حول التفجير الأخير في القامشلي..

 د.سربست نبي

ما مغزى العمل الانتحاري الأخير في القامشلي؟ وأيّة رسالة يحملها؟ وهل سيكون الأخير؟ 
بكل الأحوال أيّاً كان ورائه والهدف منه هو عمل إرهابي وأرعن في أسلوبه وطبيعته.

ويراد به زجّ المناطق الكوردية الآمنة في آتون صراع مدمّر, وجلب الخراب إليها, علماً أن هذه المناطق كانت منذ البداية الأشدّ مناهضة لنظام بشار الأسد وأبيه, وإن اختلفت أساليب الرفض والاحتجاج عن بقية المناطق السورية الأخرى التي اتخذت أبعاداً عملية وأيديولوجية مختلفة.

وقد آوت في الشهور الأخيرة آلاف العوائل العربية المهاجرة من المدن السورية المنكوبة, حتى أصبحت الملاذ الآمن الوحيد لها.
 كلنا يعلم أنه لولا عناية السماء أو لنقل المصادفة المحضة لكان محتملاً أن يودي هذا العمل الإرهابي بحياة العشرات من المدنيين في هذه المنطقة بالذات, لقاء قتل بعض رجالات أمن النظام في أشدّ الظروف أذىً.

المنطق الاستراتيجي يقول إن ضرب مثل هذه النقاط الأمنية البعيدة لايمكن أن يؤثر مباشرة أو يلحق الضرر بالمركز الأمني والسياسي للنظام, سوى خلق زوبعة استعراضية فارغة لقاء ثمن باهظ من الأرواح البشرية, التي قد تتحول إلى نقمة على الثورة, وتثير السخط في الشارع العام.

والتجربة الثورية تؤكد أنه من السهل إلحاق الهزيمة بالنظام في المناطق البعيدة عبر انتفاضات سلمية شاملة, كما حدث في عام 2004, ومن ثم إدارتها من جانب الثوار المحليين.

لأن تكاليف قمع مثل هذه الجبهات المتمردة الواسعة تكون عادة منهكة للجيوش النظامية.

ومع كل ذلك هناك رؤوس ساخنة ومأجورة في المناطق الكوردية تسعى بتهور شديد واستهتار إلى جعل هذه المناطق وأهلها قرابين لأجندة سياسية وأمنية غير بريئة.

علماً أنه من شأن هدف كهذا إن تحقق أن يفتح أبواب الجحيم ليس على الكورد وحدهم إنما على كلّ سوريا لاعتبارات سياسية وديمغرافية لا مجال للتفصيل فيها الآن.

 الذين لايحسنون فهم منطق أحوال كهذه نقول, الكورد, وبسبب من البنية الاجتماعية التي توحدهم, وكذلك الوعي المشترك لديهم بالمصير, قادرون على الدفاع عن أنفسهم بمبادراتهم الذاتية ودون وصاية أي أحد, وقادرون على ردع من يريد أن يعبث بمصيرهم.

وسلمية الثورة الكردية لا تعني قطعاً التخازل أو التهاون, بل كانت تشير إلى رقيّ الوعي السياسي في الشارع الكوردي, ودليلاً على أن الجبهة الكوردية كانت عصية على الأجندات الخارجية, فضلاً عن حسابات النظام الدقيقة وخشيته من إثارتهم في هذه المرحلة.


ثورة الكورد كانت لأجل أهدافهم بالذات ولأجل أهداف جميع أبناء الشعب السوري ومستقبل سوريا في آن, وليست لأجل أهداف الغير, ولعله هنا تكمن إحدى تعقيدات الوضع الكوردي وخصوصيته.

 إن أحد أهداف هذا التفجير الرئيسة هو ليس إلحاق الأذى بمؤسسة أمنية للنظام, إنما تفجير الجبهة الداخلية الكوردية وتفكيك وحدتها الاجتماعية.

وبالمقابل يبدو ملحاً السعي من جانب النشطاء والمؤسسات السياسية الكوردية جميعها السعي إلى الحفاظ على البيئة الاجتماعية للأمن القومي, إذا لامعنى للعمل السياسي من دون تلك, ويبدو لنا أن هذه البيئة ما تزال حتى الآن متماسكة وعصية على الاختراق, ويمكن الرهان عليها أكثر من جميع العوامل الأخرى.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…

شفيق جانكير في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتلاشى المعايير، يبقى صوت الأستاذ إبراهيم اليوسف علامة فارقة في المشهد الثقافي والإعلامي الكردي، لا لبلاغة لغته فحسب، بل لما تحمله كلماته من وفاء نادر وموقف مبدئي لا يهادن. في يوم الصحافة الكردية، حين تمضي الكلمات عادة إلى الاحتفاء العابر، وقفت، عزيزي الاستاذ إبراهيم اليوسف، عند موقع متواضع في شكله، كبير بما يحمله…