التقرير السياسي لحزب آزادي الكردي في سوريا

  مع مرور حوالي ثمانية عشر شهراً على بداية الثورة السورية المباركة ، لا تزال الملحمة البطولية الرائعة المجبولة بالدماء الزكية الطاهرة ومرارة العذاب والشقاء ، التي يسطرها الشعب السوري ، مستمرة ، وهي تكتسب يوماً بعد آخر ، رخماً شعبياً ونضالياً أكبر ، وتزداد قوة وتصميماً على تحقيق أهدافها الكاملة في الحرية والديمقراطية وإنهاء الظلم والاضطهاد والمعاناة القاسية والفساد وإسقاط النظام الاستبدادي الشمولي الحاكم ببنيته التنظيمية والسياسية والفكرية ، وتفكيك الدولة الأمنية ، وبناء سوريا جديدة ، وطناً يتسع لجميع أبناءه من مختلف القوميات و الأديان والمذاهب والطوائف.
  ولا يزال النظام الحاكم الدموي الأرعن ، يواجه هذه الثورة الفريدة من نوعها ، بقوة الحديد والنار ، ويواصل حربه الشعواء ضد الشعب السوري ، مرتكباً بحقه أبشع أنواع جرائم القتل والبطش والتنكيل والتدمير ، مستخدماً في ذلك جميع أنواع الأسلحة في ترسانته العسكرية والحربية الهائلة ، بما فيها الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً ، محولاً العديد من مدنه وبلداته وقراه إلى مناطق منكوبة ، متحدياً بذلك جميع القرارات والنداءات والمطالبات العربية والدولية بوقف حربه المجنونة تلك ، بينما العجز  الكامل والفشل التام لا يزال يخيم على المجتمع الدولي ويحول بينه وبين القيام بمهامه وواجباته الإنسانية في التدخل وتوفير الحماية للسكان المدنيين وفق ميثاق الأمم المتحدة وبالاستناد إلى القرارات والقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة.

  وقد أثبت هذا النظام الدموي طوال الفترة الماضية من عمر الثورة السورية ، عدم اكتراثه وجديته في التعامل مع المبادرات السياسية ( العربية والدولية ) المطروحة لوقف مسلسل العنف والقتل في البلاد والانتقال بها من حالة القمع والتسلط والاستبداد إلى حيث الحرية والتغيير الديمقراطي المنشود ( مبادرة جامعة الدول العربية ، خطة كوفي عنان ) ، كما أثبت أيضاً عدم التزامه ووفاءه بوعوده وتعهداته ، مراهناً بشكل دائم على عامل الوقت ومرور الزمن ، للقضاء على الثورة وإنهائها بالطرق العسكرية والأمنية ، ومن هنا فإننا لا نراهن كثيراً على إحراز أي تقدم أو نجاح لمهمة المبعوث الجديد ، العربي الدولي المشترك ، السيد الأخضر الإبراهيمي ، الذي اختير خلفاً للسيد كوفي عنان المستقيل بعد تعثر جهوده في التوصل إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.
  وإزاء هذه الحالة الخطيرة التي تمر بها البلاد ، والأوضاع الصعبة والمأساوية التي يعيشها الشعب السوري ، فإننا نكرر القول : بأن المطلوب من المعارضة السياسية السورية بمختلف قواها وتياراتها وأطرها ، أن ترتقي إلى مستوى هذه الثورة العظيمة بتداعياتها وتفاعلاتها المختلفة ، من خلال العمل على ترتيب أوضاعها الداخلية وتوحيد صفوفها والاتفاق على الملامح الأساسية لسوريا المستقبل ، كدولة ديمقراطية متعددة القوميات والأديان والطوائف والمذاهب ، ذات نظام برلماني ، تلتزم بالمواثيق الدولية وبمبادئ حقوق الإنسان وتعتمد مبدأ المواطنة المتساوية وسيادة القانون.

 
  وما قلناه أعلاه عن المعارضة السياسية السورية ، ينطبق تماماً على المعارضة السياسية الكردية في سوريا ، حيث تعاني هي الأخرى من ظاهرة التشتت والانقسام وعدم التوافق والاتفاق فيما بينها ، فرغم الانجاز الذي تحقق في الحادي عشر من شهر تموز 2012 برعاية كريمة من السيد مسعود البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان – العراق ، بالتوقيع على اتفاقية هولير للتعاون والتنسيق بين المجلس الوطني الكردي في سوريا ومجلس الشعب لغربي كردستان ، كاستجابة طبيعية وموضوعية للظروف الدقيقة والحساسة التي ذكرناها سابقاً ، والتي يمر بها الشعب السوري عموماً والكرد في سوريا بشكل خاص ، من جهة ، ولتلبية استحقاقات الثورة السورية ومجاراة تطوراتها اليومية المتلاحقة ، من جهة ثانية ، ألا أن هذه الاتفاقية لا تزال وللأسف الشديد هشة تماماً ، حيث لا تحكمها ضوابط واضحة ولا تخضع لآليات محددة ، ولا توجد لها أي أثر أو تطبيق على أرض الواقع ، فالعمل المشترك وبشكل خاص العمل الميداني لا يزال في حدوده الدنيا ، هذا أن لم نقل أنه معدوم بالمطلق.
  ومن جهة أخرى فأن هناك غياب شبه كامل في آلية التنسيق والتعاون بين التيارات والفعاليات السياسية والشبابية والثقافية والاجتماعية والحقوقية والمدنية الكردية المختلفة ، تؤدي بهذا الشكل أو ذاك إلى خلق العديد من الإشكالات الميدانية التي لا طائل لها بين الأطراف المختلفة ، مما يؤثر سلباً على حراك الكرد في الثورة السورية والتفاعل معها ، وتحقيق أهدافها الوطنية الديمقراطية والقومية المشروعة.

وقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في العديد من المناطق الكردية ، كان آخرها ما حدث في مدينة عاموده – محافظة الحسكة ، من هجوم لعناصر مدججة بالسلاح تابعة لمجلس الشعب لغربي كردستان على مظاهرة كان ينظمها إحدى التنسيقيات الشبابية هناك للمطالبة بإسقاط النظام والتنديد بمجازره المروعة بحق الشعب السوري ، نجم عنه وقوع بعض الجرحى ، بينهم أحد قياديي حزبنا ، بالتذرع بحجج وذرائع غير مقبولة تماماً.
  أن المرحلة الدقيقة والحساسة التي تمر بها سوريا ، تتطلب من الكرد أحزاباً سياسية وفعاليات شبابية واجتماعية وثقافية ومؤسسات حقوقية ومدنية ، العمل الجاد من أجل توحيد الصف الكردي ، ليكون أكثر فعالية وقوة وتنظيماً  في الثورة المباركة ، من أجل تحقيق أهدافها المرحلية والمستقبلية ، والاستعداد للعمل المشترك مع جميع القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد ، لبناء سوريا جديدة ، تحكمها المبادئ الديمقراطية والتعددية والتشاركية ، ينعم فيها جميع أبنائها بحقوقهم المتساوية ، وتحل فيها القضية القومية الكردية ، كقضية شعب يقيم على أرضه التاريخية ، وفق القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية.
أوائل أيلول 2012 
اللجنة السياسية

لحزب آزادي الكردي في سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…