من طبائع «المنظومة الأمنية السورية» ميشال سماحة الضحية والجلاد

صلاح بدرالدين

  عندما نشرالكاتب الاصلاحي المناضل ابن حلب الشهباء – عبد الرحمن الكواكبي – كتاب ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” قبل مائة وعشرة من الأعوام لم تكن الأنظمة المستبدة المعنية في زمانه كما هي الآن عليه عبارة عن ” منظومات أمنية صرفة ” بالرغم من أنه أشار الى أن ” الحكومة المستبدة تكون طبعا مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم وهو اللئيم الأعظم في الأمة ( رأس السلطة ) الى الشرطي الى الفراش الى كناس الشوارع ولايكون كل صنف الا من أسفل طبقته أخلاقا لأن الأسافل لايهمهم طبعا الكرامة وحسن السمعة ( الشبيحة ) ..

وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشرا أم خنازير ..

وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد ..

 يشكل نظام الأسد الشمولي الحاكم منذ أكثر من أربعة عقود النموذج الأمثل في تجسيد حالة ” المنظومة الأمنية ” المكلفة وظيفيا بحراسة الاستبداد وترسيخه من الرأس في العاصمة الى أصغر مؤسسة في الأطراف فلم يعد سرا ,وقد قيل مرارا أن السلطة تدار عبر أكثر من عشرة أجهزة أمنية رئيسية أنشئت خصيصا لشؤون الداخل وتستخدم وسيلة في القمع والترهيب ضد الشعب وحركاته المعارضة واذا كانت تتمتع بنفوذ وميزانيات عالية وجيوش من الموظفين والمخبرين والمحققين فلها امتداد مصغر في قصر رأس النظام حيث مركز القرار ويتم اللجوء اليها في الأمور الخارجية المعنية أولا وأخيرا بالداخل وليس هناك من ملف على الاطلاق سياسيا كان أم اقتصاديا أم اجتماعيا أم ثقافيا أم دبلوماسيا أم علاقات عامة في المجالين الداخلي والخارجي الا ويكون لفرع أمني من تلك العشرة صلة مباشرة به وقد برع نظام الأسد ( الأب والابن ) في توسيع وتعزيز وتحديث وتطبيع منظومته الأمنية باتقان وفرض نوعا من الكتمان على كل نشاطاتها بتنظيم هرمي يستند الى دور الفرد الموالي المؤتمن عليه بدوافع مصلحية وفئوية – عائلية والذي استخدم بدوره حلقات أخرى أكثر اتساعا متنوعة الانتماءات الدينية والمذهبية والمناطقية للحيلولة دون ترك أثر يذكر في الاتهامات المباشرة لرأس النظام وحزبه وأجهزته وحاشيته ومجاله الفئوي خلال عمليات العنف والتصفيات الكبرى التي استهدفت خصوم النظام بالداخل والجوار خصوصا في لبنان في مراحل متتالية مازالت مستمرة على غرار عملية اغتيال الرئيس الحريري  .

  ميشال سماحة قاعدة وليس استثناء
  فجرت قضية اعتقال واتهام الوزير اللبناني السابق بالقيام بأعمال ارهابية لاثارة الفتنة والاقتتال في نقل المتفجرات بسيارته الشخصية من سوريا الى لبنان  واستلامها من مدير مكتب مسؤول الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك فضيحة من العيار الثقيل للمنظومة الأمنية الحاكمة بدمشق تشمل في دويها أكثر من طرف محلي واقليمي وستترك آثارها على بنية النظام وستساهم في بلورة العديد من الحقائق المخفية والتأكيد عليها ومن أبرزها :
 أولا – الطبيعة الأمنية – العسكرية الارهابية للنظام الحاكم وكون القرار ومصدره بأيدي المنظومة الأمنية المتحكمة بكل مفاصل الدولة ومدى هزالة وتابعية كل المسميات الأخرى من حكومات ووزراء وبرلمان وادارات واعتبارها من الشكليات وخضوعها الفعلي لأشباح غير مرئيين ولكن موجودين في كل مكان ومحصنين من الرقابة والنقد والمساءلة كأعلى مراتب الاستبداد وترسخ هذا النهج منذ حقبة الأسد الأب والاطباق الأمني الكامل على كل مرافق الدولة بمافي ذلك اخضاع السياسة الخارجية والسلك الدبلوماسي الى لجان مختصة في الفرع الخارجي بجهاز أمن الدولة  .
 ثانيا – بطلان كل ادعاءات الأحزاب والمنظمات والجماعات السياسية السورية منها والاقليمية ومن بينها معارضات في بلدانها من الصديقة للنظام السوري أو الموالية له أو المضطرة بالاقامة هناك على توفر أرضية ثابته للتحالف السياسي حول مبادىء مزعومة في مواجهة ( الامبريالية والصهيونية والرجعية ) وفي شعارات الممانعة اللفظية وما – تحالفاتها قديما وحديثا ! –  الا عبارة عن صلات وتفاهمات سرية مع الفروع الأمنية المختلفة تصب كما دلت التجارب والأمثلة في مصلحة نظام دمشق ومن باب التندر سمعت في الأعوام الأخيرة  لمرات عديدة من أصدقاء من جنسيات مختلفة أنهم وفي مرحلة المعارضة والتواجد القسري في سوريا كانوا مثل باقي – الضيوف – الآخرين تحت رحمة الأجهزة الأمنية المسؤولة عن شؤونها وخلال زيارة وفودهم القيادية الى دمشق وبعد الاجتماع بمسؤولي الأمن المكلفين بالملفات المختلفة يمرون في الختام على مكتب عضو القيادة القومية عبد الله الأحمر لتناول الشاي وتبادل الكلمات المجاملة وفي بعض الأحيان ظهور لقطات في التلفزيون الرسمي .
 ثالثا – كانت ومازالت القوى الطائفية والجماعات والتنظيمات الحزبية والشخصيات الاعتبارية اللبنانية من أكثر الأطراف الاقليمية التي تعرضت للابتزاز والترهيب والاستغلال والهيمنة من جانب ” المنظومة الأمنية السورية الحاكمة ” منذ نهاية سبعينات القرن الماضي وحتى الآن  الى درجة أن الكثيرين من زعماء الطوائف والكتل والأحزاب ووزراء وأعضاء برلمان واعلاميين ولاجئين استخدموا خلال تواصلهم الأمني في تقديم التقارير حول خصومهم ومعارضي النظام السوري اللبنانيين وما الوزير السابق – ميشال سماحة – الا واحدا من المئات الذين تورطوا في المساهمة بالعمليات الأمنية الارهابية التي راحت ضحاياها بالآلاف من مناضلين في سبيل الديموقراطية وزعماء وطنيين وصحافيين أحرار ورجال دولة وهذا ان دل على شيء فيدل على مدى استخفاف المنظومة  الأمنية السورية بالموالين له واسترخاصها لقيمهم وكراماتهم وحتى انسانيتهم وما نشاهد هذه الأيام على الفضائيات السورية من بعض اللبنانيين والعراقيين كأبواق رخيصة تمجد الدكتاتور وتشتم الثورة السورية مثل – سماحة – تماما الا عينات مرتبطة بالمنظومة الأمنية وتأتمر بتوجيهاتها .


 الداخل السوري ليس مستثنى كما ذكرنا أعلاه من فعل وخطط ” المنظومة الأمنية ” التي طورت وسائلها وأشكال تعاملاتها مع الفئات والتنظيمات الحزبية والشخصيات خاصة منذ بدء الثورة الوطنية وأفسحت لها المزيد من المجال لممارسة الازدواجية والتمظهر – المعارض – أحيانا عبر التلاعب بالمصطلحات فبالنسبة للمنظومة يهمها مااتفق عليه في الغرف المظلمة على الأمور الأساسية أماتصريح محسوب هنا وكلام – نقدي – مباح هناك فلن يغيرا من الواقع شيئا وعلى سبيل المثال نرى أن قياديين في أحزاب ومنظمات عربية وكردية ومن مكونات أخرى ( تحتسب مجازا على المعارضة ) يغادرون دمشق عبر المطار ويشاركون في مؤتمرات للمعارضة تتبنى شعارات اسقاط النظام بل يوقعون على قراراتها ويخطبون بالجموع بحماس منقطع النظير ثم يعودون ثانية بالطريقة ذاتها الى دمشق من دون أن يمسوا بسوء في حين يرمى بالرصاص أو يخطف الكثيرين من من ينادي باسقاط النظام في شوارع المدن والبلدات ويقتل يوميا في الأسابيع الأخيرة من المعارضين الثوار مايقارب المائة علما أن هؤلاء الأشاوس الذين لايغيبون عن أية مناسبة – للمعارضات – لايمتلكون قوى وقدرات تفوق جبروت النظام الأمني والعسكري حتى يتحدوه جهارا نهارا وأن الوضع في سوريا لايمت بصلة الى النظام الديموقراطي والحريات العامة حتى يمارسوا قناعاتهم بكل حرية وأن كل من يسافر ويعود يخضع للاجراءات والتدقيق ولم يبق سوى الاحتمال المؤكد : مغادرة وعودة مدروستان ومقررتان من مصدر القرار في ” المنظومة الأمنية الحاكمة ” .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…