عدنان بدرالدين
لست من المعجبين بالسياسة الأمريكية ، وإن كنت أكره الدبلوماسية الروسية ، ولا أطيق الصينية ، لكن ماكنت أحترمه دوما ، ولاأزال ، في الفكر السياسي الأمريكي هو شفافيته المفرطة في الطرح السياسي التي تفتقر ، في أحيان كثيرة ، إلى الدبلوماسية ، ليس لأن الأمريكان لايتقنون فنون الدبلوماسية ، أو أصول اللباقة السياسية ، فلديهم من ذلك فائض يكفي لتوزيعه على دول العالم كلها ، بل لأن أمريكا ، وفي العقدين الأخيرين على وجه الخصوص ، باتت تتصرف بمنطق القوة الأعظم والوحيدة في العالم ، لدرجة ترى نفسها في حل من تبرير مواقفها أمام أي كان ، مهما بلغت قوة هذا “الكائن” وعظم شأنه.
وتجليات “الصفاقة الأمريكية” ، كما سيقول دهاقنة الفكر القومجي العروبي ، وزملاءهم في المهنة من الكورد والترك والعجم ، كثيرة للغاية ، تبدأ مع إنحياز أمريكا المطلق إلى جانب الدولة العبرية في صراعها مع العرب ، والفلسطنيين منهم على وجه التحديد ، وتجاهل المأساة الكوردية في تركيا ، والإستبسال في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في مناطق معينة ، والتعامي عن رؤيتها في مناطق أخرى ، بحسب الحاجة ، وتبعا لمقام “الزبون” ، ولاتنتهي بمواقفها المثيرة للجدل في قضايا التلوث البيئي ، وتحصين الجندي الأمريكي من الملاحقة القضائية خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية ، حتى في تلك الحالات التي يشتبه فيها بتورطه في إرتكاب جرائم حرب ، أو جرائم ضد الإنسانية.
والواقع أن هذا الأمر ، على شذوذه المفرط ، لا يقدم أي جديد ، بل أنه يمثل “السلوك النموذجي” لكل الأمبراطوريات المعروفة على إمتداد التاريخ البشري ، من حيث أنها لاتجد نفسها ملزمة بإتباع أي قانون ، وإن كانت تعاقب بقسوة من يتجرأ على خرقه ، لأنه بمنطق الإمبراطورية صيغ/القانون/ لينفذه آخرون غيرها ، ولايعنيها في شيئ ، و لهذا سيكون ، بالطبع ، من السذاجة الإيمان أن كل مايمارس في عالم اليوم من ظلم وتسلط ولاعدالة سيتغير فجأة نحو الأفضل ، لو أن قوة عالمية أخرى إحتلت المقعد الأمريكي في قيادة العالم ، الصين مثلا ، فهي التي تبدو الآن مؤهلة أكثر من غيرها لذلك ، ولو من باب الإفتراض ، و لوأنه إذا حدث فعلا ، فسيكون بعد عقدين من الزمن أو يزيد ، لكن الأرجح أن العالم آنذاك لن يصبح أكثر عدالة ، وإن كان سيتوجب عليه أن يتعلم لغة أصعب من إنكليزية الأمريكان ، بما لايقاس ، بإعتبارها لغة “الإمبراطورية الجديدة” ، وحسب.
واللافت أن الأمريكان يقومون بذلك ، وكما “يليق” بإمبراطورية حقيقية ، بإستعراضية منفلتة تلامس فعلا الصفاقة ، أو تكاد.
ولكن مالهم في المعضلة السورية لايشبهون أنفسهم البتة؟!
الدبلوماسية الأمريكية ممثلة برئيستها هيلاري كلينتون ، تختلق الذرائع كي تنأى بنفسها عن “الحريق السوري”.
والإدارة الأمريكية صمتت دهرا قبل تقول كلمة (أرحل) للدكتاتور الدمشقي ، بعكس كل التوقعات التي كانت ترجح سلوكا كهذا في التعامل مع بعض من أقرب المقربين إليها مثل بن علي تونس ، ومبارك مصر.
لا بل أنها وخلافا للحالتين التونسية والمصرية ، وللمفارقة ، لم ترفق (إرحل) السورية بكلمة (فورا)!
وأمريكا أوباما باتت ، وكما لا”يليق” بإمبراطورية حقيقية ، تقول الكلام وعكسه ، فهي تقول بلاشرعية الأسد مع تمسك غريب بالتواصل الدبلوماسي مع نظام لاشرعي بإعترافها هي .
والأسد في نظرالسيدة كلينتون مجرم حرب ، لكن تقديمه للمحاكمة على جرائمه “سيعقد الأمور أكثر” ، وهو أمر لم تفكر فيه أمريكا في حالة صدام حسين ، رغم أن محاكمة هذ الأخير وإعدامه لاحقا ، عقد بالفعل الأمور كثيرا في بلاد الرافدين.
والإدارة الأمريكية التي فضلت إتباع سياسه “التريث” و “النفس الطويل” مع المأساة السورية الدامية تؤكد بمناسبة وبدونها على عدم وجود نية لديها للتدخل العسكري في سورية تحت أي طائل ، وتدفع قيادة الناتو أيضا لقول الأمر ذاته ، بل أنها وعلى لسان عميدة دبلوماسيتها إستبعدت مؤخرا حتى فكرة تسليح المعارضة السورية ، بذريعة أنها قد تسلح بذلك “القاعدة” و “حماس”؟!! وذلك في وقت كانت أربعون قذيفة في الدقيقة الواحدة تسقط على رؤوس أهالي حي بابا عمرو من مدافع جيش الأسد الذي يستبسل بضراوة من أجل “الإنتصار” في المعركة ضد شعبه ، مما يجعلها/كلينتون/ شريكة في هدر الدم السوري المراق ليس فقط في حمص و إنما أيضا في حماة وإدلب ودير الزور ودرعا وريف دمشق والحسكة ، وحيثما صدحت حنجرة حرة برحيل الطاغية ، أي في عموم الوطن السوري.
البعض يقول أن هناك مؤامرة دولية على الثورة السورية ، إذ أن سورية ديمقراطية تعددية ، تشكل خطرا وجوديا على أنظمة الطغيان العربي وغيرها في الجوار القريب والبعيد المتهالكة بفعل الإستبداد والفساد.
آخرون يشيرون إلى الذراع الإسرائيلية الطويلة في دهاليز السياسة الغربية والأمريكية ، لابل حتى في روسيا بوتين ذاتها ، مشيرين إلى اللوبي القوي لليهود الروس في الدولة العبرية التي تفضل “عدوا مجربا” على “صديق مجهول” في إيماء إلى نظام الأسد وذلك الذي قد يخلفه بعد حين.
هناك من يعتقد أن التردد الغربي والأمريكي منه على وجه الخصوص يعود في جزء منه إلى الخوف من ردة فعل أصدقاء الأسد وخاصة إيران في حال إستهدافه ، ومنها اللجوء إلى عمليات إرهابية كبيرة في عمق العالم الغربي ، أو إحداث أزمة نفط عالمية من خلال إغلاق مضيق هرمز ، وربما إستهداف حقول النفط في دول الخليج العربي ، مما سيفاقم الأزمة العالمية الحادة أصلا.
قد تكون بعض هذه الأسباب ، أو كلها ، في أساس السلوك الإشكالي للإمبراطورية الأمريكية حيال المعضلة السورية ، وقد تكون هناك عوامل وأسباب أخرى مجهولة وراء كل هذه الأريحية التي تسم السلوك الأمريكي في تعامله مع نظام الأسد الدموي ، فالطبيعي أن الأمبراطوريات على تبرجها الغير منضبط بأية حدود تحتفط لنفسها ببعض الأسرار التي تفاجأ بها خصومها الواقعيين أو المفترضين بين الحين والآخر ، ومن تحصيل حاصل أن لا نلم بها أو نعرفها ، لكن مانعرفه حقا ، ونحن نعاين الجرح السوري النازف منذ حين ، أن أمريكا لاتشبه نفسها البتة ، وأن الشعب السوري أيضا لم يعد يشبه نفسه التي كانت قبل حين ، فقد كسر أخير جدران خوفه ، وإنطلق على طريق إستعادة حريته المسلوبة بعزيمة صلبة وإيمان متقد ، وليس هناك قوة في كل هذا العالم الكبير تستطيع الآن وقف مسيرته الظافرة نحو تحقيق أحلامه في الحرية والكرامة الإنسانية.
والواقع أن هذا الأمر ، على شذوذه المفرط ، لا يقدم أي جديد ، بل أنه يمثل “السلوك النموذجي” لكل الأمبراطوريات المعروفة على إمتداد التاريخ البشري ، من حيث أنها لاتجد نفسها ملزمة بإتباع أي قانون ، وإن كانت تعاقب بقسوة من يتجرأ على خرقه ، لأنه بمنطق الإمبراطورية صيغ/القانون/ لينفذه آخرون غيرها ، ولايعنيها في شيئ ، و لهذا سيكون ، بالطبع ، من السذاجة الإيمان أن كل مايمارس في عالم اليوم من ظلم وتسلط ولاعدالة سيتغير فجأة نحو الأفضل ، لو أن قوة عالمية أخرى إحتلت المقعد الأمريكي في قيادة العالم ، الصين مثلا ، فهي التي تبدو الآن مؤهلة أكثر من غيرها لذلك ، ولو من باب الإفتراض ، و لوأنه إذا حدث فعلا ، فسيكون بعد عقدين من الزمن أو يزيد ، لكن الأرجح أن العالم آنذاك لن يصبح أكثر عدالة ، وإن كان سيتوجب عليه أن يتعلم لغة أصعب من إنكليزية الأمريكان ، بما لايقاس ، بإعتبارها لغة “الإمبراطورية الجديدة” ، وحسب.
واللافت أن الأمريكان يقومون بذلك ، وكما “يليق” بإمبراطورية حقيقية ، بإستعراضية منفلتة تلامس فعلا الصفاقة ، أو تكاد.
ولكن مالهم في المعضلة السورية لايشبهون أنفسهم البتة؟!
الدبلوماسية الأمريكية ممثلة برئيستها هيلاري كلينتون ، تختلق الذرائع كي تنأى بنفسها عن “الحريق السوري”.
والإدارة الأمريكية صمتت دهرا قبل تقول كلمة (أرحل) للدكتاتور الدمشقي ، بعكس كل التوقعات التي كانت ترجح سلوكا كهذا في التعامل مع بعض من أقرب المقربين إليها مثل بن علي تونس ، ومبارك مصر.
لا بل أنها وخلافا للحالتين التونسية والمصرية ، وللمفارقة ، لم ترفق (إرحل) السورية بكلمة (فورا)!
وأمريكا أوباما باتت ، وكما لا”يليق” بإمبراطورية حقيقية ، تقول الكلام وعكسه ، فهي تقول بلاشرعية الأسد مع تمسك غريب بالتواصل الدبلوماسي مع نظام لاشرعي بإعترافها هي .
والأسد في نظرالسيدة كلينتون مجرم حرب ، لكن تقديمه للمحاكمة على جرائمه “سيعقد الأمور أكثر” ، وهو أمر لم تفكر فيه أمريكا في حالة صدام حسين ، رغم أن محاكمة هذ الأخير وإعدامه لاحقا ، عقد بالفعل الأمور كثيرا في بلاد الرافدين.
والإدارة الأمريكية التي فضلت إتباع سياسه “التريث” و “النفس الطويل” مع المأساة السورية الدامية تؤكد بمناسبة وبدونها على عدم وجود نية لديها للتدخل العسكري في سورية تحت أي طائل ، وتدفع قيادة الناتو أيضا لقول الأمر ذاته ، بل أنها وعلى لسان عميدة دبلوماسيتها إستبعدت مؤخرا حتى فكرة تسليح المعارضة السورية ، بذريعة أنها قد تسلح بذلك “القاعدة” و “حماس”؟!! وذلك في وقت كانت أربعون قذيفة في الدقيقة الواحدة تسقط على رؤوس أهالي حي بابا عمرو من مدافع جيش الأسد الذي يستبسل بضراوة من أجل “الإنتصار” في المعركة ضد شعبه ، مما يجعلها/كلينتون/ شريكة في هدر الدم السوري المراق ليس فقط في حمص و إنما أيضا في حماة وإدلب ودير الزور ودرعا وريف دمشق والحسكة ، وحيثما صدحت حنجرة حرة برحيل الطاغية ، أي في عموم الوطن السوري.
البعض يقول أن هناك مؤامرة دولية على الثورة السورية ، إذ أن سورية ديمقراطية تعددية ، تشكل خطرا وجوديا على أنظمة الطغيان العربي وغيرها في الجوار القريب والبعيد المتهالكة بفعل الإستبداد والفساد.
آخرون يشيرون إلى الذراع الإسرائيلية الطويلة في دهاليز السياسة الغربية والأمريكية ، لابل حتى في روسيا بوتين ذاتها ، مشيرين إلى اللوبي القوي لليهود الروس في الدولة العبرية التي تفضل “عدوا مجربا” على “صديق مجهول” في إيماء إلى نظام الأسد وذلك الذي قد يخلفه بعد حين.
هناك من يعتقد أن التردد الغربي والأمريكي منه على وجه الخصوص يعود في جزء منه إلى الخوف من ردة فعل أصدقاء الأسد وخاصة إيران في حال إستهدافه ، ومنها اللجوء إلى عمليات إرهابية كبيرة في عمق العالم الغربي ، أو إحداث أزمة نفط عالمية من خلال إغلاق مضيق هرمز ، وربما إستهداف حقول النفط في دول الخليج العربي ، مما سيفاقم الأزمة العالمية الحادة أصلا.
قد تكون بعض هذه الأسباب ، أو كلها ، في أساس السلوك الإشكالي للإمبراطورية الأمريكية حيال المعضلة السورية ، وقد تكون هناك عوامل وأسباب أخرى مجهولة وراء كل هذه الأريحية التي تسم السلوك الأمريكي في تعامله مع نظام الأسد الدموي ، فالطبيعي أن الأمبراطوريات على تبرجها الغير منضبط بأية حدود تحتفط لنفسها ببعض الأسرار التي تفاجأ بها خصومها الواقعيين أو المفترضين بين الحين والآخر ، ومن تحصيل حاصل أن لا نلم بها أو نعرفها ، لكن مانعرفه حقا ، ونحن نعاين الجرح السوري النازف منذ حين ، أن أمريكا لاتشبه نفسها البتة ، وأن الشعب السوري أيضا لم يعد يشبه نفسه التي كانت قبل حين ، فقد كسر أخير جدران خوفه ، وإنطلق على طريق إستعادة حريته المسلوبة بعزيمة صلبة وإيمان متقد ، وليس هناك قوة في كل هذا العالم الكبير تستطيع الآن وقف مسيرته الظافرة نحو تحقيق أحلامه في الحرية والكرامة الإنسانية.
النرويج