كما لو أن المقدَّر لآذار وفيه، هو أن يكون جامع النقائض، وحاضن العرائض من هنا وهناك، وذلك هو مدهشه فينا.
يمكن لقراءة فلكية أن تتلمس فيما هو آذاري هذا الزخم في تلويناته، في هذا الوصل والفصل بين الآلم والمفرح، بين عنف خصم أو عنف لا يريد أن لآذار- آذار واحد- أن يمر دون اصطباغه بدم أضحية: كردية أو غير كردية، وتسجيل مأثرة له تحيل إليه الشهر باعتباره امتيازه السلطوي أو القمعي، ومجابهة مضادة وآسرة تعيد إلى آذار آذاريته النافحة.
في لائحة أحداثه ووقائعه، يسهل على أي كان أن يجد نفسه فيه، في مرآته، إذ ليس كل من تنفس الصعداء، أو شهد الشهر أمعن فيه النظر واستخلص منه العبر، ليس كل من يخفق بين جنبيه قلب، يضفي على آذار انقلابه الربيعي، وحظوة مستعادة من المسار الفلكي حيث الشمس تبدأ بالنهوض أكثر، والأرض تتهيأ أكثر للكشف عن مباذلها.
يمكن لقراءة ثقافية أن تمعن فيه النظر، وتشكل درسها التاريخي الموهوب على مر مئات وربما آلاف السنين، حيث الأثر الآذاري لا يني يتنوع، كما لو أنه المخلص لاسمه، والفاصل بين الشهور، وإن كان المنتمي إلى رهطها الاثني عشري.
تلك هي الثقافة التي تسمّي شعوباً وأمماً، تسمّي النوروز الكردي وغير الكردي، وتقيم علاقات بين الأمم والشعوب ذات المرجعية الآذارية، والقائمة آذارياً، أو الدائرة في رحاب آذار” مارس” أكثر من آذار” آڤدار”، وهو الاصطلاح المستجد لشعب يريد أن يعيش قوام الشجر ونباته، كما يتقمص أبهاء الأرض وحيلتها في تجميل فصولها ووشي جنباتها..
في كل حاضرة آذارية بهاء شهي،هو نفحة رؤيا واكتشاف لعالم آخر، لعله الاستعداد للمختلف، حتى لو كان موجعاً بدايةً.
ثمة إذاً ضرورة للتركيز على ما يصلنا بآذار المقام والموقع، على التلاقح الحياتي والأخوي والأممي كذلك، بين الكردي وغيره، بين سوى الكردي والكردي، حيث باع آذار الطويل حتى سدة المنتهى، حيث آذار في تنوع ألقابه ووحدة اسمه، يرتقي إلى مستوى التوحيد الإبراهيمي، كما هي تراجيديا الكفاح وملحمة الانتصار ميثولوجياً على كل طاغية تاريخ.
ليكون دائمئذ، هذا” التآذر” العرَّاب المنشود في نقلتنا النوعية إلى الأروع إنسانياً نحن أولو أمره والمهتدين باسمه الوهاب، من خلال دمنا المشترك الذي ينطق بلغات شتى، ولكنه يُضخ كما هو عنفوان الحياة في جسدنا الجمعي والطوعي..
ثمة فولكلوريات آذارية، ثمة آذاريات تتصارع فيما بينها، كما يعلم بذلك منتظرو آذار الطليعي بين الشهور، وكما يقدّر ذلك المتخوفون من مباغتات آذار وعصفه أحياناً، وكما يظن من به زيغ وانحراف زاوية نظر، لحظة التفكير في أن آذار على الأبواب، وكما يصاب بهلع، أولئك الذين لم يستطيعوا الدخول في ذمة آذارية مستحقة كما يجب، كردياً وغير كردي.
لكن كل هذا التنوع الآذاري لا يعتّم على اعتباره آذارنا الذي اختارنا هو بتقدير فلكي ذات يوم، إن جاز التعبير، منذ لحظة ظهور” كاوا”، دون أن نحتكره لأنفسنا، فهو مباح ومتاح لكلّ الشعوب، كما هي نجوم السماء، وليكون خيارنا نابعاً من غموض يتجاوزنا في سرّه، كامن في تكويننا، عندما ينقَّب في اسم الكردي، وما يجعله ربيب قدر لا يُذاع له سر..
لكن كل هذا الاختلاف الآذاري حيث أهواء آذار ومشتقات منغّصاته، وكذلك مستجداته الواعدة بالآمال، اختلاف لا يعكّر صفوَ كل آذاري يؤمن بدورة الفلك، والموعود به على عتبة آذارية، كما هو الراهن أو الجاري فينا ومن حولنا.
أن يكون آذار حاملاً لأختام ” الكل” فهو ثراؤه، وقدرته على تبنّي التنوع، ولكنه، قبل كل شيء، آذار المنعطف السنوي، وآذار الذي يقايَض فيه برده بدفء آت، وخصوبة طقسية تعيشها الأرض، ويترقبها أهلوها الذين لا يكفون عن ترداد: آذار، يا آذار، “هب لنا من لدنك أسوة حسنة”، هي الحياة المثلى التي آن لها أن تحل في جسوم مأخوذة بها منذ زمن.
سلاماً لآذار، ولكل آذاري، يعيش الروح الآذارية الدفاقة في كينونته أولاً، ويسمي آذاره ليكون آذاريَّ العلامة بجدارة!