إدارة تحديات مرحلة ما بعد الأسد

د.

رضوان باديني

هل تملك المعارضة السورية بكل أطيافها  تصورات واضحة حول كيفية إدارة تحديات المرحلة المقبلة، ما بعد الأسد؟ ومن هي الجهات التي يتوجب عليها البت في هذا الموضوع وتقديم تصورات لإملاء الفراغ الناجم من توقف الإدارة الحالية عن العمل وبالأخص في مجالات الأمن والإدارة والإقتصاد؟ كيف ينبغي التعامل مع هذا الجيش الكبير من العاطلين (الجدد) عن العمل في مختلف قطاعات الجيش والمخابرات ومجموع الأجهزة الأمنية؟ ما هي نوعية العدالة الإنتقالية الجديدة التي ينبغي أن تسود في التعامل مع مؤيدي النظام “السابق”؟ كيف يمكن حل النزاعات الحديثة الناجمة عن فقدان صلاحية الأساليب القديمة في الإدارة والتنظيم المجتمعي؟  ما هي أهم مبادئ الدستور الجديد وكيف يمكن تأمين الحماية النوعية للأقليات الدينية والقومية والمذهبية؟ وما هي طبيعة المعايير والإجراءات التي ترتأيها منظمات حقوق الإنسان والمنظات الحقوقية الدولية؟ على ماذا تعتمد في بناء تصوراتها لمستقبل سوريا القريب والبعيد؟
هذه والعديد من الأسئلة والإستفسارات الأخرى كانت محاور لنقاشات جادة  وحوارات مستفيضة في ورشة عمل على مدى أسبوع كامل في (كوبنهاغن) دانيمارك تحت عنوان:
Managing the challenges of the post-Assad transitional period، بين قرابة 20 من الخبراء السوريين والأجانب، بما فيهم قادة عسكريين أمريكيين سابقين في العراق وأفغانستان، وإستراتيجيين مساهمين في مشاريع مشابهة، كالأستاذ ليث كبة (العراق)، الرئيس الحالي للصندوق الأمريكي لدعم الديمقراطية،  والسيد فيتون سرويي، الناشط والمنفذ البارز للتحرير القومي (كوسوفو)..

وقد قام بتنظيم هذا اللقاء عدة منظمات أمريكية وأوروبية وبمبادرة وتشجيع مؤسسة ” ثروة”، التي يرأسها المعارض السوري والناشط السياسي المعروف الأستاذ عمار عبدالحميد.


سنحاول في هذه الوقفة السريعة التعريف بالخطوط العريضة لما يشبه “خارطة طريق” مفصلة لأهم فقرات ومفاصل الإستراتيجة الجديدة لإعادة بناء وتنظيم سوريا وجملة المواضيع المخصصة لتدارك ظروف وخصوصيات المرحلة الإنتقالية.

لقد حملت الأوراق والمحاضرات والخطط  المقدمة  لورشة العمل، العناوين التالية:
·  سوريا الطريق إلى الأمام، الجنرال مايك دزيتجتش (ثلاثة صفحات) وضمت الخطة  العناوين الفرعية التالية: مخاطر الخلافات المذهبية، شحة الموارد المالية المقدمة من قبل المجتمع الدولي، الخطة العاجلة لإنقاذ الدولة السورية.
·  مبادئ التغيير والإستراتيجية السياسية الجديدة (جيمس هوبر، رئيس منظمة “القانون الدولي العام  والمجموعة السياسية”، (26 صفحة) وضمت المحاضرة  وصف دقيق لإجراءات العدالة الإنتقالية وإدارة الأزمة والصراع وكيفية تدريب وإعداد النخب والقيادات الميدانية على المبادئ الرئيسية للديمقراطية  لتوجيه التغيير نحو الأهداف المرسومة (تحليل الصراع وحل الخلافات ، أرشفة وتصنيف الأولويات وعناوين الخبراء والقادة الجدد، تأمين عدم توسيع حدود الخلافات)
·  إنشاء برنامج وآليات نزع السلاح (17صفحة) ونقرأ فيها: إعادة التوزيع والإنتشار والتحقق والمراقبة لمختلف العمليات، جمع السلاح، ارشفة الوثائق المتعلقة بجمع السلاح مع التعريف بالأسباب التي أدت إلى تحولها لإيدي أصحابها، تأمين مستودعات التخزين بحيث لا يقع في ايادٍ أخرى، المساعدة في ترسيخ الولاء.
· توزيع المهام والوظائف الجديدة للقدرات العسكرية المستحدثة (23صفحة) مع السهر على إبطال مفعول الآليات القديمة في نشر وتوزيع العناصر والجماعات المسلحة.

ونقرأ في التقريرالعناوين التالية: (إعادة الإعتبار لإنتشار المقاتلين السابقين كعناصر مدنية  وغير مسلحة، التحقق من إعادة إندماجهم في المجتمع، إعطاء الأولوية للمحايدين وتشجيع مساهمة الآخرين ببرامج مخصصة، ترسيخ وتعزيز علاقاتهم مع التركيبات الأمنية الجديدة، تشويق المترددين بالإستسلام، تأمين النقل والمواصلات المدنية، قيد وتوثيق الحقائق والإحداثيات المخالفة وتحليلها لتفادي تكرارها، تأمين الخدمات الأولية الضرورية للسكان.
·  تأسيس برامج وآليات الإندماج والتكامل الجديد على أسس قانونية (26صفحة) ونقرأ العناوين التالية: الأهداف المتوخاة من التحول عن التجييش والحشد إلى الإندماج والتكامل، تأمين المساعدة في الفترة الإنتقالية للجميع، التأمين والمعالجة الصحية، التربية والتعليم، محاربة البطالة، تقوية وتشجيع عناصر قطاع الخاص ورعايته، الحفاظ على التنمية المتوازية وعدم السماح بالثأر أو تغيير الملكية بالقوة، الحفاظ على التوزع المدني للمصالح، تشجيع المصالحة، تطمين المغدورين من النظام السابق بالتعويضات القانونية المستحقة).
·  الخطوط العريضة لمبادئ حقوق الإنسان وأمن وسلامة السجناء والمعتقلين (8صفحات)، ونقرأ في عناوين هذا التقرير: التحقيق في حالات التعذيب والتعسف بحق الموقوفين، الوقف الفوري لإستخدام العنف بحق المسجونين لإنتزاع إعترافات، تقديم المساعدة الحقوقية والمعالجة النفسية للموقوفين، التأكد من عدم إعادة إستخدام الإنتقام والثأر، القيام بعمليات تربوية متخصصة لإعادة التأهيل، إطلاق سراح البريئين والمغرر بهم، عزل بعض السجناء والتأكد من عدم إحتكاكهم بالآخرين، تأمين الخدمات الدينية لهم، ضمان تمتعهم بحقوقهم الإنسانية  والشرعية).
· تفعيل دور القانون في الفترة الإنتقالية ومقارنة عملية للظروف المستجدة للعمليات المثيلة السابقة (30صفحة)..

ونقرأ في هذا التقرير العناوين التالية: دور القوانين في الفترة الخلافية الإنتقالية وإستخدامات “القوانين الطارئة”، مقارنة وتحليل لمضمون وواقع التنفيذ للقوانين السائدة في عصور ما قبل الثورة وما بعدها في كل من تونس، مصر، ليبيا، العراق، أفغانستان
·  مبادئ الدستور الجديد والعدالة الإنتقالية (24صفحة).

ونقرأ في هذا التقرير: متى يبدأ العمل بالدستور الجديد، الظروف الطارئة وضرورات وقف العمل بالدستور السابق، أهمية التثقيف بمضمون الدستور الجديد، التفعيل التدريجي والجزئي للمبادئ والإنتقال للعهد الجديد، الأطر القانونية للشرعية، الفهم الجديد للأحوال القديمة والوضع القانوني الإنتقالي، الوضع الفعلي المنشأ de Facto ، الإنتخابات المحلية والمناطقية ودورها في التنشئة الحديثة على المبادئ الدستورية والحقوق المكتسبة أو المستعادة، السلطة الإنتقالية وفروعها، الرئاسة، الهيئات التنفيذية المقررة، الشرعية التنفيذية الإيجابية، الإجراءات والمعايير الإنتقالية المرافقة، تركيبة عناصر المحاكم والقضاة، تنفيذ الأحكام، المهجرون والمبعدون والمنفون وأحكام إعادتهم للحمة الوطنية، الجماعات المسلحة والشبه عسكرية، الأجهزة والمعدات المتطورة للتحقيق والتثبيت من الأحكام).
·  العناصر الرئيسية لضمان انتقال السلطة من الإدارة المركزية  إلى اللامركزية (الباحثة بيتسي بوبكين، 23صفحة) وفيها نرى شرح مقتضب ودقيق لأهمية توزيع عناصر السلطة في الدول المتعددة القوميات على الأقاليم والحكومات المحلية.

وفيها تركيز على ضرورة توفرعناصر نجاح الإنتقال إلى اللامركزية السياسية من خلال الإنتخابات المحلية والمناطقية، وسيادة آليات صناعة القرار الذاتي على المناطق المحددة جغرافياً، والتي تضمن تحقيق عدالة إجتماعية في مسائل الخصوصيات الثقافية، وكذلك سلطة جني الإدارة الذاتية للضرائب المحلية وصرفها على إحتياجاتها النموذجية، وحصولها على رصيد متكافئ من الميزانية العامة.

وقد ركزت الباحثة على نجاح اللامركزية كحالة قانونية على ضرورة وضوح الرؤية الدستورية حيال الوضع الخاص اللامركزي، وكذلك دستورية الأطر القانونية الممارسة للسلطات التشريعية والتنفيذية في الإدارات الذاتية.

وقد إعتبرته شرطاً لخلق هرمونية تكاملية لمناطق الأقليات القومية و تأمين الخدمات المتطورة لرفع القدرات والملاكات الإندماجية الوطنية.
·  تقييم موضوعي للدستور السوري الجديد (35 صفحة) ونقرأ العناوين الفرعية التالية: تحليل للإهتداءات والمبادئ الأساسية، الحقوق والحريات ودور القانون، تركيبة سلطات الدولة، المحكمة الدستورية العليا، آليات تعديل الدستور، الأحكام والأحوال الإنتقالية.
لقد كانت مناقشة مضامين هذه العناوين تسهم في بشكل مباشر في تجلية خطة إسترتيجية واضحة تبرز فيها الأهداف العامة للثورة السورية ومبادئها ورؤيتها المستقبلية لبنية الدولة المدنية العصرية الجديدة، المدارة من قبل حكومة تستمد شرعيتها من الإنتخابات الحرة وتستند على الشرعة الدولية وقيم وحقوق الإنسان والمساواة..

كركائز ثابتة لخلق تعددية إجتماعية وثقافية حضارية، تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري القومية والدينية  وإعتمادها على مبدأ المواطنة الحرة ومبادئ الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع هذه المكونات بدون  تمييز في المذهب والدين والقومية .
وقد ركز المشاركون الإهتمام بشكل خاص بضمانات الأمن العام وبناء المؤسسات المدنية في العهد الجديد إعتماداً على  الخبرات المتوفرة محلياً اوالإستعانة بالخبرات الخارجية بشكلٍ مؤقت، (كالإستعانة بقوات الجندرمة الأوربية) أو عن طريق إرسال بعثات متنوعة وسريعة للدول المعنية لزيادة فعاليتهم ومستواهم العملي سواء لحفظ النظام أو إعادة بناء المؤسسات الداخلية الجديدة.


وقد حدد المشاركون أهمية بناء جسور الثقة بين العهد الديمقراطي الجديد والموالين السابقين للنظام؟ حيث ينبغي هنا التمييز بين أفراد ومجموعات متنوعة ومتفاوتة في ولائها للنظام.

ودقة تحديد هذه العلاقة هي التي تسمح بنوعية التعاطي معهم على أساس المفاوضات.

أن الهدف من خطط من هذا النوع هو خلق القناعة بالعهد الجديد، وشرعيته.

وهي ستؤدي بالنهاية أما إلى تأسيس هيئة لمحاسبة ومسائلة قانونية وفق معايير العدالة الإنتقالية على ما أرتكبوه من جرائم، أو إلى إعادة دمجهم في التركيبات الجديدة بشكلٍ تدريجي أو إحالتهم للتقاعد..

لكن الأساس هنا هو معرفة نوعية دوافعهم السابقة للولاء ومدى قابلياتهم للتحول لعناصر إيجابية في العهد الجديد.


إلا أن أكثر النقاط التي حظيت بإهتمام المشاركين ودفعتهم للمناقشة النشطة والحيوية، كانت مسالة “مبادئ وأسس الدستور الجديد” وقد إتفق المجتمعون على أن جل مهامهم في الفترة القريبة القادمة هو نشر وترسيخ مبادئ مسودة الدستور القادم الناتج من مشاركة جميع المكونات السياسية والثقافية والمعبرة عن إرادتهم المشتركة.

وضرورات الحذر الشديد في الفترة الإنتقالية من محاولات تفريغ العملية السياسية الديمقراطية من محتواها إزاء سيطرة فيئة إيديولوجية وحزبية على مسار عملية التطور السياسي للبلد، والإستئثار بالعملية السياسية وهي ما زالت هشة ورخوة.

ولذلك تم التأكيد على الحاجة الماسة للمجتمع السوري لدعم ومساندة من كل نوع وبالأخص من الناحية السياسية والإستشارية ولإختصاصيين وذوي خبرات في مختلف المجالات.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…