زاكروس عثمان
ـ الإسلام اداة سحرية لمحو القومية الكوردية:
خابت آمال الاتراك والايرانيين بهزيمة داعش، حيث كانوا يمنون النفس بسيطرة تنظيم متطرف على كوردستان ـ باشور او كوردستان روزئافا ليتم نيابة عن انقرة وطهران ومن خلفهما دمشق وبغداد الاجهاز على حركة التحرر الكوردستاني، لكن هزيمة داعش لم تثني عزيمة قوى الاحتلال بل استخدمت اساليب جديدة لضخ الدماء في عروق الكورد السلفيين وذلك بتوجيه هؤلاء إلى تبديل تكتيكاتهم بصرف النظر مؤقتا وبشكل جزئي عن فكرة ايجاد تنظيم جهادي ـ ميداني يعمل على الاستحواذ السريع على السلطة و البرلمان في كوردستان ـ باشور، ليتم التركيز عوضا عن ذلك على خطة طويلة الاجل ترمي إلى نشر الفكر السلفي ـ الاصولي ليس بين عناصر التنظيمات السلفية فحسب بل الدرجة الاولى في المجتمع الكوردي، لتحويله إلى مجتمع سلفي قابل ان يكون حاضنة شعبية واسعة تمهد الطريق لظهور تنظيم جهادي قوي.
بدأ العمل بالخطة الجديدة في السنوات الـ 4 الاخيرة، وذلك بالإكثار من بناء المساجد وجلب دعاة اصوليين إليها لتحويلها إلى مختبرات ايديولوجية يتم فيها غسل عقول بسطاء المؤمنين وحشوها بالفكر التكفيري، تمهيدا لتجنيد المغرر بهم في العمل الدعوي او ليكونوا نواة لمقاتلين ينفذون اجندة الارهاب مستقبلا، إضافة إلى ذلك استخدمت دول الاحتلال هندسة اجتماعية ماكرة لجمع الانصار او شرائهم وذلك بالتغلغل في مفاصل المجتمع الكوردي تحت مسميات مختلفة من جمعيات خيرية، رعاية الأيتام، مؤسسات شبابية وغيرها، حيث تتحول كل هذه المراكز إلى فخاخ لصيد الفرائس، إذ يقدم سلفيون متدربون متنكرون في زي ملالي ودعاة مساعدات مالية وعينية إلى الفقراء والمحتاجين والطلبة لقاء دعوتهم للحضور إلى مسجد للصلاة وسماع محاضرات دينية، يواظب ملالي السلفية على تقديم المغريات والمساعدات، وبعد مدة من جر الفريسة إلى الطعم المغري الذي اعتاد عليه، يطلب الملا السلفي من المغرر به طلبا يبدو بسيطا كأن يقترح على فتاة وضع البرقع او من شاب الالتزام بهندام داعش، ودعوتهم إلى التعمق في علوم الدين “الفكر الاصولي” وتكليفهم بدعوة الناس للحضور إلى مساجد السلفية، وحتى لا تخسر الضحية الاموال والمكاسب الاخرى فإنها تلبي مطالب الدعاة، ومع مرور الزمن يتحول المغرر بهم إلى سلفيين اصلاء، حينها يتم تجنيدهم للعمل على نشر دعوى السلفية الجهادية في الشوارع والمدارس والمؤسسات الحكومية والاهلية، بغرض خلق مجتمع سلفي ـ اصولي وهنا فان المجتمع نفسه سوف ينتج تنظيم إرهابي اسوأ من داعش، وانه لأمر مؤسف ان السلطات الكوردية سواء إقليم كوردستان ـ الجنوب او الادارة الذاتية في كوردستان روزئافا وكذلك الاحزاب الكوردية التقليدية العلمانية والقومية لا تبني جسور تواصل مع هذه الفعاليات المجتمعية، مما يجعل الفئات الشبابية هدفا سهلا لجماعات الاسلام السياسي التي تنشط في هذا المجال، بهدف دعشنة الشارع الكوردي لاستهداف الكيان الدستوري لإقليم كوردستان ـ باشور وتهدد مكاسبة ومنجزاته، وفي حال نجحت هذه السناريوهات فان الاقليم بدل ان يتجه إلى الاستقلال سوف يتحول إلى امارة إرهابية محكومة بالشريعة الداعشية، ليعود شعبه نقطة الصفر.
ـ ضحايا الاستعمار الاستيطاني الاول:
ما كاد الغزاة العرب المسلمين يحتلون بلاد الكورد في 641 ـ 642 م حتى سارعوا إلى مزاحمة سكان البلاد الاصليين على الاراضي الزراعية والمراعي، و ذلك بجلب القبائل من صحارى شبه جزيرة العرب لتوطينهم في الاراضي الكوردية، وحيث ان الاحتلال استمر إلى اليوم اي اكثر من 1300 سنة، فقد تسبب بأثار كارثية اصابت الكورد و موطنهم، ولم تقتصر الاضرار الجسيمة على تحويل كوردستان إلى مستوطنة لزرع العرب البدو فيها ـ هذه العملية باللغة المعاصرة تسمى تطهير عرقي تغيير ديموغرافي ـ بالفعل تم على مر العصور طرد الكورد من مواطن سكناهم لتوطين العرب محلهم، ومع مرور الزمن وحسب منطق الغزاة اصبح اهل الارض غرباء على ارضهم التاريخية واصبح المستوطنون الجدد اصحاب الديار، لنجد اليوم احفاد هؤلاء المستوطنين يقولون بكل وقاحة انهم ابناء هذه الارض وان الكورد تسللوا بالأمس من جزر المالديف، لاحظ كيف ان هذا الاحتلال الذي يسمونه فتح إسلامي دمر مصير الكورد منذ 1300 عام وما زال يدمر حتى يومنا هذا، مع ذلك يأتي كوردي معتوه ويحتج لأنني اشير إلى جرائم المسلمين والإسلام بحق القومية الكوردية، حسنا اريد ان اسأل مثل هؤلاء، الم يكن اجدادنا شركاء اساسيين في حضارة الهضبة الايرانية التي دمر العرب المسلمون نصف تراثها وسرقوا نصفه الآخر وسجلوها باسم رعاة الابل، لقد احرقوا كتب علومنا وآدابنا وادياننا وابجدياتنا وطمسوا لغتنا، لنغرق في عصور من الجهل والتخلف، اليس هم من اجبروا اجدادنا على التخلي عن دياناتهم القومية العريقة والدخول مكرهين في الإسلام للتخلص من دفع الاموال لهم، وحين تخلى عنها الاجداد فانهم تخلوا عن جزء كبير من لغتهم وتراثهم لان تلك الديانات كانت تعكس حقيقة حياتهم، اما الإسلام فانه غريب عن الكورد لغة وثقافة وفلسفة وعقيدة، ولا يمكنه ان يعبر عن رؤية الكوردي للحياة والكون, نعم حين اعتنق الكوردي الإسلام فانه فتح نزف في لغته الكوردية ليغذي اللغة العربية، وبعد بضعة اجيال ظهرت اجيال كوردية جديدة تحت الاحتلال العربي ـ الإسلامي لا تعرف دينا غير الإسلام ولا تعرف حاكما سوى الخليفة، فأخذت الإسلام عن قناعة وإيمان, ورضخ للحاكم العربي على انه خليفة محمد رسول الاسلام، مما جعل الهوية الكوردية تحت خطر الصهر والاذابة، هذه هي الطامة الكبرى لان الاجيال التالية بدأت تعمل لخدمة الاسلام وخدمة لغة الاسلام والخليفة الاسلامي، وبلغ بنا الامر اننا تخلينا عن اسماءنا لنحمل اسم صخر، عمر، طارق، وما عاد غير قلة قليلة من الكورد الزرادشتيين والايزديين يتمسكون بدياناتهم القومية.
يمكن القول ان الإسلام كان وما زال انجع وسيلة لتعريب وتتريك الكورد، وتجنيدهم في خدمة خصومهم التاريخيين، نعم الإسلام من الاسباب المهمة التي تجعلنا نفقد هويتنا القومية وخصوصيتنا الثقافية ويبقينا تحت الاحتلالات.
قد يقول البعض ان العطل ليس في الإسلام بل في الكورد، إذ هناك امم إسلامية من غير العرب نجحت في الاستفادة من الإسلام ووضعته في خدمة مصالحها واهدافها، اقول نعم لقد استفاد الترك والفرس من الاسلام كثيرا، ولكن الكورد نتيجة ـ جرثومة وراثية خاصة بهم ـ لم يعرفوا قديما ولا حديثا كيف يحلبوا الإسلام لصالحهم بل كانوا دائما وابدا البقرة المجنونة التي ترضع المسلمين والإسلام مجانا، ولا توجد مؤشرات على ان الكوردي يمكن مستقبلا ان يجعل الإسلام في خدمة قضيته القومية، بناءا على ذلك يمكن القول ان الكوردي لا يملك موهبة لتسخير الإسلام في خدمة تطلعاته القومية بل هو يفعل العكس، وطالما يهدر الكوردي طاقاته في خدمة الإسلام، علينا بذل جهود مضنية لدفع السواد الاكبر من الكورد نحو الفكر العلماني القومي، طالما لا يوجد توافق بين مصالح القومية الكوردية وبين مصالح الإسلام والامم الإسلامية، بكلام آخر الإسلام لا يملك مشاريع حلول لقضية كوردستان، ولا سبيل امام الكورد لاسترداد حقوقهم سوى خطهم النضالي الاصيل خط النضال القومي.
يتبع