ودورهم عنوة وفيما بعد وبمؤسسات إخوانية قطرية وكويتية وحتى فلسطينية تم إقامة تجمعات إستيطانية لهؤلاء، وهم من اللذين أوفدوا بالحافلات من مناطق سيطرة النظام وبرفقة (الأمم المتحدة ومنظماتها!) وكأنها مكافأة للنظام بتخليصه من هؤلاء(المخربين) وتوجيههم نحو الكرد لأكمال عمليات التعريب والتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي والإحصاءات الحالية تتحدث عن تهجير أكثر من أربعمائة ألف كردي من ديارهم في عفرين لوحدها ناهيك عن مناطق (سريکانييه_رأس العين) و (گرێسپی _تل أبيض) وغيرهما ممن يعيشون في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة… 
لقد أثبت للعالم فشل المجتمع الدولي في إدارة الأزمات، وزيادة الطين بلّة، من خلال إطالة أمد الحروب وخلق بؤر عصية على الحل، وما التدخل التركي في سوريا و(إحضان داعش) وإجتياح المدن وعمليات التغيير الديمغرافي والقتل الممنهجة إلا جرائم ضد الإنسانية لا تستوجب الإدانة فحسب، وإنما إقامة محاكم على غرار ما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية كمحاكمات (نورنبيرغ) الألمانية ووفقاً للقانون الدولي وقوانين الحرب.
أليست الحالة الكردية السورية تستدعي (محاكم دولية)؟!
هل تهجير أكثر من نصف مليون كردي وعمليات التغيير الديمغرافية في عفرين و للكرد في سريكانييه وگرێسپي، لا تستدعي محاكم دولية؟! أم أن المجتمع الدولي متورط في تلك الأعمال والتي هي (جرائم حرب؟! ).
إنّ ما يحدث في عفرين والمناطق التي اجتاحتها تركيا ومما تسمى (بالمعارضة السورية الموالية لآنقرة) ترتكب يومياً وعلى العلن إبادة الجماعات الاثنية والقومية، وجرائم حرب ضد المدنيين في بعض الأراضي المحتلة بهدف تدمير أعراق و طبقات معينة، والقضاء على مجموعات قومية، أو عرقية، أو دينية محددة..، يبدو أن تلك المحاكمات إن طبقت على الواقع السوري ستجر قادة دول في المنطقة كتركيا وقطر وإيران  …، إلى تلك المحاكمات وربما قادة دوليون! تلك هي التهمة الثالثة في لوائح الإتهام في نورنبيرغ و هي تهمة الإبادة الجماعية.
وبالعودة إلى زلزال مرعش المدمر وما خلّفه من فوضى إضافية للمنطقة فقد ساهمت هي بالأخرى في تهجير وتشريد لمناطق في شمال سوريا وتهديم للبنية التحتية والفوقية المترهلة أصلاً، بفضل الحرب السورية وبتقاعس المجتمع الدولي عن الإسراع في إدارة أزمة ما بعد الزلزال، فالكثير من الأبنية وحتى الآن لم تصل إليها فرق النجاة، ويبدو وباليقين أنّ الضحايا بالآلاف، فالمساعدات الإنسانية وقضية فتح المعابر والتذرع برداءة الطرقات ما هي إلا حلقة من حلقات (الفوضى الخلاقة) وجرائم إضافية لحقوق الإنسان، ويبدو أن الزلزال المدمر قد أظهر للعيان، مدى البؤس الذي كان يرزح تحته سكان (المناطق الآمنة!) بحسب الوصف التركي لها، وفي الواقع فهي مناطق مسلوبة الارادة وتعيش تحت سيطرة وقمع الميليشيات المسلحة و المدعومة إقليمياً ودولياً وترتكب وعلى مدار اليوم جرائم ضد الإنسانية، ضاربة بعرض الحائط المحرمات وأدنى حقوق البشر وحتى في أعقاب الزلزال المدمر لم تتوقف تلك الجماعات في إظهار مدى حقدها الدفين وإجرامها و(عنصريتها) المعهودة بحق الكرد، فالمرتزقة التابعة للإحتلال التركي يوظفون (المساعدات الدولية) والخيرية وبشكل إصطفائي، ويحرّمون الكرد منها، وقد وزعت على (عوائل المستوطنين) ، وحتى في (جنديرس) المنكوبة، رصدت منظمات حقوقية مئات الانتهاكات بحق الشعب الكردي، ومنها وضع العراقيل أمام الجمعيات الخيرية وتقاعس البحث عن ناجين بين الأنقاض ونهب وسرقة الحوانيت والمحلات والبيوت العائدة للكرد وحتى تركوا هؤلاء في العراء بدون خيم أو مساعدات ولقد استغلّ كلٌّ من النظامين التركي والسوري الكارثة فهي أعطت فرصة مجانية وذهبية للنظام السوري في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وكذلك ما يفعله النظام التركي وعبر وسائل إعلامه والقنوات الإخوانية المغرضة، لمناشدة الدول لتقديم يد العون لضحايا الزلزال وعبر الدولة التركية، مظهراً الأخيرة كحامية للإنسانية وملاذاً آمناً لضحايا الحرب السورية، متناسية أنها جزء من المشكلة واستدامة لأمد الحرب السورية خدمة لأجندات الطورانية التركية في القتل والتدمير… 
وفي رأيي الشخصي: في ما لو وقفت الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني الكردية بجدية تجاه شعبنا في عفرين من خلال تعرية الممارسات الإجرامية ومنذ العام 2018 بحق المناطق الكردية المحتلة وذلك من خلال إقامة مظاهرات في العواصم الأوربية، منددة بإحتلال عفرين وسريكانييه، وما حدثت لتلك المناطق من تطهير عرقي ممنهج ، شاركت فيها دولٌ كالكويت وقطر ومنظمات تصنف إرهابية كمنظمة (حماس الفلسطينية) من خلال الدعم المالي والمعنوي للمستوطنين في المناطق الكردية المحتلة من قبل تركيا و منذ العام 2018 و حتى اليوم .
إنما يقع اليوم على عاتق الأحزاب الكردية من مسؤولية هي التعريف بالواقع الكردي السوري، و إيصال قضية ( الغزو التركي) والقضية القومية الكردية على طاولة الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية وكشف المخططات العنصرية والفاشية لدولة الإحتلال التركي وعصاباتها المجرمة والسعي لحشد دعم دولي لإخراج تلك القوات الغازية و المرتزقة من المناطق المحتلة و حريٌّ بقوات التحالف الدولي إخراج (مرتزقة أنقرة) من تلك المدن والبلدات فيما اذا كان الأخير جاداً في القضاء على( تنظيم داعش) وملحقاته الإرهابية، وعدم استمالة الجانب التركي مطلقاً، لأنها مسائل تتعلق بحقوق الإنسان والتطهير العرقي.
واليوم وبكل اسف فالمجتمع الكردي في رۆژئاڤی كوردستان قد فقد الثقة بالأحزاب السياسية الكردية، ناهيك عن حزب ( P.Y.D) الذي لايحمل أجندات قومية كردية والذي أصبح عبئا إضافيا على القضية الكردية، بل وحتى بتلك التي تدعي تبنيها (المشروع القومي)، إلا أنه في الوقت ذاته، لم تتراجع ثقة الشعب الكردي بقضيته القومية رغم كل محاولات طمس الهوية القومية وعلى العكس من ذلك تماماً نرى إصرار شعبنا على التمسك بقضيته اليوم أكثر من ذي قبل ولاسيما بعد الزلزال المدمر، وما التكاتف القومي والإنساني للأمة الكردية في جميع أنحاء كوردستان والشتات، والتي سارعت لإنقاذ إخوتهم وتقديم يد المساعدة لضحايا الزلزال في مرعش وجنديرس وكسر حواجز الإحتلال وليتم التركيز مرة أخرى على الوضع في منطقة عفرين المحتلة والمنكوبة ورغم ما يحتاجه أهلنا هناك ولاسيما ( جنديرس وحلب ذات الأحياء الكردية المحاصرة ومنذ سنوات و إلى يومنا هذا) الى دعم مادي ومعنوي، إلا أن هناك ما هو أولى، ألا وهي القضية الكردية السورية كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية وخاصة قضية المناطق المحتلة ومصير الشعب الكردي فيها وإظهارها للمجتمع الدولي وعلى أن المشكلة الحقيقية هي في حالة (الإحتلال) التي ترزح تحته تلك المناطق وتعرية الأعمال الاستيطانية والتهجير والتغيير الديموغرافي الممنهج على يد الدولة التركية وأدواتها المجرمة..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…