سوريا والعامل الدولي من جون ماكين إلى سيرغي لافروف

جان كورد

من ملاحظاتنا على مؤتمر هه ولير (أربيل) للجالية الكوردية من خارج البلاد أنه أهمل موضوع البعد الدولي إهمالاً تاماً في محاضراته ومداخلاته العديدة، فالبعد الدولي يخيم بظلاله الوارفة على كل صغيرة وكبيرة في حياتنا السياسية الكوردية، داخل البلاد وخارجها، وهذا لايمكن تناسيه لأسباب متعلقة بأحزابنا أو ظروفنا الذاتية، فالحياة السياسية تكون صحية وناجحة عندما نلم بكل جوانبها، ولاندع أي جانبٍ منها في العتمة، بعيداً عن النقاش والمعالجة.
وهكذا هو الوضع العام للمجتمع السياسي السوري، الذي نحن جزء من نسيجه المتعدد الألوان.

ولا يمكن معالجة المعضلة السورية الحالية التي صار لها من العمر سنة كاملة، دون التطرق إلى جانب البعد الدولي الهام وتأثيراته فيها، إذ هناك محوران كبيران متناقضان يتمثلان بموقفين متعارضين، الأول هو موقف السيناتور الأمريكي الجمهوري المعروف جداً، جون ماكين، والثاني هو موقف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، حيال الموضوع السوري هذا.

فالموقف المكيني يطالب بصراحة بقصف المواقع والآليات العسكرية السورية من طائرات ودبابات تهاجم الشعب السوري والمتظاهرين المدنيين، وذلك بهدف وضع حد لطغيانه وإزالته من الوجود، في حين أن الموقف اللافروفي يسعى بكل السبل للابقاء على نظام الأسد، رغم كل جرائمه ضد الإنسانية، ورغم المطالبة الدولية بالتخلص منه.

وبين الموقفين الصارخين هذين مواقف أقل حدة في الاتجاهين المتعاكسين.
يحاول النظام الأسدي على الصعيد إظهار نفسه الدولي بكل ما أوتي من قوة كجدار مانع للإرهاب الدولي، حتى أنه يحاول المستحيل لاتهام المعارضين السوريين بأنهم يرتكبون مذابح رهيبة وكبيرة بحق المدنيين، في حين أن مرتزقته وشبيحته وجنوده هم الذين يفعلون تلك الجرائم الوحشية، وعلى الرغم من أن ليس هناك في العالم الخارجي من هو مقتنع بما يزعمه، فالعالم كله يعلم أن الأحداث السورية ليست إلا حلقة من حلقات الثورات الشعبية التي يطلق عليها اسم “الربيع العربي”، وهي ثورات نجحت الواحدة تلو الأخرى إلى حدٍ كبير، في تونس وليبيا ومصر، والنظام مستعد لارتكاب كل الحماقات بهدف البقاء.

وعليه فإن التوجه الدولي للنظام الأسدي خاطئ من الاساس، ولايجدي، بل إن عناده السياسي، رغم كل هذه المظاهرات الواسعة والانشقاقات الكبيرة في صفوف الجيش السوري، ورغم كل التضحيات البشرية التي زادت عن ال8500 مواطن، سيؤدي به إلى مزيد من العزلة على الصعيد الدولي، وقد ترغم جرائمه الجماعية المتتالية المجتمع الدولي أو أطرافاً منه إلى تدخل عسكري مباشر ضده.
العامل الدولي للأزمة السورية هو الذي يتحكم في بقاء النظام أو سقوطه، فمن خلاله تتوحد القوى الدولية التي ترغب في الاطاحة بالنظام أو إضعافه أو إرهاقه، كما هو رأي المحور المكيني، أو تختلف على ما يجب القيام به أو تركه على حاله، كما يفكر به المحور اللافروفي حتى الآن، إلا أن الذي يزيد في تفعيل هذا البعد الدولي، إضافة إلى ارتكاب النظام للمجازر، هو استعداد الشارع السوري لتحريك الأجواء الخانقة والمحافل الصامتة في هذا البعد الهام جداً.

فالشارع الذي يثور وفق خطة وسياسة تأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الدولي هو الأقدر على توظيفه لخدمة أهدافه الوطنية، ومنها هدف اسقاط النظام الذي تسعى المعارضة له، كما يسعى الشارع السوري بأسره.
وأعتقد بأن المعارضة السورية تستطيع لعب دورها في توحيد طاقات الشعب وزجها كلها في معركة الحرية، من خلال التنسيق الجيد بين فصائلها الأوعى لأهمية البعد الدولي في صراع السوريين من أجل الانتصار الناجز على نظام المافيا الدموية في بلادهم، أما الحلم بتوحيد كل الفصائل فهذا ضرب من الخيال وتضييع للوقت، إذ أن من سمات الديموقراطية تعددية القوى السياسية في المجتمع الواحد.

أما المعارضة التي لاتعي أهمية البعد الدولي، فإنها إما جاهلة بجدلية الثورة والنجاح أو أنها لاتريد ذلك حقيقةً، أو أنها معارضة مندسة من قبل النظام ذانه، وكذلك تلك المعارضة التي تبحث باستمرار عن الأسهل في الأعمال، وتتجنب الصدام مع النظام، وتختار محور لافروف عوضاً عن محور ماكين، رغم كل المذابح والقصف المدفعي الذي يذبح في ظله أطفال سوريا بين أحضان أمهاتهم المغتصبات.

13‏ آذار‏، 2012

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…