اقتراح بشأن رفع العلم الكردي

  حليم يوسف

لاتزال ظاهرة الأعلام الكردية التي ظهرت الى السطح بظهور حشود المتظاهرين الكرد في شوارع المدن والبلدات السورية التي تسكنها غالبية كردية تثيرالكثيرمن الجدل لدى المعنيين بالشأن السوري عامة وبالشأن الكردي على وجه خاص.

وازدادت التأويلات السياسية لهذه الظاهرة التي كانت عند الكرد تعبيرا عن مشاركتهم الكثيفة في الحراك الثوري السوري ورغبتهم العارمة في السعي الى الحرية, ككل السوريين, والمساهمة الفعالة في التغيير الديمقراطي المرتقب الذي يضمن احتضان خصوصيتم اللغوية والثقافية والقومية.

فكانت الألوان الكردية خير تعبير عن التأكيد على هذه الخصوصية التي طالما كانت سببا في تواجد الناشطين الكرد في سجون وأقبية زنازين نظام الأسدين الأب والابن حينا والوقوف أمام محاكم نظام (المقاومة والممانعة) بتهمة (محاولة اقتطاع جزء من الأرض السورية والحاقها بدولة أجنبية) حينا آخر.

ومع التطورات المتسارعة التي شهدتها الحالة السورية مؤخرا, ومع ازدياد حدة الاشتباكات بين الجيشين النظامي والحر وسيطرة مسلحي الجيش الحر والجماعات المسلحة الأخرى التي تنشط كلها تحت يافطته, على مساحات واسعة من الأرض السورية, بدأ الوضع الاداري والأمني والعسكري في بعض المدن والبلدات الكردية تلك بالتغير السريع.

وتجلى ذلك في انسحاب القوى التابعة للنظام من كوباني المعربة الى عين العرب وفي ديريك المعربة الى المالكية و تربه سبيه المعربة الى القحطانية وفي عفرين وعامودا وأماكن أخرى, بشكل جزئي.

وكانت النتيجة الطبيعية لتلك الأوضاع المستجدة أن تأخذ القوى السياسية الكردية من أحزاب وحركات وتجمعات سباسية المبادرة, وتحاول القيام باملاء الفراغ الأمني والاداري والعسكري.

وبرزت مشكلة رفع الأعلام الكردية على أسطح المباني الرسمية والحكومية على السطح, أكثر من أي وقت آخر.

ويمكننا التطرق الى هذه المسألة الاشكالية من خلال أبعاد ثلاث, أوله البعد الكردي وثانيه البعدالوطني السوري وثالثه البعد الاقليمي المتمثل في دخول تركي مباشر على الخط.

–  
البعد الكردي – الكردي
انقسمت الجماهير الكردية بين علمين.

الأول هو العلم القومي الكردي التقليدي الذي يعتبر العلم الرسمي الحالي لاقليم كردستان العراق ويرفعه أنصار أحزاب المجلس الوطني الكردي وبعض التنسيقيات الشبابية.

والآخر هو علم حركة المجتمع الديمقراطي التابع لأنصار حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د.

وهو علم يتكون من الألوان الكردية التقليدية نفسها, وفق ترتيب مختلف.

ان هذا الانقسام في رفع الأعلام يعكس الانقسام السياسي في الشارع الكردي, ويقدم الطرفان بهذا العمل انطباعا سيئا لدى الشارع الكردي الثائر والتائق الى غد أفضل يستحيل الظفر به دون موقف كردي متماسك وموحد تجاه التحديات الكثيرة التي تنتظره.

كما ان الاكتفاء برفع الأعلام الكردية وعدم رفع علم الاستقلال الذي يعتبر علم الثورة السورية, يفتح المجال للصائدين في الماء العكر من المتربصين ومن الشوفينيين الذين كانوا أصلا جزءا من النظام المشرف على الهلاك ويقودون المعارضة الحالية ضد أسيادهم السابقين, للنيل من الكرد ومن قضيتهم العادلة.

والابقاء على المسألة القومية الكردية دون حل في سوريا المستقبل.

– 
البعد الوطني السوري
ان الانطباع العام لدى الكرد في سوريا هو أن الانتماء القومي لديهم لايتعارض مع انتمائهم الوطني السوري, بل على العكس من ذلك, فكلما ازداد تقبل خصوصيتهم القومية واحتضانهم كما هم ككرد سوريين من الطرف الآخر- العربي السوري, كلما ازدادوا تعلقا بانتمائهم الوطني السوري.

انطلاقا من هذه الحالة الحسية اندفع الكرد الى حمل أعلامهم وألوانهم الخاصة في المظاهرات والفعاليات الثورية اليومية وكلهم أمل في أن يتقبلهم الآخرون-الشركاء في الوطن- كماهم, دون أن ينسلخوا عن جلدهم القومي, وعلى قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات.

ان غياب علم الاستقلال السوري الذي كان من المفترض أن يرفع الى جانب الأعلام الكردية ولد انطباعا سلبيا لدى شركاء الوطن من غير الكرد وفتح الباب أمام الغول التركي المتربص والمعادي للحقوق الكردية حتى لو كانت في (الأرجنتين) – على حد تعبير أحد تماسيح السياسة الأتراك.

– 
البعد الاقليمي
قد يحدث رفع العلم القومي الكردي اشكالية حقوقية, على اعتباره علما رسميا لاقليم كردستان العراق.

وهو اقليم يتمتع بسلطة فدرالية ضمن العراق, وله برلمانه المنتخب وحكومته الخاصة.

ويتبنى البرلمان هذا العلم بشكل رسمي.

كما ان رفع هذا العلم في حدود دولة أخرى والمطالبة بالاعتراف به رسميا يحدث نوعا من الارباك وسوء الفهم.
كما أن رفع العلم الكردي الآخر من قبل ب ي د الذي يتمتع بقاعدة شعبية عريضة بين الكرد, جعله هدفا سهلا للدولة التركية التي ترى في تلك الألوان شبح حزب العمال الكردستاني الذي يقض مقاتليه الشجعان مضجعها منذ أكثر من ثلاثين عام.

فعادت الى المعزوفة التي لاتمل من تكرارها منذ عشرات السنين وهي ان خطر العمال الكردستاني على الباب والمصالح القومية التركية في خطر داهم.

وهكذا أعلن الاعلام التركي المرئي والمسموع الاستنفار العام في البلاد منذ الأحد 22.07.2012 على اعتبار أن النظام السوري يقوم بتسليم المدن والبلدات الكردية للعمال الكردستاني وأنهم بصدد اعلان دولة كردستان المستقلة على حدودها خلال اسبوع.

والدليل بالطبع كانت الأعلام الكردية المرفوعة من قبل أنصار ب ي د على أسطح الأبنية الرسمية وحواجز اللجان الشعبية التي كانت تحمل الألوان الكردية.
والمحزن في الأمر, أن هذه الأكاذيب التركية, التي تضع قناة الدنيا المرحومة في جيبها, والتي اعتاد عليها الكرد كجزء من الحرب الخاصة التركية المعتادة, قد وجدت صداها لدى بعض أوساط المعارضة السورية وذهبت الى حد كيل الاتهامات للكرد بالنزوع الى الانفصال و(اقتطاع جزء من الأرض السورية) وتهديدهم وما الى ذلك.

بل وصل الأمر باحدى الكتائب المشبوهة والتي تحمل اسم صلاح الدين وتعمل أيضا تحت مظلة الجيش الحر الى السعي الحثيث الى تحقيق ماعجز عن تحقيقه الأتراك منذ ثلاثين سنة, وهو اجتثاث العمال الكردستاني.

كل ذلك بحجة مساندة النظام السوري.

في حين أن أقرب حليف اقليمي لنظام الأسد الابن بعد ايران, كانت تركيا أردوغان.

والمفارقة أن اصدار ذلك البيان الناري من قبل كتيبة صلاح الدين المشبوهة تزامن مع سقوط ناشطين اثنين من أنصار ب ي د برصاص الأمن السوري في القامشلي وديريك.

اقتراح لحل مشكلة رفع الأعلام

تعتبر اتفاقية هولير بين المجلس الوطني الكردي ومجلس شعب غربي كردستان أهم حدث سياسي للكرد السوريين ويتوقف مصير حراكهم الثوري على ما ستؤول اليه هذه الاتفاقية الشديدة الأهمية.

خاصة أن المجلسان يمثلان الغالبية العظمى من الكرد السوريين.

وبناء على ذلك يمكنهما, فيما اذا انتقلت بنود الاتفاقية الى حيز التنفيذ, حل الكثير من القضايا العالقة والملحة و التي تمس حيثيات السياسة اليومية الكردية في شقها المتعلق بكيفية المشاركة في تفعيل دور الكرد في الثورة السورية, ومنها مشكلة رفع الأعلام.

حيث يمكن للمجلسين الاتفاق على علم كردي جديد يكون رمزا قوميا للكرد السوريين حصرا.

ويضاف بند جديد الى اتفاقية هولير فيما يخص العلم, بحيث يلزم الجميع على اتخاذه رمزا موحدا للجميع.

ويتم رفعه الى جانب علم الثورة السورية في كل مكان.

يمكن اعتماد هذا الحل بشكل فوري وحتى اسقاط النظام, والانتقال الى المرحلة الجديدة التي ستجبر الجميع على البحث عن مقاييس أخرى لحل القضايا المختلف عليها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…