حيدر عمر
استهلت السيدة كلودا مجذوب الرفاعي الجزء الأول من حوارها مع السيد الدكتور أسامة قاضي المنشور في إيلاف يوم 05.
02.
2012 بتعربف محاورها مبيِّنة مكانته الاقتصادية و السياسية و الأكاديمية تعريفاً يوحي بأن الرجل لا يلقي كلامه جزافاً، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها سوريا شعباً و ثورة.
لا سيما و أن الرجل بالإضافة إلى مكانته الاقتصادية و الأكاديمية، عضو في المجلس الوطني السوري المعارض، وهو موقع يتطلب منه أن يكون حريصاً جداً على اختيار كلماته للتعبير عن أفكاره.
02.
2012 بتعربف محاورها مبيِّنة مكانته الاقتصادية و السياسية و الأكاديمية تعريفاً يوحي بأن الرجل لا يلقي كلامه جزافاً، خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها سوريا شعباً و ثورة.
لا سيما و أن الرجل بالإضافة إلى مكانته الاقتصادية و الأكاديمية، عضو في المجلس الوطني السوري المعارض، وهو موقع يتطلب منه أن يكون حريصاً جداً على اختيار كلماته للتعبير عن أفكاره.
من هنا أذهب إلى أن هذا الحرص المفترض فيه يدعونا أن نأخذ كلامه على محمل الجد، لا تنفع معه عبارات الاعتذار التي وردت في مقاله المعنون بـ(آزادي لسوريا) و المنشور في إيلاف أيضاً بتاريخ 10.
02.
2012، و خاصة أن ما صدر من رئيس المجلس الوطني السوري عن الكورد و من ثم اعتذاره مازال حياً في ذاكرة الكورد و في ذاكرته أيضاً.
يقول في مقاله الاعتذاري، و قد استعار الكلمة الكوردية (آزادي/حرية) عنواناً له، “و استغربت من تعليقات البعض على موضوع المقالة بشكل سلبي”، و كأنه كان ينتظر مديحاً على ما تفضل به على الكورد.
و لكي أساعده في العودة إلى التمعن فيما كان سبباً لذلك الموقف السلبي تجاه موقفه من الكورد، أُراني مضطراً إلى إيراد ما قاله في الجزء الثاني من ذلك الحوار المنشور في إيلاف أيضاً بتاريخ 06.
02.
2012 تحت عنوان “العقوبات الاقتصادية غير كافية لاسقاط النظام”.
يقول موجهاً كلامه لـ(أخوته الكورد) “أحذر بعض الأخوة الكورد من استغلال وضع الثورة في تمرير نوايا انفصالية بما سُمي “تقرير المصير”، فإنه مرفوض شكلاً و مضموناً و غير متفق عليه، وهو نقض لاتفاق وُقِع في آب/أعسطس 2011 و على الفئة التي تمتلك نوايا سيئة ـ و أدعي أنهم قلةـ أن يعوا بأن المجلس (يقصد المجلس الوطني السوري) لا يمكنه أن يحتمل أي خطوة في هذا الاتجاه”
إنه كلام واضح وضوح الشمس، لا لبس فيه و لا غموض، مترع بالتهديد و الوعيد.
لا أعتقد أن معاجم اللغة و السياسة قادرة أن تجد له معنى آخر، و لا أعتقد بقدرة كلامه الاعتذاري الذي ورد في مقاله اللاحق (آزادي لسوريا) أن يمحو أثره، خاصة و كما قلت قد تكررمثله في كلام قادة المجلس الوطني السوري، إذ يقول “وما ذكرته من كلمة (أحذر) عنيت بها أحذر من مخاطر بث الروح الانفصالية، و أرجو ألا يأخذها أحد على محمل التهديد”.
و هو أمر يجعلنا نعتقد بأن ثمة شيئ ما تخفيه حيثيات و برامج المجلس المذكور عن الكورد، و إشارته إلى “اتفاق وُقِّع في آب” المنصرم، دون أن يُعلن مضمونه، يقوي لديَّ هذا الاعتقاد.
و الحقيقة أن إتهام الكورد بالانفصال ليس وليد اليوم، كما أن نضال الكورد في دفع هذه التهمة عنهم ليس بخاف على أحد.
فمنذ انطلاق أول تعبير سياسي كوردي في سوريا متمثلاً في تأسيس الحزب الديقمراطي الكوردي في أواخر خمسينيات القرن المنصرم، و هذه التهمة تواجههم، وهو موقف يواجَه به الكورد على مدى أكثر من خمسين عاماً و إلى اليوم من خلال توجيه تهمة (اقتطاع جزء من سوريا و ضمه إلى دولة أجنبية) إلى كل معتقل كوردي سواء كان سياسياً أو كاتباً أو ناشطاً حقوقياً.
وفي المقابل دأب الكورد منذ ذلك الحين، ومنذ مذكرة الدفاع التي أعدها المرحوم الدكتور نورالدين زازا و قدمها للمحكمة في أوائل ستينيات القرن الماضي أثناء محاكمته مع رفاقه، وكان رئيس الحزب حينئذ، و إلى اليوم حيث تخلو مناهج و أدبيات جمبع الأحزاب الكوردية من الدعوة إلى الانفصال، دأب الكورد على دفع هذه التهمة عنهم، و لكنهم للأسف لم يجدوا آذاناً صاغية .
و اليوم و في خضم هذه الثورة التي تنشد سوريا ديمقراطية تعددية، و التي تقترب من قطف ثمارها من خلال امتزاج دماء كل المكونات الاثنية على أرضها، يطلع علينا أناس، من المفترض بهم أن يكونوا، ليس حريصين على وحدة الموقف فحسب، بل حريصين أكثر من الكورد على إزالة ما عَلِق بالأذهان من سياسات التنكر و إلصاق التهم الجائرة بهم، بل نراهم يجارون الثقافة التي هم أنفسهم يثورن عليها، الأمر الذي يوقعهم في ازدواجية ممجوجة و وهْمٍ عجز الكورد عن إنقاذهم منه.
إن سقوط الاستبداد لا يعني سقوط ثقافته معه، وما يصدر عن هذه الشخصيات التي تحمل لواء اسقاط الاستبداد يؤكد أنه سوف تكون ثمة أمام الثوار مسافة طويلة مليئة بالتحايل على أهداف الثورة بعد نجاحها المأمول و المرتقب، و هو أمر يلقي على كاهل الكتل الكوردية في كلا التعبيرين المعارضين، المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق أن تكون أكثر حذراً و حرصاً على أن تكون المواثيق التي توقعها شفافة غير قابلة لتفسيرات متعددة أو انزياحات لغوية، وأن تعرضا تلك المواثيق على جمهور الثورة و لاسيما الجمهور الكوردي في حينها، لا أن توقع اتفاقات لا نسمع بها إلا بعد طول مدة، و دون مضمونها.
و هنا أدعو الكتلة الكوردية في المجلس الوطني السوري إلى ضرورة نشر مضمون ذلك الاتفاق الموقَّع في آب المنصرم على الكورد، حتى لا يتكرر لدينا أمثال محمود الأيوبي و كفتارو و غيرهما.
ما يدعوني إلى هذا الحذر هو ما جاء في كلام السيد أسامة قاضي، فهو يبدو حتى في مقاله الاعتذاري متردداً في قبول ما يمنُّ به على الكورد، إذ يقول “أؤمن بأن إدارة الأخوة الكورد لمناطقهم بطريقة لامركزية حق شرعي و ينبغي دراسته” إنه يمن على الكورد باللامركزية الادارية التي يرفضونها لأن هذه الإدارة الآن واقع عملي من خلال الإدارة المحلية و لم يجن منها لا الكورد و لا غيرهم إلا ما زاد في معاناتهم، و مع ذلك يخضعها للدراسة “ينبغي دراسته”.
و نحن نتساءل، إذا كان ذلك حقاً و شرعياً،متى كانت الحقوق الشرعية تُدرَس؟ أخانت اللغة الرجلَ أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
إذا كان نضال خمسين عاماً بكل ما فيه من عذابات السجون و مجلدات من الكتابات و برامج الأحزاب و الدفوعات أمام محكمة أمن الدولة و السعي الكوردي إلى استعادة الجنسية السورية لمن جُرِّدت منه لم يفلح في إقناع السيد أسامة قاضي و مَن لف لفه بحسن نية الكورد و ببراءتهم من تهمة الانفصال، فكيف يدعونا الرجل من خلال مقالة كُتِبت في دقائق معدودات إلى الإيمان بحسن نيته؟.
أليس ما كتبه في مقاله الاعتذاري من أن “الكورد قد ظُلِموا مرتين، مرة ككورد و مرة كسوريين، و أن معاناتهم كانت كبيرة جداً، و من حقهم على الشعب السوري إنصافهم بعد الثورة بما يراه الكورد مناسباً” و من ثم الطعن في وطنيتهم، أليس هذا ضرباً من اللعب على عواطف الكورد أكثر مما هو موقف فكري جاد؟ ها هم الكورد قد طرحوا ما يرونه مناسباً من خلال الدعوة إلى حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم ضمن وحدة الوطن السوري كما ورد في قرارات المؤتمر الوطني الكوردي المنعقد في أواخر تشرين الأول الماضي، و لا أظن أن السيد أسامة قاضي لم يطلع على تلك القرارات، فلماذا يرفض “شكلاً و مضموناً” ما رآه الكورد مناسباً ، و يكرر هذا الرفض أكثر من مرة في حواره المنشور في إيلاف؟
لا يكتفي الرجل برفض مطلب الكورد في حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، بل نراه يقفز على جميع المواثيق و العهود الدولية التي أقرَّت هذا الحق، فلا يراه إلا “تقليعة” إذ يقول “ما أعلمه هو أن الأحزاب الكلاسيكية الكوردية، و خاصة صاحبة تقليعة حق تقرير المصير، ليست بالضرورة هي محركة الشارع”.
إن هذا الكلام، فضلاً عن سخريته بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، لهو دعوة جادة إلى تمزيق وحدة الصف الكوردي من خلال تقسيمه إلى مناصرين لمبدأ حق تقرير المصير و مناوئين له، الأمر الذي يدعو الكورد إلى الترفُّع عن خلافاتهم، و الالتفاف حول مطلبهم بنَفَس الفريق الواحد.
ثم من أين له معرفة من يحرك الشارع الكوردي؟ أكاد أجزم بأن السيد أسامة قاضي يعرف قبل غيره أن ثمة أناساً لم يكونوا معروفين في ميدان المعارضة السورية قبل الثورة، ثم ظهروا فجأة في منتصف الطريق يركبون الموجة، ربما كان بنفسه أحد هؤلاء، و أن (أولئك الذين لا يحركون الشارع) يعارضون النظام منذ وجوده.
02.
2012، و خاصة أن ما صدر من رئيس المجلس الوطني السوري عن الكورد و من ثم اعتذاره مازال حياً في ذاكرة الكورد و في ذاكرته أيضاً.
يقول في مقاله الاعتذاري، و قد استعار الكلمة الكوردية (آزادي/حرية) عنواناً له، “و استغربت من تعليقات البعض على موضوع المقالة بشكل سلبي”، و كأنه كان ينتظر مديحاً على ما تفضل به على الكورد.
و لكي أساعده في العودة إلى التمعن فيما كان سبباً لذلك الموقف السلبي تجاه موقفه من الكورد، أُراني مضطراً إلى إيراد ما قاله في الجزء الثاني من ذلك الحوار المنشور في إيلاف أيضاً بتاريخ 06.
02.
2012 تحت عنوان “العقوبات الاقتصادية غير كافية لاسقاط النظام”.
يقول موجهاً كلامه لـ(أخوته الكورد) “أحذر بعض الأخوة الكورد من استغلال وضع الثورة في تمرير نوايا انفصالية بما سُمي “تقرير المصير”، فإنه مرفوض شكلاً و مضموناً و غير متفق عليه، وهو نقض لاتفاق وُقِع في آب/أعسطس 2011 و على الفئة التي تمتلك نوايا سيئة ـ و أدعي أنهم قلةـ أن يعوا بأن المجلس (يقصد المجلس الوطني السوري) لا يمكنه أن يحتمل أي خطوة في هذا الاتجاه”
إنه كلام واضح وضوح الشمس، لا لبس فيه و لا غموض، مترع بالتهديد و الوعيد.
لا أعتقد أن معاجم اللغة و السياسة قادرة أن تجد له معنى آخر، و لا أعتقد بقدرة كلامه الاعتذاري الذي ورد في مقاله اللاحق (آزادي لسوريا) أن يمحو أثره، خاصة و كما قلت قد تكررمثله في كلام قادة المجلس الوطني السوري، إذ يقول “وما ذكرته من كلمة (أحذر) عنيت بها أحذر من مخاطر بث الروح الانفصالية، و أرجو ألا يأخذها أحد على محمل التهديد”.
و هو أمر يجعلنا نعتقد بأن ثمة شيئ ما تخفيه حيثيات و برامج المجلس المذكور عن الكورد، و إشارته إلى “اتفاق وُقِّع في آب” المنصرم، دون أن يُعلن مضمونه، يقوي لديَّ هذا الاعتقاد.
و الحقيقة أن إتهام الكورد بالانفصال ليس وليد اليوم، كما أن نضال الكورد في دفع هذه التهمة عنهم ليس بخاف على أحد.
فمنذ انطلاق أول تعبير سياسي كوردي في سوريا متمثلاً في تأسيس الحزب الديقمراطي الكوردي في أواخر خمسينيات القرن المنصرم، و هذه التهمة تواجههم، وهو موقف يواجَه به الكورد على مدى أكثر من خمسين عاماً و إلى اليوم من خلال توجيه تهمة (اقتطاع جزء من سوريا و ضمه إلى دولة أجنبية) إلى كل معتقل كوردي سواء كان سياسياً أو كاتباً أو ناشطاً حقوقياً.
وفي المقابل دأب الكورد منذ ذلك الحين، ومنذ مذكرة الدفاع التي أعدها المرحوم الدكتور نورالدين زازا و قدمها للمحكمة في أوائل ستينيات القرن الماضي أثناء محاكمته مع رفاقه، وكان رئيس الحزب حينئذ، و إلى اليوم حيث تخلو مناهج و أدبيات جمبع الأحزاب الكوردية من الدعوة إلى الانفصال، دأب الكورد على دفع هذه التهمة عنهم، و لكنهم للأسف لم يجدوا آذاناً صاغية .
و اليوم و في خضم هذه الثورة التي تنشد سوريا ديمقراطية تعددية، و التي تقترب من قطف ثمارها من خلال امتزاج دماء كل المكونات الاثنية على أرضها، يطلع علينا أناس، من المفترض بهم أن يكونوا، ليس حريصين على وحدة الموقف فحسب، بل حريصين أكثر من الكورد على إزالة ما عَلِق بالأذهان من سياسات التنكر و إلصاق التهم الجائرة بهم، بل نراهم يجارون الثقافة التي هم أنفسهم يثورن عليها، الأمر الذي يوقعهم في ازدواجية ممجوجة و وهْمٍ عجز الكورد عن إنقاذهم منه.
إن سقوط الاستبداد لا يعني سقوط ثقافته معه، وما يصدر عن هذه الشخصيات التي تحمل لواء اسقاط الاستبداد يؤكد أنه سوف تكون ثمة أمام الثوار مسافة طويلة مليئة بالتحايل على أهداف الثورة بعد نجاحها المأمول و المرتقب، و هو أمر يلقي على كاهل الكتل الكوردية في كلا التعبيرين المعارضين، المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق أن تكون أكثر حذراً و حرصاً على أن تكون المواثيق التي توقعها شفافة غير قابلة لتفسيرات متعددة أو انزياحات لغوية، وأن تعرضا تلك المواثيق على جمهور الثورة و لاسيما الجمهور الكوردي في حينها، لا أن توقع اتفاقات لا نسمع بها إلا بعد طول مدة، و دون مضمونها.
و هنا أدعو الكتلة الكوردية في المجلس الوطني السوري إلى ضرورة نشر مضمون ذلك الاتفاق الموقَّع في آب المنصرم على الكورد، حتى لا يتكرر لدينا أمثال محمود الأيوبي و كفتارو و غيرهما.
ما يدعوني إلى هذا الحذر هو ما جاء في كلام السيد أسامة قاضي، فهو يبدو حتى في مقاله الاعتذاري متردداً في قبول ما يمنُّ به على الكورد، إذ يقول “أؤمن بأن إدارة الأخوة الكورد لمناطقهم بطريقة لامركزية حق شرعي و ينبغي دراسته” إنه يمن على الكورد باللامركزية الادارية التي يرفضونها لأن هذه الإدارة الآن واقع عملي من خلال الإدارة المحلية و لم يجن منها لا الكورد و لا غيرهم إلا ما زاد في معاناتهم، و مع ذلك يخضعها للدراسة “ينبغي دراسته”.
و نحن نتساءل، إذا كان ذلك حقاً و شرعياً،متى كانت الحقوق الشرعية تُدرَس؟ أخانت اللغة الرجلَ أم أن وراء الأكمة ما وراءها.
إذا كان نضال خمسين عاماً بكل ما فيه من عذابات السجون و مجلدات من الكتابات و برامج الأحزاب و الدفوعات أمام محكمة أمن الدولة و السعي الكوردي إلى استعادة الجنسية السورية لمن جُرِّدت منه لم يفلح في إقناع السيد أسامة قاضي و مَن لف لفه بحسن نية الكورد و ببراءتهم من تهمة الانفصال، فكيف يدعونا الرجل من خلال مقالة كُتِبت في دقائق معدودات إلى الإيمان بحسن نيته؟.
أليس ما كتبه في مقاله الاعتذاري من أن “الكورد قد ظُلِموا مرتين، مرة ككورد و مرة كسوريين، و أن معاناتهم كانت كبيرة جداً، و من حقهم على الشعب السوري إنصافهم بعد الثورة بما يراه الكورد مناسباً” و من ثم الطعن في وطنيتهم، أليس هذا ضرباً من اللعب على عواطف الكورد أكثر مما هو موقف فكري جاد؟ ها هم الكورد قد طرحوا ما يرونه مناسباً من خلال الدعوة إلى حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم ضمن وحدة الوطن السوري كما ورد في قرارات المؤتمر الوطني الكوردي المنعقد في أواخر تشرين الأول الماضي، و لا أظن أن السيد أسامة قاضي لم يطلع على تلك القرارات، فلماذا يرفض “شكلاً و مضموناً” ما رآه الكورد مناسباً ، و يكرر هذا الرفض أكثر من مرة في حواره المنشور في إيلاف؟
لا يكتفي الرجل برفض مطلب الكورد في حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، بل نراه يقفز على جميع المواثيق و العهود الدولية التي أقرَّت هذا الحق، فلا يراه إلا “تقليعة” إذ يقول “ما أعلمه هو أن الأحزاب الكلاسيكية الكوردية، و خاصة صاحبة تقليعة حق تقرير المصير، ليست بالضرورة هي محركة الشارع”.
إن هذا الكلام، فضلاً عن سخريته بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، لهو دعوة جادة إلى تمزيق وحدة الصف الكوردي من خلال تقسيمه إلى مناصرين لمبدأ حق تقرير المصير و مناوئين له، الأمر الذي يدعو الكورد إلى الترفُّع عن خلافاتهم، و الالتفاف حول مطلبهم بنَفَس الفريق الواحد.
ثم من أين له معرفة من يحرك الشارع الكوردي؟ أكاد أجزم بأن السيد أسامة قاضي يعرف قبل غيره أن ثمة أناساً لم يكونوا معروفين في ميدان المعارضة السورية قبل الثورة، ثم ظهروا فجأة في منتصف الطريق يركبون الموجة، ربما كان بنفسه أحد هؤلاء، و أن (أولئك الذين لا يحركون الشارع) يعارضون النظام منذ وجوده.
إن جزءاً كبيراً من النضال الكوردي في سوريا على مدى ما يزيد عن نصف قرن كان و لايزال يسعى إلى إبراز حسن نية الكورد، هذه النية التي يدَّعي العروبيُّون أنهم سبروا أغوارها و اكتشفوا أنها تتربص بهم، حريٌّ بهذا النضال أن يتجه اليوم وجهة أخرى، و هي مطالبة أولئك العروبيِّين بأن يؤكدوا هم حسن نيتهم تجاه الكورد، و حريٌّ بالكورد أن يقرأوا جيداً تلك المحاولات غير البريئة التي تسعى إلى الفصل بين الجمهور الكوردي و رموزه الفكرية و السياسية و الثقافية عبر الطعن بتلك الرموز و الإشادة بالجمهور.