سلَّطت الثورة السورية الأضواء مجددًا على القضية الكردية، فكورد سوريا كانوا محط اهتمام المعارضين والسلطة وكذلك الإعلام على حدٍّ سواء، بينما كانوا هم يحسبون حساباتهم بعيدًا عن كلّ هذه الجلبة، وينظرون إلى الأمور بحذر شديد، غير متناسين ماضيهم المؤلم ومعاناتهم في ظل النظام البعثي القمعي، وغير مستسلمين لما ستسفر عنه الأمور بعد انتصار الثورة، وانقضاء الأزمة السورية الراهنة، سواء استمر نظام الأسد أو سقط كما سقط النظام في تونس ومصر ومؤخرًا في ليبيا، التي تشابه الوضع فيها نوعًا ما مع الوضع في سوريا.
عندما تعالت نعرات القومية العربية، وتمت الوحدة بين مصر وسوريا على هذا الأساس القومي، شعر الكورد بالخطر على قوميتهم الكردية، واستدعت القومية العربية النزعة القومية لدى الكورد في سوريا أيضاً، واتخذوا موقفًا سلبيًّا من الوحدة بين مصر وسوريا؛ مما أغضب القوميين العرب في سوريا، الأمر الذي قاد إلى تشدد القوميون العرب في نظرتهم تجاه الكورد.
وعلى الرغم من السقوط المبكر للوحدة بين مصر وسوريا بعد ثلاث سنوات فقط، إلا أن الحكومة البعثية وفي عام 1962م، قامت بعمل إحصاء استثنائي، وحرمت أكثر من سبعين ألف كردي سوري من الجنسية السورية – بلغ عددهم الآن ربع مليون كردي بلا جنسية- فباتوا أجانب في بلدهم، وبرزت ظاهرة “المكتومين” أو “البدون” وهم هؤلاء المحرومون من الجنسية وذريتهم، وبالتبعية هم محرومون من حقوق التملك والتعليم والتقاضي والعمل والصحة… إلخ.
في السبعينيات نفَّذ النظام البعثي مشروع الحزام العربي، حيث تم تفريغ الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا بعمق 10 إلى 15 كم من سكانه الأكراد، وتوطين عرب بدلاً منهم؛ للفصل الجغرافي بين كورد سوريا، والكورد في خارج سوريا، كما استولى خلال بناء سد الفرات وتنفيذ مشروع إعادة توزيع الأراضي الزراعية على أراضي الفلاحين الكورد وتمليكها لفلاحين عرب، رافق ذلك محاولات مستميتة لطمس الهوية الكردية، ومحاولة دمج الكورد كأفراد ضمن التيار القومي العربي، حيث تم قمع الحركة السياسية الكردية واعتقال النشطاء الكورد، وحرمانهم من التحدّث بلغتهم الخاصة، حتى إنّه تم استبدال الأسماء الكردية لبعض القرى والبلدات السورية بالأسماء العربية.
هذه السياسات الدكتاتورية الممنهجة أدت إلى حدوث أزمة كبيرة بشأن الكورد، حيثُ عانوا على إثرها أشد المعاناة من وجود هذا النظام الدكتاتوري، ومع أن قمع النظام لم يكن خاصًّا بهم وحدهم، إلا أنّه كان بالنسبة لهم مضاعفًا، وإذا كان الشعب السوري قد ضاق ذرعًا من المعاناة والقمع فقرر الثورة على النظام، وقدَّم ثمنًا باهظًا جدًّا لأجل إسقاطه، ولا يزال يصر على تحقيق هدفه ونيل بغيته رغم كل الجرائم التي حدثت خلال أشهر الثورة، فكيف إذن معاناة الكورد المحرومين حتى من جنسيتهم وأبسط حقوقهم.
استمر الكورد في مشاركتهم في الثورة السورية، ولكن الأحزاب الكردية قررت الانسحاب من التجمعات السورية المعارضة، والتوحد ضمن تكتل كردي موحد، حيث تم تشكيل المجلس الوطني الكردي؛ وذلك للتفاوض بشكل موحد مع قوى الثورة السورية المختلفة، بخصوص حقوق ومطالب الكورد، بحيث يتم التحالف مع القوى الأكثر استعدادًا لإعطاء الكورد حقوقهم وتنفيذ مطالبهم ومن ذلك حق تقرير المصير، على أن ينصَّ الدستور الجديد على هذه الأمور.
وتم عقد اجتماع للأحزاب السياسية الكردية في أربيل بإقليم كردستان العراق، حضره مسعود البارزاني رئيس الإقليم، وممثلون عن المجلس الوطني السوري، أكد الكورد فيه على مشاركتهم في الثورة، وشددوا على أهمية حصولهم على حكم ذاتي في المناطق التي يمثلون فيها الأغلبية.
النظام السوري لجأ إلى تسليح بعض الكورد الذين يرغبون في الانفصال، وتوجيههم لتنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي التركية، وقد كانت سوريا تستضيف سابقًا الزعماء الأساسيين لحزب العمال الكردستاني، ولم تطردهم سوريا إلا بعد تهديد تركيا بالتدخل العسكري، إذ تذكر التقارير الإخبارية أن ما يفوق الـ ???? فرد من ميليشيات الحزب هي من سوريا وأبرز قادتها نورتين صوفي وباهوز أردال من سوريا، فقد يستغل النظام السوري هذه العلاقات الجيدة مع الحزب الانفصالي -الذي لم يطلق رصاصة واحدة ضد النظام السوري رغم معاناة الكورد في سوريا- وتقديم الدعم له ولكورد سوريا لتنفيذ عمليات داخل تركيا، بحيث تنكفئ على ذاتها ولا تتدخل في الشأن السوري، ويعزز من إمكانية استغلال النظام السوري لبعض الكورد ضد تركيا.
ومن التصريحات التي أدلى بها السياسيون الكورد، فقد صرحت بعض الأحزاب الكردية رفضهم فكرة المنطقة العازلة معتبرًا أنها مخطط تركي وإخواني يهدف إلى عسكرة المنطقة الكوردية، وأنهم سيقاومون كل المخططات التركية والإخوان المسلمين، معتبرًا “أن لا مصلحة للكورد في أن تمر هذه المنطقة العازلة من مناطقهم التي لم يدخلها جندي تركي منذ نحو مائة عام، بهدف البقاء والاحتلال أو عسكرة المنطقة الكردية”.
وفي نبرة تظهر النزعة الانفصالية قال: “لا تتناسب العسكرة مع القامشلي، فهناك إدلب وحماة واللاذقية أمام من يريد التدخل العسكري برًّا وبحرًا”.
إن الظرف الراهن وكذلك معاناة الكورد على مدى نصف قرن من الزمان تقتضي حصولهم على كافة حقوقهم السياسية والقومية والاعتراف بالقومية الكردية ثان قومية، وإزالة الاضطهاد القومي وإلغاء المشاريع العنصرية بحق شعبنا وحقهم في تعليم لغتهم الأم وتعلّمها، وحقّهم في تسيير أمور الدولة في المجالس والوزارات والمناصب العليا.