واقع الحركة الوطنية الكوردية.. الرؤية والآفاق..!

دهام حسن

لا يخفى على أي متابع لواقع الحركة الوطنية الكوردية في سوريا، لا يخفى عليه أن الحركة تعيش حالة من الضعف والعجز، ويتراءى ذلك بوضوح في حالة التشتت والتشرذم التي تعيشها الحركة، وتغلغل الضعف والوهن بشكل عام وسريانه  في أوصال الحركة، ولذلك أسباب ذاتية، وأيضا أسباب موضوعية، من الأسباب الموضوعية التي لن نقف عندها إلا بالتذكير فحسب..

الواقع السوري الجيوسياسي، أي من حيث الموقع الجغرافي، والعلاقات في الداخل الوطني ومع دول الجوار، فضلا عن القومي العربي، طبيعة النظام الشمولي الذي يحكم سوريا منذ عقود، طبيعة المجتمع السوري على العموم، التعددية المجتمعية في العرق والدين والطائفة والمذهب، هذه الأسباب وسواها مجتمعة لها التأثير الواضح على واقع سوريا السياسي، وبإمكان أيّنا أن يتفلسف هنا كثيرا، ويثير بالتالي أسئلة عديدة، لكننا سنتجاوز هذه الأسباب كما أسلفنا قبل قليل لنثير بالتالي الأسباب الذاتية فحسب..
لنعد ثانية إلى واقع الحركة الكوردية الراهن، ونقف بالتالي عند الأسباب الذاتية التي حالت وتحول دون انطلاقتها إلى الأمام بعنفوان، علينا أن نعي أن أهم هذه الأسباب هو طبيعة المجتمع الكوردي، وحالة تخلفه التاريخي، ونفوذ العقلية الريفية العشائرية وترؤسها في التنظيمات الحزبية، غياب العلاقات الديمقراطية بين فئات المجتمع عموما، افتقار الكورد لشريحة ثقافية مدينية تعنى بالأمور السياسية وتلعب دور القيادة في شؤون الحركة عوضا عن فريق أميّ قيض له تاريخيا أن يلعب دون  جدارة هذا الدور الخطير، اتكالها على العامل الخارجي كمعين أو دليل في رسم سياستها، العزلة الوطنية التي عاشتها الحركة داخل البلاد لفترة ليست بقصيرة بسبب قصر النظر بما فيه الانغلاق القومي، سوء وتدني مستوى سلوك وتصرف بعض الفصائل من خلال نشاطها للنضال السياسي وممارستهم الحزبية للحياة الداخلية التنظيمية، العقلية الشمولية في القيادة والتنظيم لهؤلاء القادة، وأخيرا نقول كما لاحظت معي أن الأسباب عديدة لا يمكن حصرها أو قصرها على حالات حصرية وحيدة..
أما الآن بعد هذه الرؤية، وفي ضوء واقع الحركة الراهن، ومعايشتي للحالة السياسية والحزبية اليومية عن كثب، سوف يأتي التحليل والمعالجة، وهو لا يخرج عن الأسباب الذاتية لمن أنيطت بهم قيادة الحركة بعيدا عن الأسباب الموضوعية التي مررنا بها في مستهل مقالنا هذا، فالحركة السياسية الكوردية كأية حركة أخرى لا تلام على بداياتها المتعثرة عندما قيضت لها قيادة كان طموحها أكبر من قدراتها ومعرفتها، لكن هذا الحلم أثمر عن تنظيم قوي نسبيا ومتماسك، لكن لم يسلم من الأخطاء والعثرات، فقدرات هؤلاء الأحرار كانت كما قلنا دون طموحهم المشروع.

لكننا لسنا بصدد نبش الماضي النضالي المجيد، بل سنعكف في معالجتنا على الواقع الراهن المؤسف فحسب…
التشتت التشرذم، الانقسام الفعلي الحاصل، هو حال الفصائل السياسية مجتمعة دون استثناء يذكر لأي فصيل كان، بعض القادة الذين أصابهم العجز، وحتى يستمروا في البقاء تراهم  يتشبثون بكرسي السلطة الحزبية، ويقتاتون على الماضي، وحتى التهيئة للتوريث عند بعضهم، فلم ينتبهوا لعقارب الساعة، كما لم يستطيعوا قراءة الواقع، فقد تجاوزهم الزمن، وتخلفوا عن الواقع السياسي عموما، فلم يعودوا أبناء واقعهم لعدم قدرتهم على مواكبة المستجدات والتكيف مع أي جديد، فهؤلاء – حقا- غدوا حجر عثرة في واقع أحزابهم وفي واقع الحركة السياسية الكوردية عموما، إذا كان الانشطار والانقسامات من سمات الأحزاب الكوردية في سوريا، أو غدت كذلك، علينا التنبه من أن ما جرى من انقسام وتنافر بين فصائل الحركة قد تمّ تدشينه في زمن هؤلاء القادة وعلى أيديهم للأسف، وبالتالي لا بد من تجاوزهم..

لكن كيف يتحقق ذلك؟ هذا ما ينبغي الوقوف عنده والتفكير فيه للخروج بتصور واضح في معالجة الحالة وتجاوزها..
اليوم ليس أمام أحزاب الحركة إلا شيء واحد وحيد وهو طرق الأبواب التي تجمع الفصائل، فعديد من هذه الأحزاب يمكن جمعها في حزبين أو ثلاثة أحزاب على أكثر تقدير، هنالك الأحزاب الأصفار، وهي مجموعة أحزاب صغيرة دون ظهور أو نشاط يذكر، لا تعرف منها غير اسم السكرتير، فليفعل هؤلاء شيئا مما يجمع وينتهوا مما يفرق، حتى يسجل لهم كبادرة محمودة في أرشيفهم، الحركة الكوردية عموما تفتقد القائد الكاريزمي الذي يمكن له أن يلهم الجماهير الكوردية بمبادراته القومية والوطنية، ففيهم من الذئاب ممن تنهش جسد الحركة، ناهيك عن الثعالب التي تثير خلفها الغبار على الحركة، ثمة أحزاب تتشابه في خطابها السياسي فلماذا لا تندمج، لكن حقيقة حتى لو تمت عملية الدمج بين أكثر من فصيلين، فهي لن تتبلور كحزب سياسي كبير بعض الشيء، ولن ترقى في نضالها إلى المستوى المتأمل والمنشود، وهنا سأقوم بإثارة بعض الأفكار التي تحضرني في سياق هذه المقالة، أثيرها كورقة عمل برؤية إيجابية في معالجة الواقع الكوردي الراهن تضاف إلى ما ورد أعلاه وهي التالي:
– التفاعل الإيجابي مع العنصر العربي على الساحة الوطنية السورية، وطمأنته على وحدة البلاد والتلاحم الوطني، وعدم إثارته للشعارات القومية الزاعقة، التي تبعث على الشك والريبة، وتكون سببا في الجفاء والقطيعة..


-الاهتمام بالكادر الثقافي سواء أكان حزبيا أم يمارس دوره الثقافي ككاتب إيجابي مستقل، وتشجيعه والوقوف إلى جانبه ودعمه ماديا ومعنويا، والابتعاد عن سعي ومحاولات بعضهم لتدجينه وترويضه لمصلحة هذا الحزب أو ذاك..
– انفتاح الأحزاب بعضها على بعض، وكسر حاجز الجليد ما بينها، وخلق جو حميمي من التواصل الدائم، والانفتاح على الجمهور الكوردي في لقاءات مشتركة معه، وتبادل الزيارات الحزبية بين تلك القيادات دون انقطاع..
-الاتفاق على الخطوط العريضة في النضال القومي، والتعبير عنه في خطاب سياسي جامع لمختلف الفصائل الكوردية، والتوجه بهذا الخطاب الموحد إلى العنصر العربي، والتنسيق مع المعارضة الوطنية عموما في كثير من المسائل دون الإخلال بالحقوق القومية المشروعة لشعبنا الكوردي..
-العلاقات مع الخارج الكوردي – العراق مثلا- ينبغي أن تكون متوازنة، فلا ينفرد فصيل دون آخر بعلاقات مميزة، بمعنى آخر يجب أن يكون التعاطي مع الحركة كجسم واحد، لا مع هذا الفصيل دون ذاك، والمسؤولية في هذا الإطار يتحملها الطرفان الداخل والخارج على السواء..

لأن تفضيل فصيل على آخر يؤثر على اللحمة القومية في الحركة من جانب، ويخلق سببا في عدم المساواة في التعاطي ودفع الطرف الضعيف إلى الولاء من جانب آخر، والحيلولة دون التعاطي مع الفصائل الأخرى طالما لا تقر لها بالولاء والتبعية..
-التفكير بجدية في تأسيس مركز سياسي في الغرب من الكورد السوريين، وحتى من غير السوريين المقيمين هناك بشكل دائم ولنسمه تجاوزا بـ(اللوبي الكوردي) لتشكل بالتالي مركز نشاط في إثارة القضايا القومية بغرض استقطاب الرأي العام العالمي الرسمي والمدني للتعاطف مع قضايا شعبنا العادلة، وقد ترقى وتتحول في يوم من الأيام إلى لوبي كوردي كما قلنا على شاكلة اللوبيات النشطة لبلدان عديدة، وهذا لا يكلف شيئا سوى التواصل برؤية موحدة مع الكوادر المتفاهمة في الخارج وإن جاء توزيع هؤلاء على أكثر من تنظيم حزبي..
هذا ما يحضرني الآن من أفكار، أرجو أن وفقت مخلصا، في بذل وعرض أهم هذه الأفكار، وأني على يقين أن أفكارا عديدة وهامة سيفوتني ذكرها، لأن ما استجمعته لا يشكل سوى غيض من فيض، لكن الخيبة والخشية الكبيرة من أنك لن تجد آذانا صاغية ومستجيبة لما ترمي إليه تلك الأفكار، وكأنك كالعادة تنفخ في قربة مثقوبة، فلا حياة لمن تنادي..!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر تعتبر المعارضة في أية دولة ولدى الشّعوب الطريق المستقيم الذي يهديهم إلى الإصلاح أو السّلام والطّمأنينة، لذلك يتماشى هذا الطّريق مع الطّريق الآخر المعاكس له وهو الموالاة. في فترات الحروب والأزمات تكون المعارضة لسان حال المستضعفين والمغلوبين على أمرهم والمظلومين، لذلك نجدها وفي معظم الأحيان تحقق الأهداف المرجوة، وتكون طرفاً لا يستهان به في إنهاء الحروب…

محمد زيتو مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما…

بوتان زيباري كوباني، تلك البقعة الصغيرة التي تحوّلت إلى أسطورة محفورة في الذاكرة الكردية والسورية على حد سواء، ليست مجرد مدينة عابرة في صفحات التاريخ، بل هي مرآة تعكس صمود الإنسان حين يشتد الظلام، وتجسيد حي لإرادة شعب اختار المواجهة بدلًا من الاستسلام. لم تكن معركة كوباني مجرد مواجهة عسكرية مع تنظيم إرهابي عابر، بل كانت ملحمة كونية أعادت…

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…