لهب يمتد في اكليل العرس

  حفيظ عبدالرحمن.

“لقد مسحوا ذاكرتي كلها, بعد احراق منزلنا بالكامل, وأهمها الاشياء المعنوية! هل تفهم ما معنى ان بحترق البوم صور العائلة, التي لا يمكن اعادة عقاربها الى الخلف؟”

.

قالتها بلهجة تمزج بين نعومة الانثى و عمق الاسى.

فتاة من مدينة سلقين التابعة لمحاقظة ادلب  تلامس اسلاك الحدود املاك والدها من مزارع اشجار الزيتون.

لمّا تكمل العشرين من عمرها.

“كانت” N.W طالبة في سنتها الثانية في  كلية الصيدلة بجامعة القلمون في ريف دمشق .
“سلفين” تلك المدينة الصغيرة التي كانت تتبوأ الدرجة الاولى في العدد الاكبر من المسؤلين الذين يشغلون المناصب العليا, كمحافظ ريف دمشق “صبحي حميدي”  والعديد من مسؤولي المحافظة.

اضافة الى كل تصانيف الشيوعيين والتاصريين , وجدوا انفسهم في صفوف مواجهة قمع النظام, مما ادى الى نزوح ما يقارب 2500 شخص الى تركيا, اضافة الى اضعاف هذا الرقم من النزوح الداخلي الى المدن والبلدات السورية الاقل عنفاً.

فهذه الطالبة تعترف بشهادتها على مظاهرتين في ميدان جامعتها كامتداد لحراك شعبي مدني تنامى في الشارع مع زيادة حدة العنف  في التعبير عن استنكارهم لاعمال القمع الوحشية تجاه مطالبهم المشروعة في الاصلاح والديقراطية, في مواجهة  نظام مدجج بالسلاح والشبيحة ورصيد مفتوح من الـ “فيتو” , حيث تقول: “بدأ قمع اعتصاماتنا في الحرم الجامعي  بالتهديد والضرب المبرح ثم الاطلاق الحي للرصاص.

مما تسبب في  مقتل طالبين وعشرات الجرحى, اضافة الى اعتقال اكثر من اريعين من الطلبة,  تم اطلاق سراح البعض, والبقية هم في عداد مجهولي المصير” !

خلال الاشهر الاولى من الانتفاضة فامت عائلات (محددة بالاسماء لدينا) معروفة بممارسة التشبيح, والتي استلمت السلاح من النظام –اللاشرعي- باطلاق حي للنار في الشوارع, بغية ارهاب الناس, مما ادى الى مقتل عشرة اشخاص وستة جرحى.

تقول: كانوا برمون قطع البلوك والزيت المغلي على التظاهرات التي تمرّ من جانب منازلهم”
اثر ايواء “السلقينيين” نازحين من جسر الشغور ومن حمص وحماة و مشاركتهم  الاعتيادية بالحراك الثوري بشكل عام,  ونتيجة لممارسات اجهزة قمع النظام من عسكر وعناصر امنية وشبيحة  من قتل وخطف وبث للرعب في سبيل ارهاب المدنيين اضطر “الجيش الحر” الى التدخل وبسط السيطرة على كل مرافق الحياة في المدينة.

ولكن  بعد تنعّم السكان بهامش من الحرية لمدة اربعة ايام في مدينة يفوق  سكانها 45 الفا.

حوصرت المدينة بقوات جيش النظام وبقصف بالمدافع والدبابات  تهدّ كل ما تستهدفه من منازل ودور عبادة و مدارس بشكل عشوائي اسفر عن اكثر من خمسين قتيلا وعشرات الجرحى, تبعتها اعتقالات لاكثر من مئة شخص, اثنان منهم من النساء, على الاقل.

ترافقت باعدامات ميدانية لستة اشخاص من النشطاء, تم التعرف على جثث: حميدي الباشي, مهران وتي, معن سربوسي.
وكخطوة لزيادة بث الرعب في المدينة تم القاء اكثر من عشرة جثث مشوهة (مجهولة الهوبة) اخفت معالمها اثار التعذيب المريع.

في انحاء متفرقة من المدينة.


تتحدث N.W عن نصيب عائلتها من الضريبة: “لقد تم اعتقال خالي واولاد عمتي في اواخر 2011 لاكثر من شهرين.

تعرضوا خلالها لابشع صنوف التعذيب”.

 لدرجة اسعاف خالها الى المشفى بعد تكرر غيابه عن الوعي.

افرج عنهم, ولكن تم الافراج عن خالها وهو يحمل  كسوراَ في الاضلاع ونقص في الرؤية نتيجة للضرب المباشر على العين.

تقول: “هو الان يقوم بتامين الاغاثات ونقلها الى الداخل وتوزيعها في المناطق المحاصرة من قبل ازلام النظام, رغم كل اعاقاته الجسدية”.
كذلك تتحدث عن اختها –معلمة المدرسة- التي لم تقبض راتبها الشهري منذ سنة ونصف –كعقوبة لنشاطها- تحت ذريعة عدم توفر السيولة, والتي تعرضت  بدورها لشتى صنوف التهديد بالقتل او الضرب او الخطف! تلك المعلمة التي كان من المفترض ان يكون حفل زواجها بعد يومين,  وشمل حريق منزل والدها كل ما اعدته من مستلزمات بيت الزوجية, اضافة الى “الاكليل الابيض” الذي اخنارته  بنفسها لعرسها, ولم تهنأ به!
تقول: “كانت الدبابات تقصف بشكل عشوائي  والطائرات تحوم والجيش يحيط بالمدينة, والشبيحة تمارس نهبها فيما بعد, تركنا خلفنا فيلا العائلة التي  كنا نقيم فيها -مع العائلات النازحة  لدينا من بلدات مختفلة-  تحوي  اسفلها مستودعا لموسمنا السنوي من زيت الزيتون, تم نهبه  اضافة الى سياريتين, واحراق ما هو غير قابل للنقل حسب ما اتانا من انباء في ما بعد “.


نتيجة لسوداوية المشهد اضطررنا الى اجتياز الاسلاك التي تحد مزرعتنا مع الجارة نركيا, لنفاجأ بمخيم “بخشين” ونستفهم التخوّف من الترحيل الى مخيم “كلس” الذي يعتبره اللاجئون السوريون الذين سبقونا في التشرد,  كمعتقل أو غوانتانامو تركيا  كما يسمونها”.
ولكن بعد التمكن من الفرار من المخبم, وتامين السكن في مدينة انطاكيا -بمساعدة يعض الاصدقاء-  تمكنوا  من تجميع  العائلة المكونة من ابوين وستة من  البنين و البنات, اضافة الى اطراف اخرى من الاعمام والعمات,  لا يحصلون على أي دعم سوى من جمعية خيرية تركية (IHH)  التي تقدم بعض مستلزمات الحياة الضرورية, مشكورة.


تختم NW القول: “اجمالاً, لن تشكل  كل خساراتنا شيئا امام  الحرية التي كنا نحلم بها”!!!
حفيظ عبدالرحمن.

منظمة حقوق الانسان في سوريا- ماف.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…