فمن المؤسف أن نقول بأن جزأً مهماً من ثقافتنا هي من تراث ثقافة الآلهة التي لم تنتج تاريخياً إلا نظائرها وأن بعضاً من قيمنا وأعرافنا هي قيمٌ وأعرافٌ مستبدة هي الأخرى لم تخلق سوى المستبدين والطغاة ولو بشكلهم المقزوم كرديا بينما التخلف العام التي نتميز عبرها عن غيرنا فهي الأخرى لم تفرّخ عبر تاريخها الآسن إلا ذاتها المعتلة …
فمعظمنا منخرط في الاجترار والتكرار والثرثرة النظرية بدلاً من التوجه نحو توحيد الصفوف والعمل معاً عبر تطبيق الحلول العملية الناجعة في هذه الظروف الاستثنائية والحساسة التي يمر بها الشعب الكردي بشكل خاص والسوري بشكل عام فالمثال التي تقول ” نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً” تنطبق عل الحالة الكردية السائدة فهناك عقدٌ للمؤتمرات والعديد من اللقاءات وروابط الكتاب والمثقفين والندوات والعديد من المقالات بينما على الأرض فأنك لا ترى سوى التبعثر والتناحر والانشطار والصراعات العقيمة … فنحن هنا لا نعلم كيف سيعترف بنا الآخر عبر هذه الوضعية المأساوية في الوقت الذي لا يعترف الكردي بآخر الكردي ؟ …
وفي الآونة الأخيرة ظهرت العديد من المقالات التي تحدثت عن هدر بضعة عشرات من الملايين على هذا اللقاء أو تلك ونحن مع الذين قالوا بأن هذه الملايين كان من المفروض أن تضع تحت تصرف تنسيقيات شباب الكرد لأن العديد منهم ملاحقين من السلطات الأمنية للنظام وقسم منهم عاطل عن العمل ولا يملك حتى مصروفه اليومي وهذا الكلام هو كلام صحيح مائة بالمائة ناهيك بأن هذه التنسيقيات هي القوى الوحيدة التي تترجم القول إلى واقع عملي وتخرج إلى الشارع للدفاع عن حقوق هذا الشعب …
ولكن في الوقت التي نتذكر فيه هدر بضعة ملايين من الليرات ننسى جميعاً بأن ما يستنزف ويُسرق من ثروات الشعب الكردي سنويا من قبل القوى المهيمنة على كردستان تبلغ عشرات المليارات من الدولارات وهذه الثروات تسرق في وضح النهار منذ عقود وعقود من الزمن ويستخدم كما هو معروف قسم من هذه الأموال لشراء الأسلحة أما لقتل الشعب الكردي أو تجّهز بها الأجهزة الأمنية القامعة لقمع هذا الشعب أو تضع كرصيد لهؤلاء اللصوص في بنوك العالم بينما أبناء هذا الشعب يتعرضون قصراً للهجرة والتهجير من أماكن سكناهم بسبب البطالة الممنهجة والمخططة للكرد في مناطقهم من قبل هذه الأنظمة لدفعهم للبحث عن العمل في المنافي أو داخل المدن الكبيرة فهناك عشرات الآلاف من شباب الكرد الذين هجروا من الجزيرة يعملون في مطاعم وملاهي وفنادق دمشق وغيرها من المدن يعملون بدون أجر بسبب الفقر المدقع وانعدام فرص العمل فهم يعيشون على “الإكرامية” ومع كل ذلك فهم يضطهدون بالرغم من عملهم المذكور الذي يسيء إلى كرامة الإنسان ومع كل ذلك يجبرون لإعطاء نصف ما يشحدونه من الزبائن لصاحب العمل !!!!…..
علما ان الجزيرة تعرّف بأنها سلة سوريا الاقتصادي …
ففي قرية كاتب هذه السطور توجد أثنا عشرة بئراً من أبار البترول… وبعد حساب دقيق لإنتاج هذه الآبار وعبر المعدل الوسطي للأسعار حسب السنوات السابقة فقط بلغ ما بيع من إنتاج هذه الآبار حوالي مائة مليار ليرة سورية خلال أربعة عقود … وبالإضافة إلى البترول فقد أغتصب من أراضي القرية أربعمائة هكتار ووزّعت على المغمورين الذين جلبهم النظام من محافظة الرقة وحلب ومع كل ثروات هذه القرية فقد هجر منها معظم سكانها ولم يبقى إلا ثلثهم بسبب البطالة المذكورة ومعظمهم من المعمّرين والنساء وهذه القرية هي نموذج لمئات القرى الكردية التي تتميز بمثل هذه الثروات ….