النقلة النوعية، التي أحرزتها الثورة السورية، من خلال وصول عداد التظاهرات السلمية في مدينة مثل دمشق، طالما حرص النظام السوري، على جعلها عمياء، صماء، بكماء، إزاء ما دار في المدن التي باتت تتفرع عنها، وفق خريطة الجمهورية السورية التي تأسست، في مطلع القرن الماضي إلى حوالي ثمانين نقطة، تعدُّ جد مهمة،لأنها وكما يعلم النظام دنو أجله، مكسوراً، مهزوماً، لاعقاً خيباته الجسيمة، وكان في إمكانه تجنب هذا المصير الفجائعي، في ما لو استمع إلى صوت الضمير، من أفواه أطفال سوريا، في درعا، وإدلب، وحماة، وحمص، وبانياس، وقامشلي، وعامودا، ….
وغيرها من المدن الباسلات،
صحيح، أن هذا النظام المجرم، استطاع تحقيق الكثير، من أهدافه التي خطط لها، مع اشتعال أولى شرارات الثورة، لائذاً بالوهم،على أنه غير معني بما يدور في المنطقة، وأنه لايشبه من سبقه من الطغاة من أمثال القذافي، وأن سوريا هي غير دول هؤلاء، وهي كلها من بنات الخيال، التي كانت وراء ازدياد غطرسة هذا الطاغية المنبوذ الذي لايشبهه، سوى سلفه غير الصالح.
وإن مما حققه هو جرّ سوريا إلى مستنقع الدم، واللعب بالأوراق المحرَّمة، حتى لدى القراصنة و قطاع الطرق، على الصعد كافة، وطنياً، وإقليمياً، وعالمياً، وعدم اكتفائه بالخراب والدمار والقتل، من خلال محاولته برمجة ديمومة كل ذلك، مايشكل مرحلة “مابعد الانحطاط الخلقي” والخسَّة، واللؤم..! .
مرحلة “ضبّ الحقائب” أو إعدادها، باتت، حلماً أعلى للعصابة القاتلة، بعد أن كانت أمامه خيارات أفضل، قبل الآن، انطلاقاً من روح التسامح العليا لدى الإنسان السوري، بيد أن العالم بات يضيق حقاً، أمام النظام، مايجعل حتى المراهنين عليه، إلى الأمس القريب، بل وحتى الملوحين بسيفه، والضاربين به، على حد سواء، يبحثون لأنفسهم، عن مواطىء أقدام، بعد أن أساؤوا ليس إلى الوطن، وأهله الذين لولاهم، لما توافرت لهم العروش التي احتلوها، وإنما أساؤوا إلى ذواتهم، بأكثر، لأن الرصاصة التي تطلق وتقتل شخصاً، أو القذيفة التي تدمر منزلاً فوق أصحابه، إنما هما تصيبان القاتل، في وطنيته، وإنسانيته، ومستقبله، ولعل ذلك-تماماً-قد دفع زين الدين بن علي للوذ بالفرار خارج الوطن، بأقلّ هزائم لحقت به، مكتفياً بالسقف الأعلى لإرث الاستبداد الذي تركه وراءه..!.
إن المواطن الدمشقي، خاصة، والسوري عامة، كما هو شأن أحرار العالم المعنيين، بشأن الثورة السورية، وأهلها، باتوا-وعلى أصوات القذائف والرصاص اللذين يواصلان استمرار “خطة القتل الشامل”، في الحاضرة السورية، كتتويج لمجريات الثورة، يتابعون أخبار وسائل الإعلام، في انتظار أن يجدوا “علم الاستقلال” مرفوعاً على مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون، في ساحة الأمويين، على أنغام نشيد وطني، جديد، يشبه كل مكونات سوريا، بل إن أصوات الرصاص التي يسمعها العالم كله،عن قرب، باتت تسمع حيث الرئيس السوري في غرفة نومه، تقضُّ مضجعه، وهو عارف أن أيام بقائه، في القصر الجمهوري، باتت جد قليلة، لأن ساعة الصفر التي طالما انتظرها السوريون، منذ عقود، باتت أقرب للعين من جفونها..!