بهزاد عجمو
يقول كارل بوبر ” لا سبيل لتلمس الحقيقة إلا من خلال النقد “
آذار عام 1991 الانتفاضة مندلعة في إقليم كوردستان وشعبنا يحررون مدينة بعد أخرى وقرية بعد قرية وقامشلو أصبحت محطة للعبور إلى الإقليم ، يتدفق الصحفيون الغربيون وقادة الأحزاب الكوردية للعودة إلى أرض الوطن ومن جملة من أتى جلال طالباني ونزل في فندق مدينة الشباب ولكن شاء القدر أن تهطل الأمطار بغزارة ويفيض نهر دجلة مما جعل عملية العبور خطرة هذا الذي يجعله ينتظر ثلاثة أيام حتى تتوقف الأمطار ويهبط منسوب مياه نهر دجلة ليتمكن من العبور وهنا قرر عبد الباقي عجمو أن يستغل هذه الفرصة ويزور جلال طالباني ليس محبة به وإنما ليوصل رسالته التي تتألف من بضع كلمات إليه
وبما أنه يعرف ماضيه جيداً فتشكلت لديه هواجس ومخاوف ما سيتصرف به في المستقبل وأن من خلال ربط الماضي بالحاضر يمكن استشراق المستقبل فأراد أن تكون رسالته مكاشفة وتنبيه من شخصية وطنية يعشق وطنه حتى الثمالة كما أراد من خلال رسالته أن يضع مرآة أمام جلال طالباني ليعرف حقيقته بأنه يمكنه خداع بعض البسطاء ولكن لا يمكن خداع أولئك الذين عشقوا وطنهم لدرجة الهيام فدخل عليه حيث كان جالساً في صالة الفندق فبعد أن حياه وصافحه جلس في المجلس حيث كان زواره ما يقارب عشرين شخصاً من كورد روج أفا وبدأ جلال طالباني يسترسل في الحديث وهو يتلاعب بحبات مسبحته معتقداً أن كل حبة هي عقل من عقول رؤساء دول يستطيع أن يتلاعب بعقولهم كما يتلاعب بحبات مسبحته وبين فترة وأخرى يمد يده إلى نظارته يركزها أمام عينيه كأنما يريد أن يستجمع أفكاره كي يستطيع أن يستخف بعقول الحاضرين والغائبين من شرق العالم إلى غربه، أما الطرائف والنكات فهي جاهزة وبين الفنية والأخرى يطلق إحداها حيث كان يحفظ الالاف منها وفي هذه اللحظة أتى أحد مرافقيه وقال له مام ( يقولون أنهن سبعة وليست ستة ) فرد عليه حسناً اذهب وأتي بالسبعة فذهب مرافقه وهنا بدأ يتحدث فقال في عام 1975 عندما أتينا إلى روج أفا سلمنا ستة دوشكات إلى الأمن العسكري والآن يقولون بأنهن سبعة ربما أحدى الدوشكات قد ولدت فأصبحت سبعة فابتسم الحضور وهنا غير مجرى الحديث فسأل الحاضرين من سمع بتصريحات توركوت أوزال مساء البارحة فأجابه أحدهم لقد صرح: ( بأن صدام يجب ألا يبقى في السلطة ) فرد بكل غطرسة وعنجهية نحن قبله نقول ذلك أي أنه كان يرى نفسه أهم من “توركوت أوزال” و أعظم من “جورج دبليو بوش “و” ميتيران ” و كل رؤساء العالم مع العلم أن موقف توركوت أوزال تجاه القضية الكوردية كان مقبولاً عكس موقف أردوغان لأن جدته كانت كوردية، وهنا تابع حديثه وقال الحمدالله بأن إقليم كوردستان كله قد تحرر واليوم طوز خورماتو أيضاً قد تحررت وكانت المنطقة الوحيدة التي بقيت غير محررة وهنا قاطعه عبدالباقي عجمو قائلاً : ( الحلم الذي كنا نحلم به منذ آلاف السنين وقد أصبح اليوم حقيقة ولكن إذا انتهت كوردستان في المستقبل فأنك أنت ستكون السبب ) ووجه اصبع سبابته إليه بشدة وهي تهتز كأنه يوجهها إلى متهم ينوى أن يرتكب جريمة كبرى هنا تغيرت ملامح وجه جلال كمن يسكب كوب ماء بارد فوق رأسه لأنه لم يكن يتوقع أن يوجه هذا الاتهام إليه وجهاً لوجه وفي مجلسه وأمام حضور كبير فظهرت آثار الصدمة على وجهه وبدأت نبرته تنخفض أثناء الكلام وعرف مغزى هذا الكلام الموجه إليه أنه اتهام غير مباشر بالخيانة العظمى ولكنه تظاهر بالهدوء وقال لا لا إن شاءالله لن تنتهِ كوردستان قالها كمتهم يريد أن يأخذ شهادة حسن سلوك فلم يقتنع عبدالباقي بكلامه ولم يصدقه حيث كان على قناعة بأن حاضره سيكون امتداد لماضيه ومستقبله سيكون على شاكلة ماضيه وحاضره وبالفعل بعد عودته إلى الإقليم وقع ما كان يخشاه من الاقتتال الأخوي بين البارتي والاتحاد ولولا حكمة وحنكه الطرف المقابل لذهبت تجربة الإقليم في أدراج الرياح ولازلنا نخشى على تجربة الاقليم رغم وفاة جلال لكن مدرسته المتمثلة بأبنائه باقية وشعارهم الوحيد هو ( أما نحن أومن بعدنا الخراب ) ولو أدى الأمر وضع يدهم بيد ملالي ايران ألد أعداء المشروع الوطني الكوردي وهدفهم هو تحطيم هذا المشروع بشتى الوسائل وكان لعبد الباقي عجمو مقولة دائماً كان يرددها ( أعداء الداخل هم أخطر من أعداء الخارج وهم السبب فيما وصلنا إليه من التشتت والضياع ) .