فعلى الرغم من إبداء الكثير من الدول العربية(لا سيما الخليجية) استعدادها ل”تقديم كافة أشكال الدعم السياسي والمادي للمعارضة السورية”، كما جاء في قرارات الجامعة العربية الأخيرة)، ورغم إعلان هذه الأخيرة “القطيعة” عن النظام السوري، إلا أنّ السؤال المطروح هو: كيف سيُترجم هذا الدعم “الصديق” الملفوف بالأقوال إلى أفعال؟
لعلّ أهم هذه التصريحات، وأكثرها إثارة للجدل والسؤال، هو التصريح الأخير الذي جاء على لسان وزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام، الذي قال كلاماً فيه من التشاؤم أكثر من التفاؤل، ومن الغموض أكثر من الوضوح، هذا فضلاً عن أنها تصريحات تبدو “مقلقة”، لا تفرّق، بالنسبة للسوريين في الأقل، بين “الصديق” و”اللاصديق”، و”من يريد سوريا حرّةً بيد الشعب” و”آخر يريد سوريا رهينةً بيد النظام”.
فمن المعروف أنّ المؤتمر كان من المفترض به أن يكون مخصصاً ل”أصدقاء الشعب السوري”، المعروفين بمواقفهم الحاسمة أو شبه الحاسمة ضد النظام السوري، الذي انتهى صلاحيته، حسب ديبلوماسيات الكثيرين من هؤلاء “الأصدقاء”.
وذلك على العكس تماماً من “أصدقاء النظام”، الذين بذلوا ولا يزالون يبذلون كلّ ما في وسعهم ل”تعطيل” سوريا، وشعبها وثورتها، في كلّ المناسبات والمؤتمرات الأممية والإقليمية.
توجيه الدعوة رسمياً، إلى روسيا والصين، لحضور هكذا مؤتمر، يعني جلوس “أصدقاء الشعب السوري” و”أصدقاء النظام”، على طاولة واحدة، للإتفاق على “صداقة واحدة” مع “سوريا واحدة”.
والسؤال هنا، هو: هل لا يزال طريقاً أممياً “صديقاً” كهذا، إلى هكذا سوريا، بالفعل ممكناً؟
كلّ المؤشرات على الأرض، حتى اللحظة، سواء على مستوى ما يجري في الداخل السوري، أو خارجه على المستوى الأممي والإقليمي، لا تزال تؤكد بأنّ اتفاقاً كهذا على سوريا كهذه، تجمع “النظام والمعارضة”، بدعمٍ من أصدقاء الطرفين، هو اتفاقٌ صعب المنال، لا بل شبه مستحيل.
لن يكون هذا الإتفاق، إلا بشرطٍ واحد ووحيد: ألا وهو تنحي الأسد وخروجه مع كلّ أركان نظامه من السلطة، لتسليمها إلى الشعب، عبر مرحلة إنتقالية.
هذا هو شرط الثوار في الداخل، ومعهم المعارضة السورية بشقها الممثل في المجلس الوطني السوري، في الأقل، وهو ما لم ولن يقبله الأسد، كما تقول آخر مسرحيات نظامه، ومعارك جيشه، الذي يدكّ المدن ويمحي أجزاء منها عن بكرة أبيها.
دخول الروس والصينيين على خط الحضور في هذا المؤتمر، بعد دعواتٍ طالبت فيها روسيا الإجتماع مع دول “التعاون الخليجي”، يعني العودة بالقضية السورية إلى المربع الروسي ـ الصيني مجدداً، ما يعني دخولها في “بازار أممي”، ليس للسوريين حق اللعب فيها، إلا ك”قرابين” شهود على ما سيتفق عليه “الأمميون الكبار”، من موسكو إلى واشنطن، مروراً بباريس ولندن وبرلين وأنقرة وطهران والدوحة وأخواتها.
“أصدقاء سوريا” سيجتمعون من دون سوريا والسوريين، حيث لن يكون للمعارضة السورية فيها “حق” الحضور، كما جاء على لسان وزير خارجية تونس.
“أصدقاء سوريا” سيجتمعون على سوريا، بدونها.
هم، سيقررون مصير سوريا بأنفسهم، في غياب سوريا.
هم، سيتصادقون مع السوريين، في غياب السوريين أنفسهم.
هم، سيريدون لسوريا، ما قد لا يريده السوريون لأنفسهم.
هم سيختارون “سوريا صديقة”، ليس للسوريين فيها خيارٌ.
والسؤال الذي يبقى، هو:
ما الذي يمكن أن يجمع “أصدقاء الشعب السوري” و”أصدقاء النظام”، على “صداقة واحدة” مع “سوريا واحدة”، في وقتٍ ما عادت هذه الأخيرة تتسع لعدوّين: نظامٌ فاشيٌّ حاكم، يدمّر ويمحي ويقتل، وشعبٌ محكومٌ ليس له إلا أن يُدمَّر ويُمحى ويُقتَل.
ما الذي يمكن أن يجمع صديقاً لشعبٍ يُقتل، مع صديقٍ لنظامٍ يقتل؟
ما الذي يمكن أن تؤول إليه “صداقة متضادة”، هشّة، لن تعمّر طويلاً كهذه، على طاولة تجتمع عليها المتضادات، خلا سوريا متضادة، هشة، ليس لها أن تموت في أقرب بازارٍ أمميٍّ ممكن، قرباناً لصفقات الكبار.
مشاركة الروس والصينيين كأصدقاء للنظام، “أصدقاء الشعب السوري” في مؤتمر “الصداقة” القادمة مع سوريا، يعني تفريغ القمة القادمة في تونس من محتواها، واختزال “الصداقة” إلى نصفها.
و”نصف صداقةٍ” مع سوريا مشتركة كهذه، بين “أصدقاء النظام” هناك، و”أصدقاء الشعب السوري” ههنا، يعني العبور إلى “سوريا ناقصة”، أو إلى “نصف سوريا”، بنصف شعب، ونصف ثورة، ونصف حريّة.