شاهين أحمد
بداية من الأهمية بمكان التمييز بين ميليشيات مسلحة منفلتة وبين المكون العربي السني الكريم ، مثلما لايجوز تحميل المكون الكوردي المظلوم مسؤولية تصرفات حزب العمال الكوردستاني ، وهكذا بالنسبة للمكون العلوي حيث لايجوز أن نحمله مسؤولية ماقام به نظام البعث طوال ستة عقود من ظلم بحق الشعب السوري، وكذلك بالنسبة لبقية المكونات. وهذا لايعني قطعاً أن نقفز فوق الحقائق أو نتساهل مع الإرهابيين والقتلة، ولكن علينا أن نتعامل بكل وعي وحكمة وهدوء مع الجريمة الإرهابية الجبانة التي ارتكبها عناصر من ميليشيا مايسمى بـ جيش الشرقية، وهو فصيل في إطار مايسمى بـ ( الجيش الوطني )، والذي بغالبيته عبارة عن مجاميع مسلحة غير منضبطة ومن بقايا الذين هربوا من مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في مختلف المواقع وبايع بعضهم التنظيم المذكور،
كما تركوا خنادق المواجهة مع جيش نظام البعث في دمشق وأريافها وحمص وشمالها حلب وقسم من أرياف ادلب وحماه…إلخ، وسلموا تلك المساحات لقوات النظام وركبوا الباصات الخضراء، وتوجهوا صوب الشريط الشمالي والشمالي الشرقي حيث مناطق كوردستان سوريا. وتلك المجاميع بغالبيتها متصارعة ومنفلتة وغير مهنية ويغلب عليها الإسلام الراديكالي وتتقاطع غالبيتها فكرياً وعقائدياً مع فروع تنظيم القاعدة، لابل تخترق صفوفها العديد من الأمراء والقيادات التي بايعت وعملت في صفوف داعش والنصرة في مراحل مختلفة من الصراع الدامي في سوريا ثم شاءت الأقدار وحكمت الظروف أن وجدت نفسها مسيطرة على مساحات واسعة في المناطق المذكورة وذلك بعد دخول الجيش التركي لتلك المناطق. وتتكامل ممارسات تلك الميليشيات مع المشروع الذي ينفذه حزب العمال الكوردستاني والذي نقل كامل صراعه مع الدولة التركية إلى خارج ساحته ولم يدخر جهداً في توفير كل الحجج والذرائع لدخول الجيش التركي برفقة تلك الفصائل إلى تلك المساحات وخلال مراحل زمنية متتالية ، وجدير ذكره أن كوادر pkk وحلفائهم حاولوا تسليم عفرين “خالية ” تماماً من سكانها الكورد. كما أن غالبية منتسبي تلك الميليشيات تتخذ من السلاح وسيلة لفرض هيمنتها ونهب ممتلكات المدنيين في مواقع سيطرتها دون أي رادع . وهذه الجريمة الإرهابية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة نظراً لغياب أية مشاريع أو خطط جدية من شأنها دمج تلك المجاميع المسلحة وتثقيفها بالثقافة الوطنية ومأسسة عملها ووقف الانتهاكات والفلتان الأمني والفساد المالي الذي تحول إلى جزء من معاناة يومية للسكان المدنيين في عموم مناطق سلطات الأمر الواقع المختلفة والمنتشرة في مساحات سوريا وخاصةً في تلك المناطق ولإفتقارها لمحاكم مهنية مختصة ومستقلة نظراً لتابعية تلك المحاكم بالمطلق إن وجدت للفصائل المسلحة التي تتقاسم تلك المساحات وتنظر إليها ووتتعامل معها كمزارع واقطاعات لأمرائها وعناصرها . ولانفشي سراً إذا قلنا بأن تركيبة المعارضة السورية بالأصل هي تركيبة غير متجانسة ومعروفة للجميع ويغلب عليها الأسلمة السياسية والشوفينية القومية مع جل احترامنا للشرفاء ولدماء الشهداء وللشخصيات والقامات والشرائح الوطنية التي دفعت تضحيات جسيمة من دماء أبناءها ومفقوديها وممتلكاتها ومازالت تناضل لتغيير هذا المشهد الملبد بالسواد. ويجب أن لا يغيب عن بالنا مافعله البعث طوال ستة عقود من محاربته لأي حراك فكري – سياسي وطني سوري معارض وبالتالي تم تغييب الحياة السياسية بشكل شبه كامل وترك المجال ليزحف التصحر السياسي على طول مساحة الوطن وعرضه في دولة البعث. وهناك بدون أدنى شك جملة من العوامل الذاتية التي تتعلق ببنية مجتمعاتنا والتي هي في جوهرها مجتمعات قبلية – عشائرية محكومة بموروث متخلف وجامد وصعب التجديد وتسودها ثقافة المجتمع الأهلي المتخلفة ، وتعاني من ضعف ثقافة ومؤسسات المجتمع المدني ، وغياب شبه تام لأسس المجتمع الوطني . ومنها ماتتعلق بالعوامل الموضوعية التي تشجع بقاء التخلف والصراعات والحروب في مجتمعاتنا. وهناك نقطة في غاية الخطورة والأهمية وهي المتعلقة بحصول عملية تزاوج حصلت بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا في منتصف آذار 2011 بين بعض أجنحة الأسلمة السياسية والبعث والتي أنتجت ” نموذجاً هجيناً ” مشوهاً أخطر من البعث في شوفينيته وأشد تطرفاً من الأسلمة الراديكالية في ممارساته ومعتقداته . وبدون شك أن المجرمين الذين قاموا بإرتكاب مجزرة جنديرس ليلة عيد نوروز هم من النموذج المذكور . لذلك نلاحظ أن المجاميع المسلحة المنفلتة يتغلغل في صفوفها الهجين المذكور وتجمع بين الأحقاد الشوفينية البعثية المقيتة والممارسات الداعشية الإرهابية ، وتكاد لاتمييز في الكثير من الأحيان بين ممارسات شبيحة البعث وبين تلك التي تمارسها تلك الميليشيات التي تدعي زوراً بأنها وجدت لحماية الثورة والثوار!. وغالبية تلك الميليشيات لاتختلف عن الشوفينيين من البعث كونها كانت حتى وقت قريب جزءاً من تلك المنظومة ولاتختلف عنها في الفكر والمعتقد والممارسات، ولاتقل غالبية منتسبي تلك الميليشيات طائفية وشوفينية وشمولية وعنفاً وحقداً، وهناك ربما ميزة سلبية إضافية في بنية وفكر هذه الميليشيات وهي كما أسلفنا المعتقد الديني التكفيري حيث يعتقدون بأن نوروز يعتبر عيداً وثنياً والاحتفال به يعتبر كفراً !!. ولنعود من جديد لموضوعنا المتعلق بالعمل الإرهابي المروع الذي حدث في جنديرس ليلة عيدنا القومي ” نوروز” هذا العيد الذي نريده عيداً للسلام والمحبة والعيش الحر المشترك بين شعبنا وشعوب منطقتنا، ولكن لقوى الظلام والشوفينية رأي مختلف تماماً حيث تحاول أن تجعل من هذا اليوم العظيم يوم فرقة وكراهية وآلام ومآتم . وماحصل في” جنديرس” المنكوبة ليس حدثاً عابراً كما يحاول البعض أن يصنفه لأن منع الاحتفال بعيد النوروز ليس جديداً بل هو عمل ممنهج منذ سيطرة البعث على سوريا،ونتذكر جيداً كيف عمدت الميليشيات المذكورة على إجبار المجالس المحلية في 2019 على سحب قرارها الخاص بالاحتفال والتهنئة لأهلنا في عفرين بهذه المناسبة وإعتبارها عطلة. لذلك ماحدث هو استمرار لما حصل بحق شعبنا خلال مراحل تاريخية مختلفة ، والجديد هو أن هذا العمل المدان محاولة يائسة لإطفاء روح الكوردايتي المتنامية في أعماق أهلنا في عفرين التي أثبتت بعد كارثة الزلزال المدمر الذي حدث في 6 شباط 2023 ودخول مؤسسة بارزاني الخيرية إلى عفرين وأريافها أنها مازالت حية – قوية على نهج البارزاني الخالد . وفور انتشار خبر تلك الجريمة الشنعاء خرجت شرائح واسعة من أبناء شعبنا الكوردي بشكل عام وأنصار المجلس الوطني الكوردي بصورة خاصة وبمشاركة شرائح لابأس بها من الثوار والشرفاء من النازحين العرب تعبيراً عن رفضها لما حدث ،وإدانتها واستنكارها للعمل الإرهابي وتضامنها مع الشهداء وذويهم ، كما أدانت جهات حكومية وحقوقية عديدة ذاك الفعل الإجرامي المشين ، ومن بين الإدانات ماصدر من جانب المرجعية القومية الكوردستانية فخامة الرئيس مسعود بارزاني وكذلك من طرف رئاسة اقليم كوردستان وحكومته والتي كانت لها الأثر الإيجابي على الشارع الكوردي بشكل عام وأهلنا في عفرين بصورة خاصة، كما اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عاصفة من الخطابات والكتابات وبيانات متباينة منها موضوعية شخصت الجريمة وأسبابها وأعربت عن تضامنها مع ذوي الضحايا وطالبت بتقديم الجناة إلى محاكمات حيادية عادلة وأخرى عاطفية نارية بعيدة عن الواقع جغرافياً ومنطقياً .
خلاصة القول
مهما كانت مساحة المشتركات بين نظام البعث وبين بعض معارضي الصدفة والمحسوبين على المعارضة الوطنية كبيرة ، فإن مساحة المشتركات التي نعمل عليها ونسعى لتحقيقها بين شعبنا الكوردي ومختلف مكونات وشعوب سوريا أكبر ، والذي يجمع شعبنا بمكونات سوريا أعمق ، ومصلحتنا المشتركة مع بعضنا أهم وتكمن في التخلص من الشوفينية والاستبداد، وإعادة إنتاج جمهورية سورية اتحادية بنظام ديمقراطي مدني على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية. وتحاول الجهات المعادية للشعب السوري الاستثمار في مأساة عائلة ” بشمرك ” التي استشهدت أبناءها على يد هؤلاء الإرهابيين . ويحتم هذا الحدث على العقلاء من شعبنا الكوردي ومختلف مكونات الشعب السوري الأخرى العمل على تغليب المشتركات وإطفاء نار الكراهية وتسليم هؤلاء المجرمين القتلة إلى محاكمات مستقلة ومحايدة ومشهود لها بالنزاهة والمهنية لينالوا جزائهم العادل وليكونوا عبرة لكل مجرم تسول له نفسه بإرتكاب أفعال مماثلة ، والعمل من أجل إخراج تلك المجاميع والميليشيات المسلحة المنفلتة من كل المدن والبلدات والقرى في كامل منطقة عفرين ومناطق سيطرة تلك الميليشيات وتسليم إداراتها وأمنها لسكانها الأصليين والعمل الجاد مع الشركاء في الائتلاف الوطني المعارض كي يتحملوا مسؤولياتهم لرفع الغطاء السياسي نهائياً عن كل فصيل ثبت تورطه في الانتهاكات بحق المدنيين في عفرين وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها تلك الميليشيات . وعلى المجلس الوطني الكوردي القيام بجولة لقاءات سياسية محلية واقليمية ودولية من خلال لجنة العلاقات الخارجية للمجلس وجبهة السلام والحرية والائتلاف ، وخاصةً مع الدولة التركية كونها الطرف الذي تقع تلك المناطق ضمن مساحة نفوذها لوضع حد نهائي لتلك الأعمال الإرهابية التي تقوم بها تلك المجاميع المنفلتة. ومن الأهمية التأكيد على ضرورة التحلي بالصبر والحكمة والهدوء وتجنب التسرع والانجرار خلف الفيسبوكيين والخطابات النارية المتواترة من خلف البحار والتي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ، وقطع الطريق على الأطراف التي تتربص بتلك المناطق مثل هيئة تحرير الشام ( النصرة سابقاً ) وكذلك من جانب بقايا شبيحة البعث وأيتام داعش وغيرهم، والذين يحاولون استغلال تلك الجريمة الإرهابية للتسلل والسيطرة على جنديرس ومن ثم على غيرها من المواقع ، وعدم الخلط بين المتورطين في اضطهاد الشعب الكوردي بشكل ممنهج ، وبين المتقاعسين والمدافعين بخجل عن الشراكة وقضية شعبنا، وعدم تحميل المكون العربي السني الكريم وزر ومسؤولية ماتقوم بها تلك المجاميع المتطرفة والمنفلتة من جرائم وانتهاكات بحق شعبنا، وأن كل الشرفاء داخل المعارضات وخارجها ومن مختلف مكونات الشعب السوري مدعو اليوم إلى التلاقي والتكاتف والتعاون في الحفاظ على ماتبقى من اللوحة السورية الجميلة والغنيّة بالطوائف الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية والإيزيدية وكذلك القومية من عرب وكورد وتركمان وسريان (كلدو – آشور) ، والمذهبية من سنة وشيعة – علويين ودروز بالإضافة للأرمن والشركس …إلخ . وما حصل في جنديرس – عفرين هو نوع من أنواع صراعنا المرير مع الشوفينية والعنصرية والتطرف بأشكاله المختلفة ، وهذا الصراع مع البعث الشوفيني وكذلك مع شرائح المتطرفين من بعض أجنحة الأسلمة السياسية، ومن الأهمية مواصلة العمل المشترك مع الشرفاء من مختلف المكونات لمحاصرة الشوفينبة والتطرف في مختلف المواقع لتعزيز وتقوية جبهة الشرفاء، و إضعاف جبهة العنصريين والمتطرفين . وبدون شك الجميع يعلم أن كل الفصائل العسكرية المذكورة والموجودة على الأرض في تلك المناطق منضوية في إطار مايسمى بالجيش الوطني، والجيش الوطني ممثل بشكل رسمي في الائتلاف والحكومة المؤقتة وبالتالي فإن الائتلاف وحكومته المؤقتة يتحملون كامل المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية عن هذه المجزرة وكل الانتهاكات التي حصلت سابقاً من قبل تلك الميليشيات المنفلتة ومطالبان باتخاذ موقف واضح وحاسم لجهة رفع الغطاء السياسي والقانوني عن كل فصيل ثبت تورطه في ارتكابه الجرائم والانتهاكات وإخراجهم من جميع المناطق السكنية من مدن وبلدات وقرى ومزارع ، والعمل على تصنيف مايسمى بفصيل جيش الشرقية على لوائح الارهاب تمهيداً لمحاسبته .