العلاقات السورية – الإيرانية إلى أين..؟؟

بقلم: فؤاد عليكو

إن الخوض في مسار العلاقة بين النظامين السوري والإيراني منذ بداية الثورة الخمينية على نظام الشاه المقبور 1979وحتى الآن يحتاج المرء العودة إلى معرفة الظروف السياسية في تلك المرحلة لكلا النظامين، حتى نتمكن من الإحاطة بالموضوع من مختلف جوانبه السياسية والإقليمية ومن ثم ما آلت إليه العلاقة اليوم من تحالف عضوي متين لا يمكن الفصل بينهما0

ففي إيران, ومنذ بداية نجاح ثورة الملالي أعلن مباشرة وعلى لسان قائدها الروحي آية الله الخميني عن عالمية الثورة الإسلامية, وأن إيران ستكون مركز انطلاقة هذه الثورة وأنه يجب تخليص العالم الإسلامي من الاستعمار والإستكبار الغربي وبناء الدولة الإسلامية الحقيقية، وهذا يعني طبيعيا نشر الفكر الإسلامي الشيعي السياسي في العالم الإسلامي وتدخله المباشر في شؤون الدول الإقليمية  ذات التواجد الشيعي (دول الخليج- العراق- لبنان- باكستان…)،
ومن هنا توجس و استنفر كل هذه الدول تحسبا لهذا التدخل نتيجة وجود الطائفة الشيعية لديها واتخاذ إيران لها مرتكزا لتحركاتها، ولما كان العراق الدولة الجارة لإيران وبحدود طويلة وفيها أغلبية شيعية تعاني من اضطهاد قاس من نظام صدام الدكتاتوري, رأت في نجاح الثورة الخمينية فرصة تاريخية لها لمساعدتها في الخلاص من النظام الدكتاتوري والتهميش التاريخي لها, وبدأت إيران بنسج العلاقات معها عمليا, خاصة إذا علمنا أن كثيرا من القيادات الشيعية المعارضة للنظام العراقي كانت موجودة في إيران ودول العالم قبل نجاح الثورة هربا من ظلم النظام العراقي، ولم يمض وقت طويل حتى اشتد الخلاف بين الدولتين وأدت إلى حرب ضروس عام 1980 امتدت ثمان سنوات ووقفت معظم الدول العربية وخاصة الخليجية ومصر بقوة إلى جانب النظام العراقي ودعمه سياسيا واقتصاديا وعسكريا ومنع إيران من السيطرة على العراق، باستثناء سورية التي وقفت إلى جانب إيران نتيجة خلافات عميقة حصلت بين سورية والعراق في نفس العام 1979والتي أدى بصدام حسين إلى تصفية المؤيدين لبناء العلاقة الوحدوية بين سورية والعراق من القيادة العراقية(عبد الخالق السامرائي وجماعته)، وكذلك حصول صراع كبير على السلطة في سورية في نفس العام بين النظام السوري والأخوان المسلمين ووقوف العراق وبعض دول الخليج إلى جانب الأخوان في هذا الصراع، إضافة إلى انتماء الرموز الأساسية للنظام في سورية إلى الطائفة العلوية القريبة من الشيعة، كل هذه العوامل دفعت بالنظام السوري إلى الوقوف بقوة إلى جانب النظام الإيراني في حربه مع العراق، ومع ذلك فإن الرئيس الراحل حافظ الأسد أبقى على شعرة معاوية في علاقاته مع الدول العربية، لا بل استطاع بناء علاقات قوية ومتوازنة وندية مع الطرفين خاصة بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق وقيام صدام حسين باحتلال الكويت عام1990وارسال سورية قواتها إلى جانب الحلفاء الغرب ودول الخليج ومصر ووقوف إيران على الحياد في هذا الصراع، كذلك استطاع النظام السوري من لعب دور المصالحة في العديد من التوترات التي كانت تحصل بين دول الخليج وإيران، إلا هذا التوازن والندية في العلاقة مع الدول العربية و إيران انهار تماما بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في شباط2005حيث اتهم النظام السوري في عملية الاغتيال ووقفت الدول العربية إلى جانب اللبنانيين المطالبين بخروج القوات السورية من لبنان ومطالبة الأمم المتحدة بالتحقيق في قضية الاغتيال وبات النظام مهددا بالسقوط من الداخل والخارج ولم يبقى من يقف معه سوى النظام الإيراني وذراعه العسكري القوي في لبنان حزب الله، وتحول النظام السوري من شريك ندي لإيران إلى حليف ضعيف تابع لسياسته لإيران, وقد كتبت حينها في مقابلة مع جريدة السياسة الكويتية 2006بأن سورية أصبحت ورقة إيرانية بامتياز، ولم يتمكن الدول العربية من العودة به إلى علاقة التوازن السابقة بعد مؤتمر القمة العربية في الكويت 2007وحصول المصالحة بين سوريا والدول الخليجية، وهكذا تغلغلت إيران إلى مفاصل النظام الداخلية من دون أي اعتراض منه، وتم بناء علاقات اقتصادية قوية لدرجة أصبحت سورية تعتمد على الكثير في تجارتها مع إيران وكذلك التوقيع على معاهدة الدفاع الاستراتجي المشترك،وسمحت لهم ببناء الحسينيات الشيعية في العديد من المناطق السورية السنية، مما أثار وبشكل كبير حفيظة الأغلبية السنية في سورية كثيرا وفقد النظام الكثير من شعبيته حتى ضمن البعثيين السنة، لذلك لم يكن غريبا وما أن أشعلت الثورة السورية في آذار الماضي حتى وجدنا العديد من الكوادر البعثية في درعا وغبرها من المدن السورية تعلن عن انضمامها إلى الجماهير المنتفضة، وليس صدفة أن نجد إيران وحزب الله تدخلان بقوة إلى ساحة الصراع بكل أمكانتهم الاقتصادية والإعلامية وحتى العسكرية إذا اقتضت الضرورة وأن يرددوا نفس خطاب النظام في الممانعة والمقاومة والصمود وأن هناك مؤامرة دولية تستهدف سورية الوطنية علما أنها اعتبرت كل الثورات العربية ثورات ضد الظلم والاستبداد والقهر باستثناء سورية النظام،لأن إيران تعتبر سوريا ولبنان البعد الاستراتيجي لتنفيذ مشروع الديني ألتشيعي وبغياب النظام الحالي ورحيله يعني انتكاسة للمشروع وضربة قاسمة لقوتها العسكرية حزب الله، وسوف تنعكس ذلك حتما على كل المنطقة العربية وبالتالي انحسار دورها الإقليمي وعدم قدرتها على اللعب بالورقة العربية والقضية الفلسطينية على السواء،لذلك سوف تعمل بكل طاقتها على عدم إسقاط النظام ومهما كلفتها من تضحيات سواء كانت مادية أو حتى بشرية إذا اقتضى الأمر، ومن هنا نستطيع القول بأننا مقبلون على حرب أهلية لا محالة وأن سورية مقبلة أو دخلت في صراع إقليمي ودولي حتما وأن روسيا ولإعتباراتها الخاصة بها لن تترك النظام السوري وإيران وحزب الله يصارعون وحدهم الدول العربية وأوربا وأمريكا وتركيا فالحرب الباردة تجددت هنا في سوريا.(.للحديث عن الدور الروسي بقية).

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…