ما سر حب قادة العرب للمجرمين؟

د. محمود عباس

عذرا يا (متنبي) الأمة العربية ليست بخير، تعاني الويلات من قادة تورث بعضها ليس الحكم فقط، بل الفساد والنفاق والطغيان، وإغراق شعوبهم في الجهالة؛ رغم ما سكب الله عليهم من الخيرات. لذلك كان لا بد من التلاعب بمقولتك المشهورة، رغم أنني لست ضليعا باللغة العربية: (يا قادة ضحكتْ من جهلكم الأممُ). 
 وما أجمل تسخير حكمتك التالية المنسقة بروعة أدبية على ما يجري اليوم بين قادة العرب (إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا) وكان لا بد من قولها في المتطبعين مع بشار الأسد.
بشار الأسد لئيم، ومجرم حرب؛ بكل المقاييس؛ الإنسانية والإلهية؛ التطبيع معه يزيده عنجهية. تمرد على الشعب السوري قبل أن يتمردوا عليه، نهبهم وعبث بهم قبل أن يثوروا على نظامه، خلف مستنقعات من الدماء، قبل أن يدافعوا عن ذاتهم ويحاربوه، أضاف صفحات سوداء مليئة بالقذارات والدمار على تاريخ سوريا، يجب أن يُلعن لا أن يُستقبل ويزار. 
 لكن وبما أن معظم قادة الأنظمة العربية وغير العربية في المنطقة إما منافقة أو نسخ مشابهة له أو تملك الكثير من مواصفاته الإجرامية، وتتعامل مع شعوبها بسجية مماثلة، تناسوا بشائعه وجرائمه، وتسارعوا نحو التطبيع معه عند أول فرصة سنحت لهم، البوابة التي فتحها أردوغان؛ عراب المنظمات المعارضة السورية التكفيرية التي دمرت الثورة وقضت على شعار إسقاط النظام. 
 تكالبت التصريحات حول إعادة المجرم؛ إلى الحضن العربي الغارق في الفساد والأوبئة السياسية، مستغلين كارثة الزلزال كبوابة للتطبيع، والتي هي رسائل ترهيب إلى شعوبهم، يريدونهم أن ينسوا طغيانهم، وإلا فمصيرهم سيكون مماثل لمصير الشعوب السورية.
 بعضهم كانوا ينتظرون مثل هذه الكارثة، كارثة الزلزال، فتحتَ غطاء مطالب المنظمات الإنسانية، ومنطق تقديم المساعدات،  فتحوا الأبواب على النظام المجرم، وأخرون استغلوها لتمرير أجنداتهم، وفي الحالتين يستخدمون منطق التطبيع، إلى درجة أن البعض منهم طلبت من أمريكا تخفيف حدة حصار قيصر، علما أن الشعب السورية المتآذي من الكارثة الذي يحتاج إلى قرابة 8 مليارات دولار حسب منظمات هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لم يستلم حتى الأن إلا الفتات من المساعدات، ومعظم ما يرسل يسخرها النظام لتثبيت سلطته، فما وصل نهب أغلبيتها النظام والمنظمات العسكرية السورية التكفيرية المعارضة.
المطالبون بالتطبيع ينقسمون إلى شقين، طرف يريد إعادته إلى الحضن العربي، دون أن يكون لهم القدرة ولا الرغبة على تقديم المساعدات المادية لإنقاذ الشعب من الكارثة، وهؤلاء يتبعون الإستراتيجية الروسية-الإيرانية في المنطقة، ومن بينهم العراق ولبنان والجزائر، ورغم أن الإمارات وعمان يبديان الحياد إلا أنهما ينتهجان المسيرة، حماية للذات من التدخلات الإيرانية.
والطرف الأخر يريدونها كخط دفاعي لحماية سيادتهم من الطموحات التركية – الإيرانية، وفي مقدمتهم السعودية ومصر، تنجر معهم الكويت والبحرين والأردن وربما المغرب. وهؤلاء ينساقون مع الإستراتيجية الأمريكية، أو بإملاءاتها، والتي لا ترى في النظام مستقبلا مثلما لا تأمل خيرا في المعارضة المتحولة إلى منظمات فاسدة ومجموعات من المرتزقة. 
المجموعة العربية الأخيرة بدأت تعي ما كان يجري في جميع المؤتمرات التي عقدت في أستانة وسوتشي وجنيف حول القضية السورية، والتي لم يحصل فيها أي خلاف بين تركيا وإيران وروسيا في الوقت الذي كانت أدواتهم تقاتل بعضها بضراوة على أرض الواقع، في المناطق السورية، ففي المؤتمرات كانوا يتفقون وفي المعارك كان كل طرف يساعد أداته، والضحية كانت سوريا وشعوبها وتآلفهم الإنساني. فالأطراف السورية المتصارعة خلقت البيئة الملائمة لتركيا وإيران وروسيا لاحتلال الوطن. والفرق بين تركيا وإيران وروسيا، وهي أن:
 إيران كانت تساهم بشكل مباشر في المعارك، وقدمت الألاف من المليشيات كضحايا إلى جانب جيش بشار الأسد، وروسيا ساهمت بجنودها وعتادها للحفاظ على النظام، كلفتها العديد من الضحايا والكثير من العتاد وخسائر مادية باهظة، لم يهمهم مصير سوريا وشعوبها مثلما لم يكن يهمهم مصير الآلاف من الشباب الذين جلبوهم من بلدان مختلفة، بقدر ما كان يهمهم الهيمنة على سوريا.
تركيا كانت أخبث منهم، فلم تقحم جيشها في الصراع، قدمت القليل من الأسلحة، مع فتح حدودها كمعابر لمرور الإرهابيين والمساعدات الخارجية خاصة القادمة من قطر، سخرت المنظمات المعارضة السورية العسكرية لتحقيق مراميها، حولتهم إلى مجموعات من المرتزقة، عبثوا ليس فقط في عفرين وكري سبي وإدلب، بل استخدمهم أردوغان في حروبه الخارجية، وتمكن من خلق شرخا مرعب بينهم وبين الشعب السوري العربي والقوى الوطنية الأخرى وخاصة الشعب الكوردي وحراكه. 
تتبين بأن الدول الثلاث كانت تتفق بعد كل مؤتمر على تطوير نوعية الصراع،  وعرض ذاتهم عرابة القضية السورية، من خلال وجهي التناقض، ما بين النظرية والمؤتمرات وما كان يجري على الساحة السورية وأرض المعارك، علما أنهم لم يعملوا بشكل منطقي لإيقاف الهجرة ولم يبحثوا يوما في تغيير النظام، بل فاقموا من مآسي الشعب وآلامه، وكوارثه، ونقلوا قسم كبير من الشعب المعارض إلى المخيمات ليتمكنوا من تجويعهم وعزلهم ومن ثم التحكم بهم. 
 حينها كانت الدول العربية المهرولة اليوم نحو التطبيع صامتة وبذل، وللتغطية على دورهم الفاشل عقدوا عدة مؤتمرات وشكلوا منصات فاشلة، ووزعوا عدة ملايين من الدولارات لشخصيات مطعونة في مصداقيتها ووطنيتها، سخروهم للتغطية، وبعد سنوات قليلة اندثرت المنصات وغابت الشخصيات مع الزمن. 
 وبالمقابل تمكنت تركيا من احتضان المعارضة فعومت الفاسدة منها والقابلة للارتزاق، وأضاعت الوطنية والنزيهة منها، وحصرها ضمن إطار معين، بحيث لا تتجاوز أوامرها، وبتلك الطريقة تمكنت من القضاء على المعارضة السورية الوطنية، وساعدت إيران وروسيا للحفاظ على النظام في دمشق. وقد كانت هذه خدمة لا تقدر بثمن للدول العربية الفاسدة من خلال ترهيب شعوب المنطقة من الثورات الشعبية، فأظهروها وكأنها تقاد بمجموعات المرتزقة والمنظمات التكفيرية الإسلامية.
 حققت تركيا وإيران وروسيا عدة غايات منها: القضاء على الثورة السورية بعد تشويهها، تدمير المفاهيم الوطنية والقيم الديمقراطية في المنطقة، وحصرها ضمن الموجة الإسلامية الراديكالية. إيجاد منظمات تكفيرية ومجموعات من المرتزقة، لمواجهة أي صعود للقوى الكوردية والمتوقعة أن تصحح مسيرة الثورات وتخلق إشكالية في الدول المحتلة لكوردستان، وخاصة تركيا وإيران، الذين صرفا، أموال طائلة في كل مناطق كوردستان لنشر الإسلام السياسي وعلى البعد المذهبي الشيعي والسني المتطرف، وغايتهم نقل الصراع القومي مع الدول المحتلة إلى صراع مذهبي داخلي، وهذا ما يلاحظ  تناميه في جنوب وشمال كوردستان، حيث المد الديني التكفيري إلى الحدود غير المعقولة، وانتشاره بين العنصر النسائي، علما أن المرأة الكوردية معروفة بتحضرها العفوي، إلى جانب توسيع شرخ الخلافات السياسية بين أطراف الحراك الكوردستاني.
 فنهضة قادة بعض الدول العربية، ومواجهة المد التركي والإيراني، عن طريق التطبيع مع نظام بشار الأسد الغارق في الإجرام، جريمة بحق شعوب سوريا بل وشعوب المنطقة عامة، وعليهم ألا ينسوا أن أمريكا سوف تستمر على استراتيجيتها والتي من ضمنها تغيير النظام، وبالتالي سوف لن ترحمهم التاريخ، ولن تغفر لهم شعوب المنطقة وبشكل خاص السورية، وخير ما يمكن أن يقدموه لذاتهم ولشعوبهم وللمجتمع السوري إزالة المعارضة السورية المرتزقة الفاسدة، ودعم الحراك الكوردستاني للعمل معا على إسقاط نظام بشار الأسد، وهي أنسب الطرق للحد من المد التركي – الإيراني والتخلص من خطرهما.  
الولايات المتحدة الأمريكية
4/3/2023م
 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد ابراهيم منذ أربعة عشر عامًا، كان الأطفال السوريون يعيشون في مدارسهم، في بيوتهم، في أحلامهم. كان الحلم بالغد أقرب إليهم من أي شيء آخر. وكانوا يطمحون لمستقبل قد يحمل لهم الأمل في بناء وطنهم، سوريا، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عزةٍ وكرامة. كان العلم هو السلاح الوحيد الذي يمكن أن يغير مجرى الحياة. لكن بعد ذلك، غيّرت الحرب…

اكرم حسين لطالما كان الكرد في قلب الجغرافيا الشرق أوسطية أحد أكثر الشعوب تعرضاً للتهميش والاضطهاد القومي، بالرغم من كونهم يشكلون ثاني أكبر قومية في المنطقة بعد العرب، ويملكون تاريخاً عريقاً وثقافة غنية ومطالب سياسية مشروعة في الاعتراف بهويتهم القومية وحقوقهم في الحكم الذاتي أو المشاركة العادلة في السلطة. في تركيا وإيران وسوريا والعراق، تكررت السياسات ذاتها: إنكار…

دلدار بدرخان لم يعد اليوم بالأمر الصعب أن تكشف افتراءات وأضاليل الجهات التي تحاول تزوير التاريخ وتشويه الحقائق كما كان في السابق، فما هي إلا كبسة زر لتحصل على كامل المعلومات حول أي موضوع أو مادة ترغب بمعرفته، ولم يعد الأمر يحتاج إلى مراجع وكتب ضخمة غالبيتها مشبوهة ومغلوطة، بل يكفي الاتصال بالإنترنت، ووجود هاتف بسيط في متناول اليد، وبرنامج…

بوتان زيباري في قلب النقاشات، كانت الأصوات تتعالى لتؤكد أن هذه الأرض، التي يسميها البعض “كوردستان سوريا” أو “غرب كردستان”، ليست ملكًا حصريًا لقومية واحدة، وإن كان للكورد فيها حق الدم والعرق والتاريخ. بل يجب أن يُبنى الإقليم المرتجى بروحٍ تعترف بجميع مكوناته من عرب وآشوريين وسريان وغيرهم، كي لا يقع البناء الجديد فريسة لمرض القوميات الذي مزق سوريا…