أما و أن تلك القوى الكردستانية تفرض الاتفاق، و تتنصل من واجب تنفيذه، من منطلق حرصها المفترض على وحدة الصف و الكلمة الكردية ، فإن ذلك يعني أن تلك القوى كانت يهمها الاتفاق فقط، و ليس تنفيذ بنوده ، و ذلك من اجل توظيفه كورقة ضغط إقليمية ضد جهة أخرى من اجل بلوغ مكاسب سياسية و اقتصادية أولا، و تصفية الحساب مع جهة معينة لاحقا.” و أوضحنا، من وجهة نظر شخصية، تلك الدوافع السياسية و الاقتصادية، لتوظيف الورقة الكردية في سوريا من قبل القوى الكردستانية، و ألمحنا الى إمكانية تصفية حساب سياسي مع طرف ما، لم نسميه في وقته، ظنا منا أن أمورا ستحدث، إن عاجلا أو آجلا، بحيث تتوضح معها، ملامح المخطط الإقليمي، الذي جرى الإعداد له، بحيث يدفع في نهايته، طرف كردي سوري، مجبرا، إلى الارتماء في حضن النظام السوري.
فبعد أن نجح إقليم كردستان العراق في عقد إتفاقية نفطية مع تركيا، تسمح بنقل و تصدير نفط الإقليم عبر أراضيها، و بعد أن توجت الإتفاقية، بحضور السيد مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، مؤتمر حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا، كان مطلوبا من الجانب الكردي العراقي، كخطوة تالية، الالتزام بتنفيذ تعهد، يقضي بإغلاق الحدود بين إقليم كردستان العراق و سوريا، بغية منح تركيا، فرصة و إمكانية و هامش التحرك، لضرب أنصار حزب العمال الكردستاني ( ب ي د ) في الداخل السوري، و إضعافه، لدرجة يعجز عن تشكيل خطر أمني و إستراتيجي على تركيا.
لقد كنا نتوقع، أن يعمد إقليم كردستان العراق، إلى إغلاق حدوده مع سوريا، ذهابا و إيابا، و هو ما حصل بالفعل، أول أمس، بعد أن قامت تركيا في وقت سابق، بإغلاق جميع نقاطها الحدودية مع سوريا، و حشدت قوات عسكرية هائلة على إمتداد حدودها معها.
و تأخر القرار الكردي العراقي، الى أن نضجت ظروفه و مبرراته، كمقدمة لحشر موالي حزب العمال الكردستاني ( ب ي د) في زاوية ضيقة، بهدف محاصرته من كل الجهات، و هو الأمر، الذي لم يفهمه، و لم يقرأه حزب الاتحاد الديمقراطي ( ب ي د )، و لا قيادة لجان الحماية الشعبية، بصورة صائبة، و هو ما سيترتب عنه، لاحقا، نتائج وخيمة عليهم، عندما تبدأ مجموعات مسلحة من الجيش السوري الحر، في أول أيام الهدنة، بالتسلل الى الأحياء الكردية في مدينة حلب، و تقوم بتنفيذ عمليات عسكرية ضد المراكز الأمنية و العسكرية للنظام, من عمق تلك الأحياء، إعتقادا منها، أن ذلك من شأنه، أن يستفز أنصار ال ( ب ي د ) ، و يدفعهم الى الدخول في مواجهة صدامية مع الجيش الحر، لن يقتصر حدودها على أحياء الأشرفية و شيخ مقصود فقط، و إنما، قد تتسع، لتمتد الى عمق منطقة عفرين الكردية ، بحيث يكون ذلك مبررا للدخول في مواجهة شاملة مع ال ( ب ي د ) في باقي المناطق الكردية في سوريا.
لذلك، و في هذا السياق، حدثت مواجهات الأشرفية، و من بعدها في بعض قرى عفرين ، و قد تتطور سريعا، لتشمل كافة المناطق الكردية في سوريا، إعتقادا ممن خطط لهذه الوقيعة، أن لجان الحماية الشعبية التابعة ل ( ب ي د )، لن تسطيع الصمود في وجه كتائب الجيش السوري الحر، التي تتفوق عليها عددا و عتاد.
و علينا أن لا ننسى، أيضاً، محاولات تحييد القوى الكردية الأخرى عن ما حدث، إن لم يكن جرها الى الاقتتال الداخلي، سيما عندما صرح مالك الكردي، عن غير براءة، أن جهات كردية، سياسية و عسكرية، ذكر منها كتيبة صلاح الدين، بأنها، هي من روجت، و شجعت عناصر الجيش الحر على ضرورة إنهاء سيطرة حزب العمال الكردستاني ( المقصود هنا: لجان الحماية الشعبية) في حي الأشرفية.
و ما زاد في الطين بلة، كان تصريح رئيس لجان الحماية الشعبية عن وجود عناصر تابعة لأحزاب كردية في كتيبة صلاح الدين، الأمر الذي قد يمهد لإقتتال و إحتراب كردي – كردي، ما لم تحتكم القوى الكردية الى لغة العقل و الحكمة.
و ما يعزز من وجود مخطط ضرب ال ( ب ي د ) هو أن الاحزاب الكردية المنضوية في المجلس الوطني الكردي، التي كانت تتحفظ، بنفس القدر، من دخول كتائب الجيش السوري الحر الى المناطق الكردية، لم تصدر، إلى حد الآن، بيانا، لا بإسم المجلس الوطني الكردي، و لا بإسم الهيئة الكردية العليا، تستنكر و تدين فيه، ما حدث في الأشرفية، بل أن فرعها المحلي في كوياني بصدد تنظيم مظاهرة في يوم الثلاثاء القادم، إحتجاجا على دعوة ( هجوم ) لجان الحماية الشعبية لإنزال علم الثورة السورية من على أسطح مقراتها، و هو ما قد يساهم، رغم الخطأ الكبير الذي إرتكبه أنصار ( ب ي د) في كوباني، في زيادة التوتر و الاحتقان، من جهة أن ذلك، قد يشكل بداية القطيعة بين تلك الاحزاب و حزب الاتحاد الديمقراطي.
لا شك، أن قيام رئاسة إقليم كردستان العراق بإدارة ظهرها لإتفاق هولير، و تنصلها من مسؤولية حث كافة الأطراف الموقعة عليه على تنفيذ بنوده، و قيامها، فضلا عن ذلك، بإغلاق الحدود مع سوريا، دون أن يكون لذلك أي مبرر أمني في الوقت الراهن، بالتزامن مع حدوث مواجهات بين أنصار ال ( ب ي د ) مع الجيش السوري الحر، في حلب و بعض مناطق عفرين، كلها معطيات حقيقية، و واقعية، على وجود مخطط إقليمي لضرب و تصفية ال ( ب ي د) في سوريا، و ما يسهل تحقيق هذا الهدف، كان و ما يزال، الموقف الخاطئ الذي إتخذه حزب العمال الكردستاني من القضية السورية، عندما قام بتحييد، فرعه الكردي السوري، الأكثر تنظيما و شعبية في الساحة الكردية السورية، عن الحراك الوطني الديمقراطي السوري الداعي الى إسقاط نظام بشار الاسد، ظنا منه، أي العمال الكردستاني، أنه سيمارس ضغطا على حكومة أردوغان، حتى يذعن لشروطه و مطالبه، دون أن يولي إهتماما، لخطورة هذا الموقف، على قضية الشعب الكردي في سوريا، و فرص حلها في المستقبل، إن نجحت الثورة السورية، و تحققت هدفها المتمثل في أسقاط النظام.
هذا ما فعلوه في السابق، و هاهم يفعلونها اليوم أيضاً.