فرحان مرعي
بينما كان صاحب البيت لا ينوي اطعام ضيفه الثقيل ولا تبييته حتى فطن الاخير بنيته فحدث قائلاً ليضرب عصفورين بحجر : يا فلان عندما نأكل اين سننام ؟ هكذا النظام السوري -في الوقت الذي يرفضه الشعب السوري بكل رموزه ومكوناته ودستوره وايديولوجيته- يسن دستوراً على مقاسه ويدعو الناس الى الاستفتاء عليه وفي اقرب وقت ايضاً مستهيناً بالناس واستغبائهم واستفزازهم وكأن ما يجري في سوريا لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد؟؟؟؟؟.
دون الرجوع الى نصوص ومواد هذا الدستور فهو مرفوض سلفاً- ولن يناقش ولن يبدي عليه اية ملاحظة او انتقاد ليس لاننا ننطلق من الاحكام المسبقة وانما من الوقائع والظروف المستجدة في سوريا- لانه ببساطة مشروع دستوركتب من قبل نظام يقتل شعبه بكل الاسلحة الفتاكة ويقمعه ويعتقله وينتهك حرماته يومياً وفي كل لحظة منذ اكثر من عشرة اشهر، كتب في الوقت الذي ينتفض فيه الشعب السوري في مناطقه المختلفة ويصرخ باعلى صوته :الشعب يريد اسقاط النظام) بل يتجاوز المطلب هذا الشعار الى محاكمة رموز النظام والمسؤولين عن الجرائم المرتكبة ،بل كتب في الوقت الذي يبحث فيه العالم الحر سبل عزل هذا النظام وترحيله لا بل انه وبحدود مائة واربعين دولة ادانوا هذا النظام واعماله القمعية ضد شعبه في الجمعية العامة للامم المتحدة ، لذلك ليس من المعقول والمنطقي ان نفكر مجرد تفكير في مناقشة هكذا دستور وفي ظل نظام لم يعترف في يوم من الايام لا بالدستور السوري ولا بقوانينه لمدة اربعين سنة بل ضرب بعرض الحائط كل القوانين والدساتير، وهل هناك اصلاً دستور يعمل به وقانون يأخذ به عند الانظمة الشمولية المافوية ؟ وهل مثل هذا النظام يعترف بدستور ولو على مقاسه،أما كنا بألف خير لو نفذ واحد بالمائة من الدستور القديم رغم علاته وشوفينيته وعنصريته؟ الديمقراطية ليست سلعة نشتريها ولا تأتي من كتابة الدساتير العصرية والحضارية وانما من العقول الحضارية التي تربت على القيم الانسانية والاخلاقية في النتيجة ان الشعب السوري لن يقبل بدستور يشرعه النظام السوري ولو كان مثالياً او الهياً .
في الواقع ومن خلال تجربتنا مع هذا النظام لمدة نصف قرن تقريباً لم نرى سلطة تنفيذية ولا تشريعية ولاقضائية حقيقية في سوريا بل سلطة وحيدة ،سلطة مافوية تحكم من وراء السلطات المذكورة حيث اغلبية النواب والوزراء مجرد دمى وبيادق تتحرك عن بعد وكان لعبتهم المفضلة اللصوصية في دولة قوامها الفساد والافساد.
ان هذا الدستور وتفصيله يذكرني في الواقع بقصة دراماتيكية لأحد الأغوات او الباشوات الذي كان يملك رجال يسرقون ويغزون وعندما كانوا يأتون بالغنائم يقوم الباشا او الأغا بأخذ النصف ثم يقسم النصف الآخر ثانية بينه وبين زلمه ،وهكذا ان مشروع الدستور الجديد لا يحسب السنين السابقة من سلطة النظام بل يخولهم مجدداً بالتقدم للانتخابات رئاسية مرتين متتاليتين وهذا يعني سلطة مؤبدة أخرى لن يرضاها الشعب السوري المنتفض ولو ابيد عن بكرة ابيه ، ولذلك ان افضل نقاش ورد حول هذا المشروع الدستوري هو القيام بالمظاهرات السلمية والاحتجاجات في يوم استفتائهم المشؤوم في كل سوريا او الاضراب عام وعند ذلك وبعد ذلك يمكن ان نناقش مشروع دستور جديد يطرحه الثوار والمعارضة لسوريا الجديدة .