في وحدة المعارضة السورية؟

جان كورد

منذ أن خرجت الجماهير السورية مطالبةً بالتغيير الجذري أولاً، ومن ثم بإسقاط النظام مع تطور الأحداث وتعاظم الثورة، تعلو أصوات في العالم الخارجي، وبخاصة في بعض الدوائر العربية والدولية الهامة، تطالب باستمرار ب”توحيد صفوف المعارضة السورية” وكأن تواجد فصائل مختلفة فكرياً وسياسياً في رحم هذه الثورة وعدم توحدها في إطارٍ واحدٍ موحد من أكبر العراقيل أمام دعم هذه الدوائر للمعارضة السورية والاعتراف بها.

وفي الحقيقة فإن هذا يثير التساؤل عن السبب الحقيقي وراء هكذا مطلب غير معقول، فالمفترض في المعارضة الديموقراطية أن تكون مختلفة ومتنوعة من حيث الأفكار والسياسات والبرامج والخطط، ولايمكن أن تتطابق في ذلك، كما هو الحال في النظم الشمولية التي تسعى المعارضات الديموقراطية لازالتها واستلام مكانها في مجتمعاتها.
لقد ساعدت الولايات المتحدة الشعب الألماني في التخلص من النازية الهتلرية، دون أن تكون هناك معارضة سياسية حقيقية لها على أرض الواقع، بل كان الاشتراكيون الديموقراطيون مشتتين وهاربين ومختفين عن الأنظار، وكانوا القوة الأهم تنظيماً في ألمانيا، كما قامت الولايات المتحدة الشعب العراقي ب”تحرير العراق” من ربقة النظام الصدامي والمعارضة العراقية لم تتوحد في يومٍ من الأيام، لا قبل التحرير ولا بعده، فكانت هناك مجموعات شيعية وسنية ومسيحية وقومية (عربية وكوردية وتركمانية وآشورية) ولا تزال، إلا أنها كانت متفقة فيما بينها كما ظهر في مؤتمري لندن وصلاح الدين على التخلص من النظام الشمولي البعثي ومن دكتاتورية صدام حسين الدموية، وهذا حال السوريين اليوم أيضاً.
تتوزع المعارضة السورية بين اتجاهات ليبرالية ديموقراطية وإسلامية ويسارية، ولكنها متفقة على ضرورة إحداث التغيير الجذري الشامل في سوريا، ولا نعلم عن معارضة تسعى للعيش مع حكم العائلة الأسدية التي فاقت في ارتكابها الجرائم ضد الإنسانية كل النظم الاستبدادية في العالم.
لقد دعم البريطانيون ومعهم الأمريكان فكرة مؤتمرٍ وطني عراقي كبير للتوصل إلى مشروع واسع للإطاحة بصدام حسين واقامة الدولة العراقية الديموقراطية، فلماذا هذا الحديث المستمر عن ضرورة “توحيد” المعارضة السورية، كضرورة سياسية قصوى، والمشروع السوري أوضح من الشمس بين أيدينا، وهو يتلخص في “اسقاط نظام الأسد” و”بناء سوريا الحرة الديموقراطية” و”تحقيق السلام العادل” في المنطقة؟ ولماذا ليست هناك جهود من قبل الإدارة الأمريكية لتعزيز وحدة المعارضة السورية، إن كانت وحدتها أهم عنصر من عناصر النجاح في مشروع التغيير السوري؟
طبعاً تختلف الوسائل من معارضة إلى أخرى لتحقيق أهداف الشعب السوري، ويختلف مفهوم “الحرية والديموقراطية” وكذلك السبيل من أجل السلام العادل من فصيل إلى أخر، إلا أن فصائل المعارضة ليست متباعدة في منهاجها ووسائلها إلى درجة القطيعة أو عدم التمكن من تحقيق الاتفاق الأدنى فيما بينها، وطبعاً هناك على الدوام من يحاول التسلط على سواه في إدارة الأزمة وقيادة المعارضة، وهذا طبيعي ووارد، وبخاصة فإن السوريين قد عاشوا في ظل نظامٍ شمولي عقوداً من الزمن، ويحتاجون إلى بعض الوقت لتحرير أنفسهم من أساليب وتفكير النظام الشمولي، ولكن هناك سوريون عاشوا ولا يزالون في الحرية منذ عقود عديدة من الزمن، وصارت لهم خبرات جيدة في مجال التواصل الديموقراطي فيما بين المنظمات وفي التحالفات، وبقليل من الدعم السياسي والمعنوي لهم سيتمكنون من بناء معارضتهم بالشكل اللائق والحضاري، رغم العوائق الكثيرة وقلة امكاناتهم المادية.
الحديث المستمر عن “تعقيدات الوضع السوري!” ليس إلا للتغطية على عدم الرغبة في إزالة النظام الأسدي لأسباب استراتيجية متعلقة بالأمن الاسرائيلي من وجوه عديدة، واثارة المخاوف من تفتيت سوريا إلى دويلات بسقوط الأسد، يعني عملياً المحافظة عليه أو على أسلوبه المركزي الشديد في الحكم التعسفي رغم كل جرائمه المستمرة، وقد وصل الأمر إلى حد التمديد العربي والدولي للأسد في إجازته بالقتل والترويع من خلال توالي المبادرات الفاشلة في مجال التعامل معه، والسوريون بدأوا يشكون في جدية وأهمية هكذا مبادرات طالما لاتؤتي ثمارها ولاتردع القاتل عن ارتكاب المزيد من الجرائم.
فكيف يمكن للسوريين انتزاع الذريعة بأنهم غير متوحدين من أيادي الدوائر العربية والدولية التي تثير الأحاديث اليومية عن ضرورة توحيد المعارضة وعن تعقيدات الوضع السوري؟
أعتقد أن ما يرفعه الشعب السوري في الشارع المتظاهر هو الذي يفرض نفسه على المعارضة وليس العكس، ولذلك فإن أي معارضة لاتعكس واقع أن الشعب هو الأصل ليست معارضة جادة، ويجب إهمالها تماماً، فلا يعقل أن يطالب الشعب ب”تدخل عسكري” ومع ذلك يخرج من المعارضة على الملأ من يحاول التأكيد على أن طلباً كهذا غير وطني ويضر بالبلاد وبالشعب وبالمعارضة، وعليه يجب أن تكون مطالب الشعب هي أسس المنهج السياسي للمعارضة الحقيقية، وهذا ديموقراطي حقاً.
من ناحية أخرى، يجب عقد مؤتمر واسع يضم كل الفرقاء المفترض فيهم أنهم يمثلون الشعب السوري، ويسعون لانهاء الدكتاتورية، ولكن لايعني ذلك جمع كل السوريين المعارضين للنظام في بوتقة واحدة، بل يجب جمع ممثلي الفئات والمكونات المختلفة القادرة على إحداث التغييرات العملية في الشارع السوري وممثلي الذين يقدمون حياتهم رخيصة في سبيل شعبهم كل يوم، وكذلك أقطاب من يساندونهم بقوة في المهاجر، والجمع بين هؤلاء يجب أن يستهدف التوصل إلى برنامج وطني للمعارضة والثورة ذي خطوط أساسية واضحة وملزمة للجميع.

وحقيقة فإن بعض المؤتمرات السورية السابقة لم تكن بمستوى المؤتمر الوطني المنشود والضروري عقده في هذه المرحلة.
وأخيراً، لابد من الاستعانة بخبرات الديموقراطيين في العالم الحر الديموقراطي لانجاز هكذا مشروع ضخم، ولكن لايستطيع السوريون القيام بهكذا عمل تاريخي دون مساعدة مادية ومعنوية من إخوتهم العرب، وجيرانهم الترك، الذين تهمهم أيضاً قضية تحرير سوريا من قبضة هذا النظام الذي فاق الفاشية والنازية إجراماً واستهتاراً بالحياة الإنسانية، والذي جعل من نفسه مخفراً أمامياً خطيراً للتوسعية الايرانية في المنطقة.

ولابأس من القيام بمحاولات جادة لاقناع الايرانيين والروس أيضاً بأن من مصلحتهم المستقبلية الخلاص من هكذا نظام في المنطقة، وبأن بقاءه سيعود بالخسارة على الجميع.

 
ولذلك أرى بأن عقد مؤتمر وطني سوري واسع هو الرد الفعال على من يتذرعون بعدم توحد المعارضة السورية ويترددون في القيام بأي عمل جاد ضد النظام الدموي في سوريا، وسائر المبادرات الفردية والثنائية والجماعية يجب أن تخدم فكرة هكذا مؤتمر.

17‏ آذار‏ 2012   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

جليل إبراهيم المندلاوي   في خبر عاجل، لا يختلف كثيرا عن حلقة جديدة من مسلسل تركي طويل وممل، ظهرت علينا نشرات الأخبار من طهران بنغمة هادئة ونبرة مطمئنة، تخبرنا بأن مفاوضات جديدة ستعقد بين إيران وواشنطن، هذه المرة في “أجواء بناءة وهادئة”… نعم، هادئة، وكأنها نُزهة دبلوماسية على ضفاف الخليج، يتبادل فيها الطرفان القهوة المرة والنظرات الحادة والابتسامات المشدودة. الاجتماع…

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…

فرحان كلش   قد تبدو احتمالية إعادة الحياة إلى هذا الممر السياسي – العسكري ضرباً من الخيال، ولكن ماذا نقول عن الابقاء على النبض في هذا الممر من خلال ترك العُقَد حية فيه، كجزء من فلسفة التدمير الجزئي الذي تتبعه اسرائيل وكذلك أميركا في مجمل صراعاتهما، فهي تُسقط أنظمة مثلاً وتُبقى على فكرة اللاحل منتعشة، لتأمين عناصر النهب والتأسيس لعوامل…