دخلت سورية النفق المظلم

فؤاد عليكو
 

إن المتتبع لتطورات الأحداث في سورية منذ مجزرة الحولة وحتى اليوم يدرك بأن النظام قد رمى بمبادرة كوفي عنان خلف ظهره ولم يعد يكترث بالانتقادات الموجهة إليه من قبل بعثة المراقبين الدوليين ومن كوفي عنان أو من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ولا من المجتمع الدولي، ووصل الأمربه إلى درجة لم يعد  يسمح لهم بالدخول إلى المناطق الساخنة التي تجرى فيها العمليات العسكرية، وبدأ يمارس سياسة الضربة القاضية وكسر العظم  بحق الشعب الأعزل أملا منه با لسيطرة على الوضع عسكريا، مستفيدا من خبرة وتجربة النظام الإيراني في قمع معارضيه، ولا يستبعد أن يكون الخبراء الأمنيين الإيرانيين مساهمين بفعالية إلى جانبه، وذلك قبل أن تشتد الضغوط الدولية والتوجه باتجاه البند السابع في مجلس الأمن والاكتفاء بغطاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على غرار ما حصل أثناء التدخل في كوريا 1952
او بتفهم عدة دول مؤثرة على غرار ما حصل في كوسوفو، خاصة بعد أن شعر النظام في الآونة الأخيرة باحتمال تخلي روسيا عن دعمها له وهو ما بات يلوح في الأفق، وذلك بموجب صفقة مصالح وهو ما لروسيا من سوابق فيه مثل تخليها عن صدام حسين في اللحظات الحساسة 2003 ، وكذلك  نتيجة تعرضها لضغوطات كثيرة الآن من قبل الأوربيين وأمريكا والدول العربية إلى جانب التأثير الكبير على الكثير من علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول، وهذا ما هددت به دول الخليج العربي في الآونة الأخيرة عبر العديد من قنواتها الدبلوماسية والإعلامية والاقتصادية، أي يتم الآن استخدام سياسة العصا والجزرة مع روسيا وبالتأكيد سوف تكون الجزرة مغرية وكذلك العصا موجعة والرئيس الروسي بوتين يجيد اللعب بهذه السياسة، وإذا ما تحقق ذلك فان النظام سوف يفقد الغطاء الدولي القوي المناصر له منذ سنة ونيف، ولن يبقى معه إلا الحلفاء الإقليميين الأساسيين إي إيران – العراق الشيعي ـ وحزب الله وبعض حلفائه اللبنانيين ذوي التوجه الطائفي أو العقائدي والضعيف التأثير على الأحداث.
أما بالنسبة للمعارضة فإنها سوف تحظى بغطاء دولي وعربي وإقليمي أكثر من السابق وسوف تتسع دائرة الدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي والعسكري بشكل ملفت ومؤثر، و قد يأخذ الصراع طابعا طائفيا في العديد من مفاصله  و يمتد اللهيب إلى العديد من دول المنطقة كالعراق ولبنان والبحرين وحتى السعودية نفسها، خاصة إذا أحجمت الدول الغربية عن التدخل العسكري المباشر في الصراع الذي قد لا ينتهي في الأفق المنظور واكتفت بالدعم اللوجستي وهو الأرجح حاليا، خاصة وأن أمريكا تعيش الآن أجواء الانتخابات الرئاسية والتي قد تؤثر أي عملية عسكرية خارجية سلبا على نجاح أوبا ما وذلك لما للأمريكيين من ذكريات مرة وغير مشجعة في التدخلات العسكرية كما حصل في الصومال وأفغانستان والعراق.

مما سبق نستنتج أن اللوحة السياسية للصراع الدموي القائم في سورية منذ ستة عشر شهرا والتي ذهب ضحيتها أكثر من خمسة عشر ألف قتيلا و شهيدا لا تبشر بقرب انتهائها، لابل مرشحة للتصعيد أكثر، إذا لم يطرأ تطور مفاجئ على الأحداث يقلب المعادلة رأسا على عقب كأن يتحرك الجيش ويأخذ زمام المبادرة وينهي الوضع القائم ، أو حصول انقسام حاد وشاقولي في مؤسسات النظام بحيث تفقد القيادة السياسية تماسكها المعهود وتؤدي بالتالي إلى انهيار مؤسسات الدولة وتخرج عن السيطرة ويفقد النظام مبررات وجوده كحام للدولة والمجتمع.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، نحتفل مع الشعب السوري بمختلف أطيافه بالذكرى الأولى لتحرير سوريا من نير الاستبداد والديكتاتورية، وانعتاقها من قبضة نظام البعث الأسدي الذي شكّل لعقود طويلة نموذجاً غير مسبوق في القمع والفساد والمحسوبية، وحوّل البلاد إلى مزرعة عائلية، ومقبرة جماعية، وسجن مفتوح، وأخرجها من سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي، لتغدو دولة منبوذة إقليمياً ودولياً، وراعية للإرهاب. وبعد مرور…

إبراهيم اليوسف ها هي سنة كاملة قد مرّت، على سقوط نظام البعث والأسد. تماماً، منذ تلك الليلة التي انفجر فيها الفرح السوري دفعة واحدة، الفرح الذي بدا كأنه خرج من قاع صدور أُنهكت حتى آخر شهقة ونبضة، إذ انفتحت الشوارع والبيوت والوجوه على إحساس واحد، إحساس أن لحظة القهر الداخلي الذي دام دهوراً قد تهاوت، وأن جسداً هزيلاً اسمه الاستبداد…

صلاح عمر في الرابع من كانون الأول 2025، لم يكن ما جرى تحت قبّة البرلمان التركي مجرّد جلسة عادية، ولا عرضًا سياسيًا بروتوكوليًا عابرًا. كان يومًا ثقيلاً في الذاكرة الكردية، يومًا قدّمت فيه وثيقة سياسية باردة في ظاهرها، ملتهبة في جوهرها، تُمهّد – بلا مواربة – لمرحلة جديدة عنوانها: تصفية القضية الكردية باسم “السلام”. التقرير الرسمي الذي قدّمه رئيس البرلمان…

م. أحمد زيبار تبدو القضية الكردية في تركيا اليوم كأنها تقف على حافة زمن جديد، لكنها تحمل على كتفيها ثقل قرن كامل من الإقصاء وتكرار الأخطاء ذاتها. بالنسبة للكرد، ليست العلاقة مع الدولة علاقة عابرة بين شعب وحكومة، بل علاقة مع مشروع دولة تأسست من دونهم، وغالباً ضدّهم، فكانت الهوة منذ البداية أعمق من أن تُردم بخطابات أو وعود ظرفية….