هل هو البيان رقم واحد؟

حيدر عمر

أصدرت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب يوم 18.

09.

2012  بياناً أعلنت فيه أنها لن تلتزم بقرارات الهيئة الكردية العليا طالما أنها لم تعلن صراحةً أن هذه الوحدات “هي الطرف الشرعي في حماية الشعب الكردي و مكتسباته في غرب كردستان”.

و رغم مرور ما يقرب من أسبوع على إصدار هذا البيان، فما زالت الهيئة الكردية العليا، بطرفيها المجلس الوطني الكردي و مجلس الشعب في غرب كردستان، المعنية به ملتزمة الصمت، و لم يصدر عنها أي موقف تجاه البيان و ما يتضمنه مما يمكن أن يُسَمّى تهديداً يطال الهيئة كمؤسسة كردية بناها الكرد في الآونة الأخيرة، وعقدوا عليها آمالاً كبيرة، لتجتمع تحت خيمتها كل القوى الكردية من أحزاب و تنسيقيات شبابية و شخصيات مستقلة بغية تأطيرموقف كردي واحد سواء في الثورة السورية المشتعلة منذ ما يزيد عن عام و نيَّف أو في اللقاءات مع أطراف المعارضة السورية و الاتصال بمراكز القرار الأقليمية و الدولية.
إن هذا التباطؤ في معالجة هذا الأمر، و إن كان يدل من بعض جوانبه، على أن الهيئة ربما ما زالت تدرس الأمر، ولكنه من جانب آخر يمكن للمرء أن يستشف منه كثيراً من الخلل الذي تعانيه، و هو الخلل الذي كلما تأخر إصلاحه، كلما كان نخره في بنية الهيئة أكثر عمقاً و أشد تأثيراً قد يودي بها، و يعود بالكرد إلى مربع أكثر تعقيداً و خطورة مما كان عليه الأمر قبل بناء هذه الهيئة.
إن المطلوب من الهيئة أن تكون أسرع ديناميكية و أكثر مرونة في تشكيل لجانها و ترجمة قراراتها وتفعيل  لجانها على أرض الواقع،  لئلا تُجهَض الآمال التي عُقِدت عليها.

و بالتالي عليها القيام بالدور المنوط بها على أكمل وجه في قيادة الشعب، لا أن تكون منقادة من جهة أخرى.
إن أحد أهم أهداف الثورة، و كذلك أهم ما ناضلت، و لا تزال تناضل، من أجله الحركة الكردية في سوريا منذ أول نشأتها، و بكافة أحزابها، هو التخلص من حكم العسكر، و بناء الدولة المدنية الديمقراطية  التي يصل الكرد في ظلها إلى حقوقهم كاملة في سوريا.

و بما أن الهيئة الكردية العليا هي كيان أو مؤسسة سياسة اتفقت أغلبية الأحزاب الكردية على أن تتأطر في ظلها، بحيث تكون هي الناطقة باسم الكرد في سوريا، فإن هذه الهيئة ، و بهذا المعنى، تشكل القيادة السياسية الكردية التي يجب أن تقود جميع الأعمال و الأنشطة الكردية، بما في ذلك القوات العسكرية الكردية في حال تشكيلها.


من هذا المنطلق، أرى أن بيان وحدات الحماية الشعبية، يقترب كثيراً من تلك البيانات االعسكرية التي كان الانقلابيون يسمونها البيان رقم واحد و هم يعلنون فيه انقلابهم على الحكم و استلام زمام السلطة، باسم الانتصار للشعب و الحفاظ على وحدته و مصالحه و دحر المتلاعبين بحرمة الوطن و سيادته.
إن وحدات الحماية الشعبية، كما هو معروف عنها، مرتبطة ارتباطاً مباشراً و جذرياً بمجلس الشعب في غرب كردستان، كما جاء ذلك في تصريحات سابقة لبعض الناطقين باسم المجلس أو القياديين  فيه، كما هي إحدى مؤسسات منظومة المجتمع الديمقراطي التي تجمع تحت ظلها مجلس الشعب في غرب كردستان أيضاً.

و هذا يعني أن هذه الوحدات إنما هي أيضاً معنية باتفاق هولير الذي انبثقت عنه الهيئة الكردية العليا، و هي إذ تعلن عدم التزامها بقرارات الهيئة إلا حين تعلن هذه الهيئة على الملأ بأن هذه الوحدات “هي الطرف الشرعي في حماية الشعب الكردي و مكتسباته في غرب كردستان”.

فهي بذلك لا تنقلب على مجلس الشعب في غرب كردستان، لأنها جزء من هذه المنظومة، بل تنقلب على المجلس الوطني الكردي شريك مجلس الشعب في الهيئة العليا، و هذا إن لم يكن انقلاباً، فهو بالتأكيد ضرب لاتفاق هولير و الهيئة الكردية معا بعرض الحائط.
ثم إن هذا الإصرار على إعلانها الطرف الشرعي الوحيد في حماية الشعب الكردي و مكتسباته في غرب كردستان، و هي في الوقت نفسه مرتبطة بأحد طرفي الهيئة الكردية العليا، يذكِّرنا بحال ما كان يسمى بـ(الجبهة الوطنية التقدمية) التي كان الحزب القائد يقودها، أما وظيفة الأحزاب الأخرى المنضوية تحت ظل تلك الجبهة،  فكانت فقط الموافقة على كل ما يقرره الحزب القائد.


إن معظم الأنظمة الديمقراطية في أي مكان من العالم لا تكتفي فقط بإسناد قيادة القوات المسلحة إلى شخصية مدنية تضعها على رأس وزارة الدفاع، بل تجعل هذه القوات في أمرة القيادة السياسية المدنية.

و حتى في الأنظمة الديكتاتورية الشمولية، و خاصة في الشرق المبتلى بها، و التي استولت على الحكم بانقلابات عسكرية، و نصبت جنرالاً على سدة الرئاسة، نرى هذا الجنرال يخلع بذلته العسكرية ويظهر في زي مدني، لا لشيئ فقط ليظهر للشعب و العالم من حوله أنه قائد مدني و يوهمهم  بأنه خرج من جلده، و اكتسى لبوساً مدنياً ليستر به عورته و طغيانه العسكريين.
لا أعتقد بأن هذه الأمور غائبة عن وعي وحدات الحماية الشعبية قيادة و أفراداً، كما لا أعتقد أنها غير مدركة بعواقب خروج القوات المسلحة عما ترسمه لها القيادة السياسية المدنية، و هو الخروج الذي إن حدث، سيجر كثيراً من العواقب غير المحمودة، لعل أولها هو ما سوف يُحَرَّف عملها عن غايته شاءت أم أبت، و عن قصد أو غير قصد.

و عندئذٍ ستأتي النتائج عكس اسمها تماماً.

أما في حالة الهيئة الكردية العليا، فإن النتيجة الوحيدة التي سينتج عن ذلك، هي انهيار الهيئة، و إجهاض الآمال التي بنيت عليها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…

بوتان زيباري   في قلب المتغيرات العنيفة التي تعصف بجسد المنطقة، تبرز إيران ككيان يتأرجح بين ذروة النفوذ وحافة الانهيار. فبعد هجمات السابع من أكتوبر، التي مثلت زلزالًا سياسيًا أعاد تشكيل خريطة التحالفات والصراعات، وجدت طهران نفسها في موقف المفترس الذي تحول إلى فريسة. لقد كانت إيران، منذ اندلاع الربيع العربي في 2011، تُحكم قبضتها على خيوط اللعبة الإقليمية،…