إبراهيم محمود
الحكاية التي تكون حكاية هي التي تُروى، ولأنها تُروى فهي تستمر في الوجود، من خلال الذين يتناقلونها، شعوراً منهم، أنهم بذلك يؤكّدونها، كلٌّ بطريقته، إنما باتفاقهم جميعاً أنها حكايتهم، مثلما كانت حكاية جدهم الأول الذي لا يعرفون عنه إلا القليل، لكنهم يصِلون به نسَباً .
والحكايات ليست واحدة، في مقصدها، وموردها،كما هو معروف، فلكل حكاية محتوى، وتوجه، ومعنى أو أكثر من معنى أيضاً. ولعل الذي رويَ بلسان شهر آذار يستحق النظر فيه، أي” شهر آذار الذي روى حكايته الكردية الغريبة “. ماالذي رواه شهر آذار هذا؟:
زعموا أن الشهور الاثني عشر اجتمعت في مكان ما، ودون تحديد الزمان، وليجري اتفاق أو شبه اتفاق فيما بينها، وهي تتقاسم أمماً وشعوباً وجماعات فيما بينها، ولكل شهر حجَّته، وبيان حجته، إزاء اختياره لنسبة منها. وربما كان الذي تركّز عليه خيار شهر آذار، وسببه، هو الأكثر غرابة، والذي أثار فضول بقية الشهور، وهي تصغي فاغرة فاها، ومثبتة عيونها دون رف جفن على ما سمعته من شقيقها الشنوي آذار. وهأنذا أعرض ما تفوَّه به آذار:
أما بالنسبة لي، فلا أختار سوى الكرد، من دون كل الأمم والشعوب والجماعات في العالم، لأن الذي يميّزني، هنا في هذه الرقعة الجغرافية، التي أعرفهم فيها وتاريخها المنقول، وما أعرَف به من صفات، هو الذي يحفّزني لأن أشدد على خياري هذا، ولا أرى سواهم، َمن تشملهم صفاتي هذه، مثلما أنهم أنفسهم، لا يستطيعون أن يجدوا شهراً، تتجاوب مشاعرهم، وأحاسيسهم، وهواجسهم، وأفكارهم، وخيالاتهم، ومفاجآتهم، مع أيامه، وأحواله، في ليله ونهاره، مثلي.
وإذا كان علي أن أوضح ذلك، ففي النقاط التالية، وهي متسلسلة، ومتكاملة مع بعضها بعضاً:
أنا الشهر الذي يلتقي فيه البارد والحار، الهدوء والاضطراب، لأوله ما يشده إلى ما قبله شتاء، وربما يقدَّمه مما يليه ربيعاً، ولنهايته ما يبقيه مشدوداً إلى ما قبله، أو يفصله عنه أحياناً، فأنا هنا الفاصل بين فصلين: حدّين، أو وضعين في غاية الاختلاف، صباحي الباكر شتوي، وبعده بقليل، صيفي قليلاً، ويرجع الشتوي مساء وفي الليل أكثر، وربما ينقلب هدوءه عواصف ورعوداً وأمطاراً وفيضانات، وربما تشهد بداياته أو أواسطه أو نهاياته أمطاراً غزيرة، وقد لا أدر نقطة ماء واحدة من السماء، وربما تغطي الغيوم سمائي قائمة مصحوبة ببروق دون أن تمطر، وربما تتشكل الغيوم سريعاً، وتمطر بغزارة، وقد يخرج الناس من بيوتهم فرحين مبتهجين بصفائي ونقائي وسكوني، يصدمون بالطارىء، حين يتعكر مزاجي، وتهب رياح باردة وزوابع، أو أبرق وأرعد وتعتم السماء، ليهرع الناس إلى بيوتهم .
وإذا طُلِب مني المزيد، عما يجري، ولماذا يجري هكذا، فليس هناك من جواب صريح بذلك، إنما هو المسجّل باسمي، وحيث تشهد منطقة انتشارهم وتواجدهم بذلك، وليس من تاريخ محدد يحدد بداية لما يجري، حيث تختلط درجات الحرارة، دون ميعاد، وتتمازج المشاعر والأحاسيس وهي في تنوعها وتعارضها، دون ميعاد، فيكون فرح، وفي الحال ينقلب حزناً، ويكون هدوء، وفي الحال ينقلب توتراً، وبهذا، أستطيع أن أبرّر سبب اختياري للكرد، والزعم بأنني الشهر الذي يعرَفون بي، أو أعرَف بهم بالمقابل، وهو ما يسهل التعرف عليه في قصائد شعرائهم، وفي كتابات مؤرخيهم، ومواويل مغنيهم، وخيالات فنانيهم، وأهازيج مطربيهم، وروايات حكواتيهم.
عندها، لم يكن هناك من اعتراض على خيار شهر آذار، إنما كان هناك إجماع من قبل الجميع على أن أكثر الخيارات دقة وتعبيراً لما يجري، ومع من، وكيف، تمثل فيما رواه شهر آذار.
وحين أورد هذه الحكاية، وأنشرها، أترك أمر شرحها، أو النظر فيها، أو التعليق عليها، لمن في نفسه منبّه آذاري، أو شعور بما هو آذاري، لأنه في الحالتين لن يتجاوز نطاق أوصاف آذار!